أجمل الأقوال عن المساء

أقوال عن المساء

يُمثّل المساء إحدى المحطات الهادئة في يوم الإنسان، حيث تتباطأ حركة الحياة تدريجياً، وتبدأ الطبيعة في إطفاء أنوارها الصاخبة لتفسح المجال للسكينة والراحة. منذ أقدم العصور، ألهم المساء الشعراء، والفلاسفة، والحكماء، فكتبوا عنه أجمل العبارات، وعبّروا من خلاله عن أعمق مشاعرهم، سواء كانت تأملًا أو حنينًا، حبًا أو فراقًا، أملاً أو خيبة. في هذا المقال، سيتم تناول موضوع “أقوال عن المساء” من زوايا متعددة، تشمل البعد الأدبي، الفلسفي، الاجتماعي والنفسي، مدعومة بأمثلة من التراث العربي والعالمي، ومرفقة بتفسيرات ثقافية تعمق الفهم الرمزي لهذا الوقت من اليوم.

المساء في الأدب العربي

المساء في الأدب العربي يتخذ طابعًا شاعريًا حالمًا، حيث يظهر كرمز للحنين، أو نهاية يوم شاق، أو بداية لحظات تأمل في صمت الوجود. كتب عنه نزار قباني قائلًا:

“المساءاتُ الجميلةُ لا تحتاجُ إلى أضواءٍ صناعية، بل إلى قلبٍ يعرف كيف يُنصِتُ إلى الحنين.”

في كثير من القصائد الجاهلية والعصور التالية، نجد أن المساء يُستخدم كخلفية رومانسية أو وجدانية، حيث تتداخل فيه مشاعر الوحدة مع جمال الطبيعة عند الغروب، فيقول أحدهم:

“إذا أقبلَ المساءُ تنفّستُ من كربِ النهارِ، فصارَ الليلُ عندي نعمةً ورحمة.”

وقد تغنّى أمير الشعراء أحمد شوقي بجمال المساء، فقال:

“والليلُ إنسانٌ لطيفُ الطبعِ إنْ… ناديتَهُ يُصغي إليكَ ويَهْدأُ.”

إن هذه الصورة الرقيقة للمساء تكشف عن مدى عمق رمزية هذا الوقت في الثقافة العربية، حيث تتداخل فيه الأحاسيس وتتشابك فيه التذكارات مع لحظات السكون.

المساء كرمز فلسفي

من منظور فلسفي، يُنظر إلى المساء كمرحلة انتقالية ترمز إلى النهاية، أو إلى بداية جديدة كامنة في الظلام. اعتبره البعض استعارة لعمر الإنسان، فكما يبدأ اليوم فجراً ويشتد ظهراً ثم يهدأ مساءً، كذلك هي حياة الإنسان.

يقول الفيلسوف الروماني سينيكا:

“المساء هو فرصة ثانية لمن فاته نور الصباح، فليس العبرة بالبداية بل بكيفية الختام.”

وفي هذا السياق، يرى بعض المفكرين أن المساء لحظة تأمل في الفعل الإنساني اليومي، حيث تتسع فيه قدرة الإنسان على التفكير والتقدير، لأنه متحرر من ضغط الحركة اليومية. وهذا ما دفع الفيلسوف الفرنسي باسكال إلى القول:

“في المساء تخرج الحقيقة من زحام النهار.”

أقوال مشهورة عن المساء

فيما يلي مجموعة من الأقوال المأثورة عن المساء، من مصادر متنوعة عربية وعالمية، تعبّر عن تعدد دلالات هذا الوقت:

هذه الأقوال تُظهر كيف أن المساء يتيح للناس نافذة للتفكّر، وربما لإعادة بناء أنفسهم بهدوء بعيداً عن ضجيج النهار.

المساء في الشعر العالمي

في الشعر الغربي، كثيرًا ما مثّل المساء رمزًا للحنين إلى الوطن أو إلى الأحبة، أو تأملًا في مصير الإنسان. كتب الشاعر الإنجليزي ووردزورث:

“أيها المساء، يا صديقي الوحيد في وحدتي، علّمني كيف أكون ساكنًا مثل ظلك الطويل.”

أما الشاعر الأمريكي والت ويتمان فكتب:

“المساءُ كالطفل العائد من مغامراتهِ، يتسلل إلى حضن أمّه – الليل.”

إن استخدام المساء في الشعر العالمي لا يختلف كثيرًا عن توظيفه في الشعر العربي، حيث يظل حاملاً لمعانٍ وجدانية وروحية غزيرة، تجعل منه أكثر من مجرد فترة زمنية.

