7 نظريات في علم النفس تشرح لك الدافع وراء السلوك البشري
يعد فهم السلوك البشري أحد أبرز التحديات التي يواجهها علماء النفس، إذ يتسم السلوك البشري بتعقيد شديد وتشابك بين العوامل الداخلية والخارجية. تعدُّ الدوافع المحرك الرئيسي وراء كل سلوك إنساني، فهي تفسر لماذا يتصرف الناس بطرق معينة في مواقف معينة. ولقد ظهرت العديد من النظريات النفسية التي تحاول تفسير هذا الدافع وتقديم رؤى عميقة حول كيف ولماذا يختلف سلوك الإنسان. في هذا المقال، سوف نستعرض سبع نظريات رئيسية تشرح الدوافع وراء السلوك البشري.
1. نظرية الدوافع البيولوجية: الدوافع الطبيعية والبقاء
تعدُّ نظرية الدوافع البيولوجية واحدة من أقدم النظريات التي تحاول تفسير السلوك البشري. تنطلق هذه النظرية من الفكرة القائلة بأن البشر يتصرفون وفقًا لحاجاتهم البيولوجية الأساسية التي تدفعهم للبقاء على قيد الحياة والتكاثر. وفقًا لهذه النظرية، فإن الدوافع الأساسية مثل الجوع، العطش، الجنس، والنوم هي عوامل محورية تؤثر على سلوك الإنسان.
تُظهر هذه النظرية أن البشر يندفعون لتحقيق أهداف بيولوجية متعلقة بالبقاء مثل الحصول على الطعام، الماء، والراحة. هذا يشير إلى أن الإنسان يتحرك باتجاه تحقيق التوازن البيولوجي الداخلي (الهوموستاسيس) حيث يُنظر إلى السلوك على أنه استجابة لحاجة ماسة. على سبيل المثال، عندما يشعر الشخص بالجوع، يحفزه هذا الشعور للبحث عن طعام؛ وعندما يعاني من العطش، يسعى إلى شرب الماء.
2. نظرية الدوافع النفسية الاجتماعية: الحاجات الاجتماعية
بخلاف الحاجة للبقاء التي تركز عليها النظرية البيولوجية، تركز نظرية الدوافع النفسية الاجتماعية على حاجات الإنسان الاجتماعية والعاطفية. لقد طور أبراهام ماسلو في خمسينات القرن الماضي ما يعرف بـ “هرم ماسلو للاحتياجات”، والذي يوضح تصنيفًا هرميًا لحاجات الإنسان تبدأ بالحاجات الأساسية مثل الطعام والماء، وصولًا إلى حاجات أعلى مثل تقدير الذات وتحقيق الذات.
يشير ماسلو في هذا السياق إلى أن البشر لا يمكنهم تحقيق الرفاهية النفسية إلا عندما يتم تلبية حاجاتهم الاجتماعية مثل الانتماء، الحب، والتقدير الاجتماعي. على سبيل المثال، إذا كانت الحاجات الأساسية قد تم تلبيتها (كالطعام والمسكن)، يشرع الإنسان في البحث عن علاقات عاطفية أو تجنب العزلة الاجتماعية. هذه الحاجات الاجتماعية تساهم في توجيه سلوك الإنسان نحو تكوين الصداقات، والانخراط في الأنشطة الجماعية، والسعي لتحقيق الاحترام والتقدير من الآخرين.
3. نظرية التحليل النفسي: الدوافع اللاواعية والصراع الداخلي
أحد أعمق وأكثر النظريات تأثيرًا في فهم السلوك البشري هي نظرية التحليل النفسي التي طورها سيغموند فرويد. يرى فرويد أن الدوافع اللاواعية تلعب دورًا محوريًا في تحديد سلوك الإنسان. وفقًا لهذه النظرية، فإن معظم السلوكيات التي نؤديها ليست نتيجة لقرارات واعية، بل هي ناتجة عن صراعات داخلية بين مختلف مكونات الشخصية مثل “الهو”، و”الأنا”، و”الأنا الأعلى”.
الـ “هو” يمثل الرغبات الغريزية والمندفعة التي يسعى الفرد لتحقيقها دون اعتبار للعواقب. أما “الأنا” فهي الوسيط الذي يحاول التوفيق بين هذه الرغبات والواقع، في حين أن “الأنا الأعلى” يمثل القيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية. يتسبب التوتر بين هذه الأجزاء في الصراع النفسي الذي يؤثر بشكل غير مباشر على السلوك البشري. على سبيل المثال، قد يسعى شخص إلى تحقيق رغبة معينة، ولكن شعوره بالذنب أو قلقه بشأن السلوك قد يؤدي إلى تثبيط تلك الرغبة.
