مدة تكوين العادات الجديدة

ما هو الوقت الذي تحتاجه لتكوين عادة جديدة؟

يعد تكوين العادات جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، إذ تلعب العادات دورًا محوريًا في تحديد مستوى النجاح والإنجاز الذي يمكن تحقيقه في مختلف جوانب الحياة. من ممارسة الرياضة بانتظام إلى تبني عادات غذائية صحية أو تحسين تنظيم الوقت، فإن بناء العادات الجديدة يعد خطوة حاسمة نحو تحسين الحياة الشخصية والمهنية. ولكن السؤال الأهم الذي يطرحه كثيرون هو: “كم من الوقت يستغرق تكوين عادة جديدة؟”

1. فهم العادات وأثرها على حياتنا

العادات هي سلوكيات تُمارس بانتظام وتصبح جزءًا من الروتين اليومي، بحيث تصبح غير مشروطة أو تلقائية في غالب الأحيان. وفقًا للعلماء، يمكن تقسيم العادات إلى ثلاث مراحل رئيسية: المحفز، الروتين، والمكافأة. يبدأ الأمر بمحفز معين، سواء كان داخليًا (كالشعور بالتعب أو القلق) أو خارجيًا (كالساعات التي تحدد أوقات الطعام). في المرحلة التالية، يتبع المحفز روتينًا معينًا، والذي يتم تكراره بشكل منتظم. وفي النهاية، يأتي المكافأة، التي تعزز السلوك وتجعله يتكرر.

يقول الخبراء أن العادات تؤثر بشكل كبير على دماغ الإنسان، حيث إنها تتعلق بالأنشطة التي تُحفز مركز المكافأة في الدماغ، مما يجعل السلوكيات المتكررة أكثر إدمانًا بمرور الوقت. في البداية، يحتاج الدماغ إلى الكثير من التركيز للتكيف مع العادة الجديدة، ولكن مع مرور الوقت، تصبح العادة جزءًا من الروتين اليومي.

2. التأثيرات النفسية على تكوين العادات

تتفاوت قدرة الأفراد على تكوين عادات جديدة بناءً على خصائصهم النفسية والعاطفية. على سبيل المثال، يعتبر الشخص الذي يتمتع بعقلية نمو (growth mindset) أكثر قدرة على تكوين عادات جديدة مقارنة بالشخص الذي يعتقد أن إمكانياته ثابتة. وفقًا لدراسات عدة، يمكن أن تؤثر الثقة بالنفس والدوافع الداخلية في مدى سرعة تكوين العادات.

يحتاج الدماغ إلى فترة زمنية لبناء الروابط العصبية اللازمة لترسيخ السلوك الجديد. ويعني هذا أن التكرار والمثابرة هما العنصران الرئيسيان لتحقيق النجاح في تكوين عادة جديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العوامل النفسية مثل الضغوط الاجتماعية والالتزامات اليومية قد تؤثر بشكل غير مباشر على قدرة الفرد في تكوين العادات الجديدة. على سبيل المثال، قد يواجه الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من التوتر صعوبة في الالتزام بالعادات الصحية الجديدة مثل ممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي صحي.

3. الدراسات العلمية حول الوقت المطلوب لتكوين العادات

في دراسة مشهورة نشرتها جامعة “الكلية الجامعية بلندن” (UCL) عام 2009، قادت الباحثة “فيليبا لالي” فريقًا من العلماء لدراسة الوقت الذي يستغرقه الشخص لتكوين عادة جديدة. أظهرت الدراسة أن المتوسط الزمني الذي يحتاجه الفرد لتكوين عادة جديدة هو 66 يومًا. ومع ذلك، تتفاوت هذه الفترة بين الأفراد، حيث تراوحت الفترات ما بين 18 يومًا إلى 254 يومًا، بناءً على نوع العادة وصعوبة تنفيذها.

ما يميز هذه الدراسة هو أنها تشير إلى أن المدة الزمنية اللازمة لتكوين عادة جديدة تعتمد بشكل كبير على صعوبة العادة نفسها. فالعادات التي تتطلب تغييرات كبيرة في نمط الحياة، مثل ممارسة الرياضة بانتظام أو تبني نظام غذائي صحي، تحتاج إلى وقت أطول مقارنة بالعادات البسيطة مثل شرب المزيد من الماء أو الاستيقاظ في وقت مبكر.

