كريات الدم البيضاء ووظائفها

كريات الدم البيضاء: أهمية ودور في حماية الجسم

تعد كريات الدم البيضاء من المكونات الأساسية في الدم، حيث تلعب دوراً بالغ الأهمية في الدفاع عن الجسم ضد العدوى والأمراض. تتواجد كريات الدم البيضاء (أو خلايا الدم البيضاء) في الدم بشكل طبيعي وتعتبر جزءاً أساسياً من جهاز المناعة. تختلف أنواع هذه الخلايا في الشكل والوظيفة، وكل نوع منها يؤدي دورًا خاصًا في محاربة مسببات الأمراض المختلفة، مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات.

في هذا المقال، سوف نتناول بشكل موسع كريات الدم البيضاء من حيث أنواعها، وظائفها، دورها في جهاز المناعة، وكيفية تأثيرها على الصحة العامة، بالإضافة إلى الأمراض المرتبطة بها.

1. ما هي كريات الدم البيضاء؟

كريات الدم البيضاء هي خلايا دموية تُنتج في نخاع العظم، وهي جزء أساسي من جهاز المناعة. تختلف عن خلايا الدم الحمراء في أن وظيفتها لا تتعلق بنقل الأوكسجين إلى الأنسجة، بل تتعلق بحماية الجسم من العدوى والأمراض. هذه الخلايا أكبر حجماً وأقل عددًا من كريات الدم الحمراء.

تُنتج كريات الدم البيضاء عندما يكتشف الجسم وجود تهديد، مثل بكتيريا أو فيروس أو مواد ضارة أخرى. تنشط هذه الخلايا بشكل سريع وتنتقل إلى الأنسجة المصابة لتهاجم وتدمر العوامل المسببة للعدوى.

2. أنواع كريات الدم البيضاء

تنقسم كريات الدم البيضاء إلى عدة أنواع رئيسية، كل نوع منها له وظيفة محددة في محاربة العدوى. أبرز هذه الأنواع هي:

1. العدلات (Neutrophils)

تُعتبر العدلات من أكثر أنواع كريات الدم البيضاء انتشارًا في الدم، حيث تشكل حوالي 55-70% من إجمالي خلايا الدم البيضاء. هذه الخلايا تتميز بسرعة استجابتها للأمراض وتعمل على القضاء على البكتيريا والمكروبات الأخرى. تعد العدلات خط الدفاع الأول ضد العدوى البكتيرية، وتتمثل وظيفتها الأساسية في التوجه إلى مكان الإصابة، ابتلاع الميكروبات وتدميرها.

2. اللمفاويات (Lymphocytes)

تشكل اللمفاويات حوالي 20-40% من إجمالي كريات الدم البيضاء. يمكن تقسيم اللمفاويات إلى نوعين رئيسيين:

• الخلايا التائية (T-cells): تلعب دوراً في مهاجمة الخلايا المصابة بالفيروسات والخلايا السرطانية.

• الخلايا البائية (B-cells): تعمل على إنتاج الأجسام المضادة التي تلتصق بالفيروسات والبكتيريا وتساعد في تدميرها.

3. الخلايا الأكولة الكبيرة (Monocytes)

تعد الخلايا الأكولة الكبيرة من أكبر خلايا الدم البيضاء، وتشكل حوالي 2-8% من إجمالي كريات الدم البيضاء. يتم تحويل هذه الخلايا إلى خلايا أكولة بعد أن تخرج من مجرى الدم وتدخل الأنسجة. هذه الخلايا تعمل على ابتلاع الميكروبات والخلايا الميتة، كما تساهم في إزالة الخلايا التالفة.

4. الحمضات (Eosinophils)

تشكل الحمضات حوالي 1-4% من خلايا الدم البيضاء. هذه الخلايا تهاجم الطفيليات مثل الديدان المعوية وبعض الكائنات الدقيقة الأخرى. كما تساهم في تفاعل الجسم مع الحساسية، حيث تزداد مستويات الحمضات في حالة الإصابة بحساسية معينة.

5. القاعديات (Basophils)

القاعديات هي أقل الأنواع شيوعًا، حيث تشكل أقل من 1% من خلايا الدم البيضاء. تفرز هذه الخلايا مواد كيميائية مثل الهيستامين، الذي يلعب دورًا في رد الفعل التحسسي. كما تسهم في العمليات الالتهابية.

3. دور كريات الدم البيضاء في جهاز المناعة

تعمل كريات الدم البيضاء كحراس للجسم، حيث توفر الدفاع ضد العوامل المسببة للأمراض. يمكن تلخيص دورها في جهاز المناعة في النقاط التالية:

1. الاستجابة الفورية للعدوى

عند دخول فيروس أو بكتيريا إلى الجسم، تستجيب كريات الدم البيضاء بشكل سريع. العدلات، على سبيل المثال، هي أول من يصل إلى مكان الإصابة وتعمل على القضاء على الميكروبات عن طريق ابتلاعها.