4. نظرية التعلم الاجتماعي: التعلم بالملاحظة
تعتبر نظرية التعلم الاجتماعي التي طرحها ألبرت باندورا من النظريات الحديثة التي تركز على تأثير البيئة المحيطة والتفاعل الاجتماعي على السلوك. وفقًا لهذه النظرية، لا يتعلم الأفراد فقط من خلال التجربة المباشرة، بل أيضًا من خلال ملاحظة سلوك الآخرين وتقليده. هذه العملية تُعرف بالتعلم بالملاحظة أو التعلم الاجتماعي.
تظهر هذه النظرية بشكل واضح في كيفية اكتساب الأفراد للمواقف والسلوكيات من خلال التفاعل مع الآخرين. على سبيل المثال، إذا كان طفل يرى شخصًا بالغًا يتعامل بلطف مع الآخرين ويحقق نجاحًا في علاقاته، فإنه قد يتبنى نفس السلوك في المستقبل. في المقابل، إذا لاحظ الشخص سلوكيات عدوانية أو مخلة، فقد يتعلم تقليد تلك التصرفات.
5. نظرية الدافع لتحقيق الهدف: العمل نحو الإنجاز
نظرية الدافع لتحقيق الهدف التي طورها ادوارد ديسي وريتشارد رايان في إطار النظرية الذاتية للدافع تركز على أهمية الدوافع الداخلية والخارجية في تحديد سلوك الإنسان. تقترح هذه النظرية أن الإنسان مدفوع بالبحث عن تحقيق أهداف شخصية وذاتية تتناسب مع اهتماماته وقيمه.
على سبيل المثال، قد يسعى شخص لتحقيق هدف معين كأن يتعلم مهارة جديدة أو يحقق إنجازًا في حياته المهنية، وذلك استنادًا إلى رغباته الداخلية لتحقيق التقدم والنجاح. تؤكد هذه النظرية على أهمية الشعور بالتحكم الذاتي، حيث يظهر السلوك بشكل أقوى عندما يكون الفرد مدفوعًا بالدوافع الداخلية، مثل الفضول أو رغبة في التميز، بدلاً من الدوافع الخارجية مثل المكافآت المادية أو الضغط الاجتماعي.
6. نظرية الدافع البراجماتي: السعي للمنفعة الشخصية
تُعنى نظرية الدافع البراجماتي أو نظرية المنفعة الشخصية بفهم السلوك البشري من خلال العواقب التي تنتج عن الأفعال. وفقًا لهذه النظرية، يتصرف الأفراد بناءً على ما يعود عليهم بأكبر قدر من المنفعة الشخصية. يرى الأنثروبولوجيون وعلماء النفس أن البشر بطبيعتهم يسعون إلى تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وغالبًا ما يكون سلوكهم موجهًا نحو تحقيق مكاسب شخصية.
يعتمد البشر على مبدأ المنفعة الشخصية عند اتخاذ القرارات، حيث يسعون دائمًا إلى تحقيق أكبر فائدة بأقل تكلفة أو مخاطرة. على سبيل المثال، قد يختار الشخص استثمار وقته في تعلم مهارة جديدة إذا كان يرى أنها ستؤدي إلى تحسين وضعه المهني أو الاقتصادي في المستقبل.
7. نظرية التعزيز: تأثير المكافآت والعقوبات
نظرية التعزيز، التي وضعتها ب. ف. سكينر، تركز على تأثير المكافآت والعقوبات على السلوك البشري. وفقًا لهذه النظرية، فإن السلوك يتغير ويستمر بناءً على العواقب التي تترتب عليه. فإذا كان السلوك يترتب عليه مكافأة، فمن المرجح أن يستمر الشخص في هذا السلوك، بينما إذا ترتب عليه عقوبة، فمن المرجح أن يقل هذا السلوك أو يختفي.
تظهر هذه النظرية في الحياة اليومية عندما يعزز الأشخاص سلوكيات معينة لتكرارها أو يتجنبون سلوكيات أخرى بسبب العقوبات التي قد يتعرضون لها. على سبيل المثال، قد يستمر شخص في العمل الجاد للحصول على المكافآت المالية أو التقدير الاجتماعي، في حين أنه قد يتوقف عن سلوك سلبي مثل التدخين بسبب التأثيرات السلبية على صحته أو بسبب عقوبات اجتماعية.
الخاتمة
تعددت النظريات النفسية التي تفسر السلوك البشري وتوضح الدوافع التي تحرك الأفراد في حياتهم اليومية. كل نظرية من هذه النظريات تقدم زاوية مختلفة لفهم الدوافع الداخلية والخارجية التي تساهم في تشكيل السلوك الإنساني. سواء كان الدافع بيولوجيًا، نفسيًا، اجتماعيًا، أو نتيجة لتجربة التعلم، فإن سلوك الإنسان يظل معقدًا ومتنوعًا، ويعتمد في النهاية على تفاعل العديد من العوامل.