المساء في الثقافة الشعبية

يمتد تأثير المساء إلى الثقافة الشعبية، حيث غالبًا ما يكون وقت اللقاءات العائلية، أو بداية وقت الراحة بعد العمل، أو فترة المشاهدة التلفزيونية والحديث العائلي. لذا، فإن كثيرًا من الأمثال الشعبية تشير إلى المساء كرمز للراحة أو للقرار أو للتصالح، مثل:

• “إذا فاتك الصباح، لا يفوتك مساء الندم.”

• “في المساء تُوزن الأفعال، لا في ضجيج النهار.”

• “من لا يعرف سكون المساء، لا يقدّر ضوء الفجر.”

كما أن العديد من الأغاني العربية الخالدة تبدأ بكلمات مثل “في مساءٍ هادئ…” أو “حينَ أقبل المساء…”، وهو ما يدل على الرصيد العاطفي الكبير الذي يحمله هذا الوقت في الوجدان الشعبي.

المساء من منظور نفسي

من منظور علم النفس، يُعتبر المساء لحظة تراجع النشاط العقلي اليومي، وهو الوقت الذي تبدأ فيه العمليات الذهنية المرتبطة بالمراجعة الذاتية والهدوء الداخلي. يلاحظ علماء النفس أن الإنسان في المساء يميل أكثر إلى مراجعة مواقفه ومشاعره والتواصل العميق مع نفسه، لأن الحواس تكون أقل انشغالًا بالعالم الخارجي.

وقد أشارت دراسات متعددة إلى أن المساء هو الوقت الذي تكثر فيه الكتابات الأدبية الشخصية مثل المذكرات واليوميات، كما تزيد فيه مشاعر الحنين والرغبة في التواصل الإنساني.

وبحسب دراسة أجرتها جامعة كولومبيا، فإن 62% من الناس يفضلون التفكير في مشكلاتهم أو اتخاذ قرارات مصيرية في المساء، حين تكون عقولهم أكثر هدوءًا وتركيزًا.

تجليات المساء في الفن التشكيلي

في الفن التشكيلي، كان للمساء حضور واسع، حيث يُستخدم الضوء الخافت وظلال الغروب لتوليد حالات نفسية وفكرية عميقة. من أبرز اللوحات التي تناولت موضوع المساء:

• لوحة “غروب في مونمارتر” للفنان الفرنسي كلود مونيه، التي استخدمت فيها درجات الأزرق والبرتقالي لتجسيد لحظة غروب هادئة.

• لوحة “مساء في البحر” للفنان إيفان إيفازوفسكي، التي صوّرت سفينة تتهادى على صفحة مياه هادئة تغمرها أشعة الشمس المحتضرة.

إن اللونين الأحمر والبرتقالي في أغلب لوحات المساء يُعدّان رمزين للهدوء الممزوج بالحزن الجميل، وهو ما يعزّز من دلالة المساء كمرحلة للتأمل.

أمثلة من التراث الإسلامي

في النصوص الإسلامية، يُلاحظ اهتمام خاص بالمساء من خلال ذكر أذكار المساء، التي تمثل حصانة روحية ونفسية للمؤمن في نهاية يومه. كما أن فترة المساء تُعدّ من أوقات الاستجابة في الدعاء، حيث تُفضّل الأوقات التي يعمّ فيها السكون، ويخلو فيها الإنسان بنفسه وخالقه.

قال ابن القيم رحمه الله:

“إذا أقبل المساء، فذلك وقت خلوة المحبين بربهم، حيث تُغلق أبواب الدنيا وتُفتح أبواب السماء.”

وفي القرآن الكريم نجد آيات متعددة تشير إلى أوقات المساء ضمن طقوس العبادة والتأمل، مثل قوله تعالى:

“فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها” [طه:130]

خاتمة

يمثل المساء أكثر من مجرد تحول زمني في دورة اليوم؛ إنه لحظة وجودية يلتقي فيها الفكر بالشعور، والروح بالجسد، والذاكرة بالواقع. لقد ألهم المساء عقول الشعراء، وأرواح المتأملين، وريشة الرسامين، وصوت المغنين، وأقلام الفلاسفة. تتعدد دلالاته بتعدد الثقافات، لكن تبقى قاسمًا مشتركًا في كونه وقتًا للسكينة والعودة إلى الذات. إن فهمنا للمساء يتطلب إنصاتًا عميقًا، فكما قال جبران خليل جبران:

“المساء ليس ظلامًا، بل لغة من نورٍ آخر.”

المراجع

1. جبران خليل جبران، الأعمال الكاملة.

2. ابن القيم، الوابل الصيب من الكلم الطيب.