أضرار ماء الزهر الصحية

أضرار ماء الزهر: نظرة علمية شاملة على الاستخدامات والمخاطر المحتملة

يُعتبر ماء الزهر من المنتجات النباتية الشهيرة التي تُستخدم في العديد من الثقافات العربية والشرقية، سواء لأغراض الطهي أو التجميل أو التهدئة، ويُستخلص تقليديًا من زهور شجرة النارنج (Citrus aurantium) عبر عملية تقطير مائي. وعلى الرغم من فوائده المعروفة في بعض الاستخدامات، إلا أن الاستعمال العشوائي أو المفرط لماء الزهر قد يترتب عليه عدد من الأضرار الصحية، النفسية، والجلدية التي قد لا يدركها كثير من المستخدمين. يعرض هذا المقال تحليلاً علميًا وتفصيليًا لمخاطر ماء الزهر المحتملة بناءً على مكوناته الكيميائية وتفاعلاته مع الجسم، مع الإشارة إلى الفئات الأكثر عرضة لهذه الأضرار.

التركيب الكيميائي لماء الزهر

يتكون ماء الزهر من مزيج مائي يحتوي على كميات ضئيلة من الزيوت العطرية، أبرزها زيت النيرولي (neroli oil)، والذي يحتوي على مركبات عضوية نشطة مثل:

• لينالول (Linalool): مركب عطري طبيعي يمتلك خواص مضادة للبكتيريا ومهدئة، لكن يُعد مسببًا شائعًا للحساسية عند بعض الأفراد.

• جيرانيول (Geraniol) ونيرول (Nerol): مركبات عطرية توجد في العديد من الزيوت الطيّارة النباتية، ولكنها قد تسبب تهيج الجلد والعينين عند الاستخدام الموضعي المكثف.

• سيترونيلول (Citronellol): مركب يمكن أن يؤدي إلى تحسس جلدي وتهيج تنفسي عند استنشاقه لفترات طويلة أو بتركيز مرتفع.

الأضرار المحتملة لماء الزهر

1. التحسس الجلدي والتهيج الموضعي

يعد الاستخدام الموضعي لماء الزهر على البشرة أحد أشهر الطرق التجميلية، إلا أن البعض قد يعاني من:

• احمرار الجلد وظهور طفح جلدي أو بثور صغيرة.

• حكة مزعجة قد تتفاقم عند التعرض لأشعة الشمس بعد استخدام ماء الزهر.

• تحسس مزمن، خاصة لدى الأشخاص المصابين بالأكزيما أو ذوي البشرة الحساسة.

يرتبط هذا التحسس غالبًا بتراكم المركبات العطرية على الجلد، والتي قد تعمل كمحفزات للجهاز المناعي مسببة ردود فعل تحسسية.

2. تهيج الجهاز التنفسي

قد يؤدي استنشاق بخار ماء الزهر أو التعرض المطول لرائحته القوية إلى تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والحنجرة، خاصة في الأماكن المغلقة:

• العطس المزمن أو احتقان الأنف لدى بعض الأفراد الحساسين للروائح.

• ضيق في التنفس أو إحساس بالاختناق لدى مرضى الربو أو الحساسية الموسمية.

• الدوار أو الغثيان عند التعرض لروائح قوية في أماكن ضيقة.

3. تأثيرات سلبية على الجهاز الهضمي

عند تناول ماء الزهر عن طريق الفم (سواء مع الحلويات أو المشروبات)، قد تظهر بعض الآثار الجانبية، منها:

• الإسهال أو اضطرابات الأمعاء عند شرب كميات كبيرة، نتيجة احتوائه على مركبات عطرية مهيّجة للمعدة.

• الغثيان خصوصًا عند مزجه مع أطعمة دسمة أو حمضية.

• ألم في البطن ناتج عن فرط التهيج للمعدة أو القولون.

4. التداخلات الدوائية

قد يتداخل ماء الزهر مع عدد من الأدوية، لا سيما تلك التي تتعلق بالجهاز العصبي أو الهضمي:

• قد يزيد من تأثير المهدئات مثل البنزوديازيبينات أو أدوية الاكتئاب، مما يؤدي إلى نعاس مفرط أو بطء في ردود الفعل العصبية.

• يضعف فعالية بعض أدوية المعدة التي تعتمد على التوازن الحمضي في المعدة، مثل مثبطات مضخة البروتون (PPIs).

• تداخل غير معروف مع مضادات الهيستامين، ما قد يؤدي إلى تعزيز الأعراض الجانبية أو زيادتها.

5. تأثيرات على النساء الحوامل والمرضعات

ينبغي توخي الحذر الشديد عند استخدام ماء الزهر خلال الحمل أو الرضاعة، نظرًا لاحتمالية تأثير مكوناته على:

• الجهاز العصبي للجنين في حال استهلاك كميات كبيرة.

• تحفيز تقلصات الرحم في مراحل متقدمة من الحمل، وهو أمر قد يكون خطيرًا.

• انتقال مركبات عطرية عبر الحليب إلى الرضيع، مما قد يسبب تحسسًا أو اضطرابات هضمية.

6. الآثار النفسية والسلوكية

رغم أن ماء الزهر يُستخدم كمهدئ طبيعي في الطب التقليدي، إلا أن الإفراط في استهلاكه أو الاعتماد عليه يوميًا قد يسبب:

• الاعتماد النفسي عليه كمصدر للهدوء مما يعوق قدرة الشخص على تطوير آليات طبيعية للتعامل مع القلق.

• النعاس أو الخمول المزمن نتيجة التأثير المثبط للجهاز العصبي المركزي.

• تشوش التركيز لدى من يستخدمونه بشكل يومي على شكل مشروب أو مع الأطعمة.

الفئات الأكثر عرضة لمخاطر ماء الزهر

التوصيات العامة للاستخدام الآمن

• الاعتدال في الاستخدام: سواء موضعيًا أو فمويًا، يجب تجنب الاستخدام اليومي أو الكثيف.

• الاختبار الموضعي قبل الاستخدام: بوضع كمية صغيرة على الجلد ومراقبة رد الفعل لمدة 24 ساعة.

• تجنب استخدامه للأطفال دون سن 3 سنوات: بسبب حساسية أجهزتهم التنفسية والهضمية.

• تخزينه في مكان بارد ومعتم: لتفادي تدهور المكونات الكيميائية التي قد تصبح مهيجة مع الوقت.

• تجنّب خلطه مع الزيوت العطرية القوية الأخرى: التي قد تزيد من خطر التحسس والتفاعل السلبي.

الاستنتاج العلمي

رغم الشعبية التي يحظى بها ماء الزهر في العديد من الاستخدامات اليومية والتقليدية، فإن تجاهل مخاطره الصحية واستخدامه دون ضوابط قد يؤدي إلى نتائج سلبية تؤثر على الصحة العامة، خاصة لدى الفئات الحساسة أو من يعانون من أمراض مزمنة. وتتطلب هذه المخاطر النظر إلى ماء الزهر كمنتج نباتي يحتوي على مواد كيميائية نشطة، وليس كمجرد مستخلص طبيعي غير ضار. وبالتالي، يجب استخدامه بوعي، مع مراعاة الكميات وطريقة الاستعمال، لضمان تحقيق الفائدة دون تعريض الجسم للأذى.

المراجع العلمية:

1. National Center for Biotechnology Information – Linalool and Citronellol toxicity profiles

2. European Medicines Agency – Herbal Monographs and Risk Evaluations