أجمل ما قيل عن العلم

عنوان المقال: روائع الأقوال في تمجيد العلم

العلم، ذلك النور الذي أضاء دروب البشرية منذ فجر التاريخ، كان ولا يزال المفتاح الأساسي لنهوض الأمم ورقي الحضارات. من خلاله خرج الإنسان من ظلمات الجهل إلى آفاق المعرفة، وتحوّل من كائن خائف من الطبيعة إلى مسيطر عليها، ومن تابع لها إلى مفسّر لقوانينها. ومنذ أن أدرك الإنسان قيمة العلم، احتفى به في أقواله، وجعله موضع فخره، ورفع مكانته فوق كل منزلة. عبر التاريخ، ترك لنا الفلاسفة والمفكرون والعلماء كلمات خالدة تجلّي أهمية العلم وتكشف عظمته. في هذا المقال، نسلط الضوء على أجمل ما قيل عن العلم في مختلف الثقافات والعصور، مع تحليل هذه الأقوال في سياقاتها الفكرية والتاريخية.

العلم في المنظور الإسلامي: رفعة وقيمة ربانية

القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أوليا العلم منزلة عظيمة. بل إن أول آية نزلت في القرآن كانت دعوة صريحة إلى القراءة: “اقرأ باسم ربك الذي خلق”. هذه البداية ليست عبثية، بل تحمل دلالة عميقة على أن النهضة الحقيقية تبدأ من اكتساب المعرفة.

قال النبي محمد ﷺ: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة”. كما قال أيضًا: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. هذه الأقوال توضح أن العلم ليس ترفًا ولا اختيارًا، بل فريضة، شأنه شأن العبادات الكبرى.

يقول الإمام الشافعي:

“العلم ما نفع، ليس العلم ما حُفظ.”

وفي هذا إشارة واضحة إلى أن العلم الحقيقي هو ما يثمر سلوكًا نافعًا ويُترجم إلى عمل، لا مجرد حفظ للمعلومات دون فائدة.

أقوال الفلاسفة عن العلم: صوت الحكمة والعقل

عبر العصور، لم يكف الفلاسفة والمفكرون عن تمجيد العلم ودوره في بناء الإنسان الحرّ والمجتمع المتوازن. قال أفلاطون:

“الجهل أصل كل شر.”

وهنا يتضح كيف أن الجهل ليس فقط نقصًا في المعلومات، بل مصدرًا للفساد والظلم والتخلف.

أما أرسطو فقال:

“كل البشر يرغبون في المعرفة بطبعهم.”

وهو بذلك يقرر أن البحث عن العلم غريزة فطرية في النفس البشرية.

من أبرز أقوال فرنسيس بيكون، رائد المنهج التجريبي:

“المعرفة قوة.”

هذا القول البسيط يحمل في طياته رؤية ثاقبة، فالمجتمعات التي تملك المعرفة تملك القرار، وتتمتع بالسيادة.

العلم في الأدب العربي: منبر العقل والحكمة

الأدب العربي لم يكن بمنأى عن تمجيد العلم. بل نجد الشعراء يتغنون به ويمجدون أهله. يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

“العلم خيرٌ من المال،

العلم يحرسك وأنت تحرس المال،

العلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة،

محبة العالم دين يُدان به،

العلم يُكسب العبد الطاعة في حياته،

وجميل الأحدوثة بعد وفاته.”

ويقول المتنبي:

“وخيرُ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ

وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ”

المتنبي هنا يجمع بين قيمتين: الفروسية كرمزٍ للعزّة، والعلم كرمزٍ للعظمة العقلية.

ويقول أحمد شوقي، أمير الشعراء:

“العلم يرفع بيتًا لا عماد له

والجهل يهدم بيت العزّ والشرفِ”

العلم في العصر الحديث: أساس التقدم العلمي والتقني

مع الثورة الصناعية والثورات العلمية اللاحقة، أصبح العلم هو الأساس الذي تبني عليه الدول نهضتها. وقد أدرك زعماء العالم والمفكرون المحدثون ذلك، فعبّروا عنه بأقوال لا تقل جمالًا وعمقًا عمّا قيل في العصور القديمة.