2. التحكم في الالتهابات

تقوم الخلايا الأكولة الكبيرة بنقل الإشارات إلى باقي خلايا الدم البيضاء لتنظيم استجابة الجسم للعدوى. تلعب اللمفاويات أيضًا دورًا مهمًا في التحكم بالاستجابة المناعية وتحديد مدى قوة الالتهاب.

3. الذاكرة المناعية

بعض أنواع اللمفاويات (مثل الخلايا البائية) تساهم في تخزين “ذاكرة” حول مسببات الأمراض التي أصيب بها الجسم في الماضي. هذه الذاكرة تسمح للجسم بالاستجابة بسرعة أكبر إذا تعرض لنفس العامل المسبب للمرض في المستقبل.

4. تدمير الخلايا المصابة

الخلايا التائية من اللمفاويات تساهم في محاربة الخلايا المصابة بالفيروسات أو الخلايا السرطانية. هذه الخلايا تقوم بتدمير الخلايا التالفة بشكل مباشر، مما يساعد على الحد من انتشار العدوى.

4. العلاقة بين كريات الدم البيضاء والأمراض

تؤثر مستويات كريات الدم البيضاء بشكل كبير على صحة الجسم. قد يشير انخفاض أو زيادة في عدد هذه الخلايا إلى وجود مشاكل صحية.

1. قلة كريات الدم البيضاء (قلة الكريات البيضاء)

تُعرف قلة كريات الدم البيضاء بحالة يكون فيها عدد كريات الدم البيضاء أقل من المعدل الطبيعي، مما يعني أن الجسم يعاني من نقص في قدرته على محاربة العدوى. هذه الحالة يمكن أن تكون نتيجة لعدة أسباب، مثل:

• العدوى الفيروسية: مثل الإنفلونزا أو فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).

• التعرض للأدوية: بعض الأدوية، مثل أدوية العلاج الكيميائي، يمكن أن تساهم في انخفاض عدد كريات الدم البيضاء.

• الأمراض المناعية: مثل الذئبة الحمراء أو نقص المناعة.

2. زيادة كريات الدم البيضاء (فرط كريات الدم البيضاء)

في بعض الحالات، قد يرتفع عدد كريات الدم البيضاء بشكل غير طبيعي، وهو ما يُعرف بفرط كريات الدم البيضاء. يحدث هذا عادةً في حالة الإصابة بعدوى حادة أو مزمنة، مثل:

• العدوى البكتيرية أو الفيروسية.

• الأمراض المزمنة: مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو مرض الأمعاء الالتهابي.

• السرطان: بعض أنواع السرطان، مثل اللوكيميا (سرطان الدم)، قد تؤدي إلى زيادة غير طبيعية في عدد كريات الدم البيضاء.

5. كيفية فحص كريات الدم البيضاء

يتم فحص عدد كريات الدم البيضاء من خلال تحليل يسمى فحص العد الكامل للدم (CBC). هذا الفحص يساعد الأطباء في معرفة عدد خلايا الدم البيضاء في العينة ومراقبة أي تغيرات قد تشير إلى وجود مشكلة صحية. يتم هذا الفحص عادةً عندما يعاني الشخص من أعراض مثل الحمى أو التعب أو الالتهابات المتكررة.

6. تحسين صحة كريات الدم البيضاء

من أجل الحفاظ على صحة جيدة للجسم وتعزيز قدرة كريات الدم البيضاء على أداء وظائفها، يمكن اتباع بعض النصائح المتعلقة بالتغذية والنمط الحياتي:

• التغذية السليمة: تناول نظام غذائي غني بالفيتامينات والمعادن مثل فيتامين C، فيتامين D، الزنك، والمغنيسيوم يمكن أن يساعد في تعزيز وظيفة جهاز المناعة.

• ممارسة الرياضة بانتظام: النشاط البدني المعتدل يعزز من صحة جهاز المناعة ويزيد من كفاءة كريات الدم البيضاء في مكافحة العدوى.

• النوم الجيد: يساعد النوم الكافي في تقوية جهاز المناعة، وبالتالي تعزيز قدرة كريات الدم البيضاء على مكافحة الأمراض.

• الابتعاد عن التوتر: التوتر المزمن يمكن أن يؤثر سلبًا على وظيفة جهاز المناعة.

7. الخلاصة

تعد كريات الدم البيضاء جزءًا أساسيًا من جهاز المناعة البشري. تتنوع أنواعها في وظائفها، ويعتمد الجهاز المناعي على تنسيق بين هذه الأنواع لمحاربة مسببات الأمراض. كما أن أي اضطراب في مستويات كريات الدم البيضاء، سواء كان بارتفاع أو انخفاض، قد يشير إلى وجود مشاكل صحية تحتاج إلى التدخل الطبي. الحفاظ على نمط حياة صحي، بما في ذلك التغذية السليمة والرياضة، يعد من العوامل الأساسية التي تساعد في تعزيز قدرة كريات الدم البيضاء على أداء مهامها في الحفاظ على صحة الجسم وحمايته من الأمراض.