آخر طبقات الغلاف الجوي
الغلاف الجوي هو ذلك الغلاف الغازي الذي يحيط بالأرض ويعمل كدرع واقٍ للكوكب من المؤثرات الخارجية، مثل الأشعة فوق البنفسجية الضارة والإشعاعات الفضائية. يتمتع الغلاف الجوي بتركيب معقد ومتنوع من حيث التكوين الكيميائي، والضغط الجوي، ودرجة الحرارة، وكل هذه العوامل تتغير بتغير الارتفاع عن سطح الأرض. يتكون الغلاف الجوي من عدة طبقات تمتاز كل منها بخصائص فيزيائية وحرارية مختلفة، ويصل ارتفاعها إلى نحو 10,000 كم تقريبًا.
من بين هذه الطبقات، تُعتبر طبقات الغلاف الجوي العليا الأكثر اهتمامًا في مجال الأبحاث العلمية والمناخية، لما لها من تأثيرات كبيرة على الطقس والمناخ، وكذلك على الاتصالات الفضائية. وفي هذا المقال، سنتناول آخر طبقات الغلاف الجوي، التي تُعرف باسم الميزوسفير و الترموسفير، بالإضافة إلى الغلاف الخارجي الذي يُسمى الإكزوسفير، مرفقًا ذلك بتفاصيل حول خصائص كل طبقة، والأهمية التي تمثلها للأرض.
1. الميزوسفير
الميزوسفير هي الطبقة التي تأتي بعد الستراتوسفير، وهي تقع على ارتفاع يتراوح من 50 إلى 85 كم عن سطح الأرض. تمتاز هذه الطبقة بأنها تحتوي على نسبة قليلة جدًا من جزيئات الهواء، مما يجعل الضغط الجوي في هذه المنطقة منخفضًا للغاية. ودرجة الحرارة في هذه الطبقة تنخفض بشكل مستمر مع الارتفاع، حيث تصل في قمتها إلى أقل من -90 درجة مئوية، مما يجعلها واحدة من أبرد مناطق الغلاف الجوي.
تعتبر الميزوسفير هي الطبقة التي تساهم في حرق الشهب والنيازك التي تدخل الغلاف الجوي. فعندما يمر جسم سماوي صغير عبر هذه الطبقة، فإنه يتعرض لاحتكاك الهواء ويشتعل بسبب الحرارة الناتجة عن الاحتكاك، مما يؤدي إلى ظهور الومضات اللامعة التي نراها عادة على شكل شهب في السماء.
من ناحية أخرى، تعد الميزوسفير منطقة ذات أهمية في مجال الأرصاد الجوية، حيث تتأثر بها العديد من الظواهر الجوية مثل الأعاصير والرياح القطبية، ولذلك تعتبر هذه الطبقة محط اهتمام كبير في دراسة التغيرات المناخية والطقس المتقلب.
2. الترموسفير
الطبقة التالية بعد الميزوسفير هي الترموسفير، التي تقع على ارتفاع يتراوح بين 85 إلى 500 كم عن سطح الأرض. هذه الطبقة تتميز بارتفاع درجة الحرارة بشكل غير تقليدي، حيث تزداد درجة الحرارة مع الارتفاع، وقد تصل في بعض الأحيان إلى 2,500 درجة مئوية أو أكثر. وهذا يحدث بسبب امتصاص جزيئات الأوكسجين والنيتروجين للأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية من الشمس.
في الترموسفير، تُعتبر هذه الحرارة الشديدة من العوامل التي تميز هذه الطبقة عن غيرها، حيث تُعتبر إحدى الظواهر المهمة في هذه المنطقة هي حدوث الأضواء القطبية أو ما يعرف بالـ”شفق القطبي”، وهي ظاهرة تحدث بسبب تفاعل الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس مع المجال المغناطيسي للأرض.
وتؤثر الترموسفير بشكل كبير على الأقمار الصناعية والاتصالات الفضائية. حيث إن كثافة الهواء في هذه الطبقة منخفضة جدًا مقارنة بالطبقات السفلى، مما يسمح للأقمار الصناعية بالبقاء في مدارها لفترات طويلة. إلا أن التغيرات في الترموسفير قد تؤدي إلى تغيرات في حركة هذه الأقمار الصناعية بسبب الاحتكاك البسيط مع جزيئات الهواء المتبقية في هذه الطبقة.
