في كتابه المميز الذي يحمل عنوان “شعر أبي تمام بين النقد القديم ورؤية النقد الجديد”، يقدم الكاتب سعيد السريحي تحليلاً عميقاً وشاملاً للتصور الفني والنقدي الذي اصطدمت به قصائد الشاعر العربي الكبير أبو تمام. يتتبع السريحي في صفحات هذا الكتاب الغني بالمحتوى، اصطدام أبو تمام بالمعيارية السائدة في أفق النقد العربي، حيث يبرز الاختلاف الحاد بين رؤية أبي تمام وتلك النظرة القديمة التي هيمنت على فهم النقاد والبلاغيين في العصور السابقة.
إن اصطدام أبي تمام بالمعيارية لم يكن مجرد صدام فكري، بل كان صداماً فنياً ولغوياً، حيث استند الشاعر إلى آفاق جديدة من التعبير والابتكار اللغوي، متجاوزاً الوضوح والإلف الذين كانوا يعتبرونهما مقياساً لجودة الشعر. ينقل السريحي بأسلوبه الرصين والممتع، كيف تجاوز أبو تمام تلك القيود وتناغم مع رؤية فنية جديدة، حيث اعتمد على الغموض والغرابة في أشعاره، وخرج عن المألوف والتقاليد.
يستعرض الكتاب مجموعة وافرة من القضايا النقدية التي طرحها أبو تمام، مع التركيز على كيفية تأثير هذه القضايا على تطور الشعر العربي. كما يلقي الضوء على الخلافات والتباينات بين رؤية أبو تمام وبين المدرسة النقدية القديمة، مسلطاً الضوء على الأبعاد الفنية والفلسفية لتلك الاصطدامات.
صفحات الكتاب الـ307 تعتبر رحلة مثيرة في عالم النقد الفني، حيث يقوم القارئ بالغوص في أعماق تحليلية متقنة، مليئة بالتفاصيل والنقاشات الفلسفية حول تلك الظاهرة الأدبية المميزة. يتيح لنا السريحي فهماً أعمق للتحولات الجذرية التي فرضها أبو تمام على الساحة الأدبية، وكيف أسهم هذا الشاعر في تشكيل رؤية جديدة للشعر والنقد في العالم العربي.
تأتي هذه الدراسة الفنية الرائعة من إصدارات دار الثقافة للنشر والتوزيع، وتأتي محفوفة بغلاف كرتوني يعزز من قيمتها التقنية والجمالية. يُظهر الكتاب أن الفنون وخاصة النقد الفني ليسوا مجرد مواضيع جافة، بل هما مجالات حيوية يتجسد فيها التنوع والتطور، ويُثبت الكاتب سعيد السريحي بأسلوبه الرائع أنه قام بمهمة أدبية تستحق الاحترام والتقدير في فهم تلك الجوانب الفنية والثقافية للشاعر أبو تمام.