يقول ألبرت أينشتاين:

“الشيء الوحيد الذي يجب أن تتعلمه هو كيفية التفكير.”

وفي موضع آخر قال:

“الخيال أهم من المعرفة، لأن المعرفة محدودة، أما الخيال فيحيط بالعالم.”

أما العالم الفرنسي لويس باستور فقال:

“العلم لا وطن له، لكن العالم له وطن.”

دلالة على أن العلم هو ميراث إنساني مشترك، لا ينبغي أن يُحتكر من قبل أمة أو جنس.

جدول: مقارنة بين أثر العلم والجهل في المجتمعات

مواقف خالدة في حب العلم

• الخليفة العباسي المأمون، أمر بترجمة الكتب اليونانية إلى العربية وأنشأ “بيت الحكمة” في بغداد، مركزًا علميًا عظيمًا جمع العلماء والمترجمين من شتى الأجناس والديانات.

• ابن سينا، الطبيب والفيلسوف، كتب مؤلفه العظيم “القانون في الطب”، الذي ظل مرجعًا في أوروبا قرونًا طويلة.

• الخوارزمي، الذي أرسى أسس علم الجبر، وقد اشتُقّت كلمة “Algorithm” من اسمه.

قيمة العالم في المجتمعات الإسلامية

نُقل عن رسول الله ﷺ أنه قال: “فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.”

هذه الصورة البلاغية الراقية تُبرز كيف أن العالم هو النور الذي يهتدي به الناس، كما يهتدون بالقمر في الظلام. والعالم ليس فقط من يعرف، بل من يُعلّم ويُنير العقول.

وقال ابن الجوزي في كتابه “صيد الخاطر”:

“لا تظنن أن الجهل ينجي، بل هو مهلك في طيات التمني.”

وهنا إشارة إلى أن الجاهل، وإن ظن نفسه آمنًا، فإنه معرض للهلاك لأنه يفتقر إلى أدوات الفهم والتمييز.

العلم بين النظرية والتطبيق

من المهم التمييز بين نوعين من العلم:

• العلم النظري: الذي يُعنى بالمفاهيم والمبادئ والأسس.

• العلم التطبيقي: الذي يترجم النظريات إلى أدوات ومنتجات وخدمات.

يُقال: “العلم بلا عمل جنون، والعمل بلا علم لا يكون.”

ولذا فالأمم الراقية تجمع بين التعليم الجيد والمراكز البحثية والمجالات التطبيقية التي تستفيد من كل مخرجات العلم.

خاتمة تحليلية: العلم جوهر الحضارة وأداة النجاة

في ظل التحديات المعاصرة التي تواجهها المجتمعات، من تغيّر المناخ إلى الذكاء الاصطناعي، يتضح أن العلم هو الأداة الوحيدة التي تُمكّن الإنسان من مواجهة الحاضر وبناء المستقبل. الأفراد والمجتمعات التي تحرص على طلب العلم، لا فقط في المدارس والجامعات بل في حياتها اليومية وسلوكها العملي، هي من تمتلك القوة الحقيقية.

العلم ليس فقط كلمات جميلة تُقال، بل هو مسؤولية وفعل يومي وموقف أخلاقي. من أجمل ما قيل عن العلم، ما يشبه البوصلة التي توجه الإنسان نحو الخير والعدالة والنور. إن التمكين الحقيقي يبدأ من العقل، والعقل لا يتغذى إلا بالعلم.

المراجع:

1. ابن عبد البر، “جامع بيان العلم وفضله”، دار ابن الجوزي، ط4.

2. كارل ساغان، “The Demon-Haunted World: Science as a Candle in the Dark”، Random House, 1995.