تعد الترموسفير أيضًا المكان الذي تحدث فيه معظم الظواهر الفضائية مثل انبعاثات الرياح الشمسية، وتدفق الأشعة السينية القادمة من الشمس، والتي تؤثر بشكل مباشر على البيئة الفضائية والمناخ الأرضي.
3. الإكزوسفير
الإكزوسفير هو آخر طبقة من الغلاف الجوي للأرض، وتبدأ من حوالي 500 كم فوق سطح الأرض، وقد تمتد إلى ما يزيد عن 10,000 كم في بعض الحالات. تُعتبر هذه الطبقة هي المنطقة الانتقالية بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء الخارجي، حيث تنخفض كثافة جزيئات الهواء بشكل كبير وتصبح الجزيئات الموجودة في هذه الطبقة بعيدة جدًا عن بعضها البعض.
تتميز الإكزوسفير بأنها تحتوي على جسيمات غازية قليلة جدًا، مثل الهيدروجين والهيليوم، التي تتحرك بسرعة كبيرة. وفي هذه الطبقة، لا تحدث التفاعلات بين الجزيئات بشكل ملحوظ، ما يجعلها أقل نشاطًا من الطبقات الأخرى. رغم ذلك، تُعتبر الإكزوسفير منطقة حيوية للمركبات الفضائية، حيث يمر عبرها العديد من الأقمار الصناعية وقطع الفضاء، التي تكون في حالة حركة دائمة.
لا يمكن اعتبار الإكزوسفير “غلافًا جويًا” بالمعنى التقليدي، إذ إنها تُعتبر بمثابة الحدود بين كوكب الأرض والفضاء الخارجي. وفي هذه الطبقة، لا يوجد غلاف هوائي حقيقي يمكن أن يحمي الأرض من الإشعاعات أو الأجسام السماوية المتحركة، ولكنها تعمل كحاجز طبيعي يتمثل في امتصاص الشمس للمكونات الغازية التي تحيط بالأرض.
أهمية طبقات الغلاف الجوي العليا
إن طبقات الغلاف الجوي العليا لا تقتصر على أنها مجرد مناطق لا يراها الإنسان بشكل مباشر، بل إنها تمثل حماية للأرض من العديد من المخاطر. يمكن تلخيص أهميتها في النقاط التالية:
-
الحماية من الإشعاعات الضارة: الطبقات العليا للغلاف الجوي، وبخاصة الستراتوسفير والميزوسفير، تمثل حاجزًا يمنع الأشعة فوق البنفسجية الضارة من الوصول إلى سطح الأرض. كما أن المجال المغناطيسي للأرض يلعب دورًا كبيرًا في حماية الكوكب من الرياح الشمسية والإشعاعات الكونية.
-
التأثير على المناخ والطقس: التغيرات التي تحدث في الترموسفير والميزوسفير تؤثر بشكل غير مباشر على الطقس والمناخ على سطح الأرض. على سبيل المثال، تتأثر حركة الرياح والظواهر الجوية الأخرى بتغيرات الضغط والحرارة في الطبقات العليا.
-
دعم التكنولوجيا الحديثة: العديد من التطبيقات التكنولوجية الحديثة مثل الأقمار الصناعية والاتصالات الفضائية تعتمد بشكل أساسي على الترموسفير والإكزوسفير. فهم هذه الطبقات يساعد في تحسين أداء هذه الأنظمة وضمان استمراريتها في المستقبل.
الخاتمة
الطبقات العليا من الغلاف الجوي تمثل بيئة معقدة وديناميكية، تعمل على حماية الأرض من العديد من التأثيرات الضارة، وفي الوقت نفسه تلعب دورًا مهمًا في دعم الأنشطة البشرية والتكنولوجية. من خلال دراسة هذه الطبقات وفهم خصائصها وتفاعلاتها، يمكن للبشرية تحسين معرفتها بالطقس والمناخ، وتطوير تقنيات جديدة لتحسين الحياة على كوكب الأرض.