4. كيف يمكن تسريع عملية تكوين العادات الجديدة؟

بينما يمكن أن يستغرق تكوين العادة الجديدة وقتًا طويلًا، يمكن اتخاذ بعض الإجراءات لتسريع العملية وزيادة احتمالية النجاح. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في تكوين العادات بسرعة أكبر:

4.1. التدرج في التغيير

بدلاً من محاولة تغيير نمط الحياة بشكل جذري، يمكن تبني تغيير تدريجي. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو ممارسة الرياضة يوميًا، يمكن البدء بممارسة الرياضة لمدة خمس دقائق في اليوم، وزيادة الوقت تدريجيًا حتى الوصول إلى الهدف المرغوب.

4.2. الربط بعادة قائمة بالفعل

من الأساليب الفعالة لتكوين العادات الجديدة هو ربط العادة الجديدة بعادة موجودة بالفعل. على سبيل المثال، إذا كان الشخص معتادًا على شرب كوب من القهوة في الصباح، يمكن أن يربط هذا النشاط بشرب الماء قبل القهوة أو ممارسة تمارين الإطالة.

4.3. استخدام تقنية التحفيز الداخلي

التحفيز الداخلي أو المكافآت الذاتية يمكن أن تكون وسيلة فعالة لبناء عادة جديدة. يمكن للشخص أن يكافئ نفسه بعد كل إنجاز صغير، مثل قول “أحسنت” بعد إتمام تمرين رياضي أو تناول وجبة صحية. هذه المكافآت تعمل على تعزيز السلوك المرغوب.

4.4. الصبر والمثابرة

إن تكوين العادات يتطلب الصبر والمثابرة. من المهم أن يدرك الفرد أن العادات لا تتكون بين عشية وضحاها. إن الفشل في الحفاظ على العادة خلال الأيام الأولى لا يعني نهاية الطريق، بل يعني فقط أن الطريق نحو النجاح يتطلب استمرارًا وتصحيحًا مستمرًا.

5. ما هي العوامل التي تؤثر في الوقت المطلوب لتكوين العادات؟

عدة عوامل تؤثر في المدة الزمنية التي يحتاجها الشخص لتكوين عادة جديدة. من هذه العوامل:

5.1. نوع العادة

العادات البسيطة مثل شرب الماء أو ترتيب السرير قد تستغرق وقتًا أقل لتكوينها مقارنة بعادات معقدة مثل اتباع نظام غذائي أو ممارسة الرياضة بانتظام.

5.2. التحفيز والدوافع الشخصية

كلما كان الشخص متحمسًا لتحقيق هدفه، كان من الأسهل عليه تكوين عادة جديدة. التحفيز الداخلي، مثل الرغبة في تحسين الصحة أو الأداء، يمكن أن يعزز التزام الفرد ويجعله أكثر قدرة على الاستمرار.

5.3. الدعم الاجتماعي

الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة يمكن أن يساعد في تسريع تكوين العادات. الأشخاص الذين يتلقون دعمًا معنويًا واجتماعيًا يشعرون بمزيد من الالتزام بالعادة ويزيد من فرص نجاحهم.

5.4. المرونة والقدرة على التكيف

القدرة على التكيف مع التحديات والمواقف المختلفة يمكن أن تؤثر بشكل كبير في تكوين العادات. قد يواجه الشخص بعض الانتكاسات، ولكن الاستمرار في المحاولة والمرونة في تعديل الأهداف يمكن أن يساعد في التغلب على تلك العقبات.

6. خلاصة

إن تكوين العادات ليس عملية سريعة أو بسيطة، لكنه يعد خطوة مهمة نحو تحسين نوعية الحياة. وفقًا للأبحاث، قد يستغرق الأمر حوالي 66 يومًا لتكوين عادة جديدة، ولكن هذا الرقم ليس ثابتًا لكل الأفراد. العوامل النفسية، الاجتماعية، وطبيعة العادة تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد المدة الزمنية. ما يهم أكثر من الوقت الذي يستغرقه الأمر هو الالتزام بالصبر والمثابرة، والإيمان بأن العادات الجيدة التي يتم تبنيها ستؤدي في النهاية إلى حياة أفضل وأكثر صحة ونجاحًا.