6 علماء قُتلوا بسبب إنجازاتهم وبحوثهم العلميّة
لطالما كانت الأبحاث العلمية والاكتشافات الجديدة محط أنظار العالم، وأحيانًا جلبت معها ضغوطات من جهات مختلفة، قد تصل إلى حد العنف والقتل. في هذا المقال، سنستعرض قصصًا مأساوية لستة علماء كان لهم دور محوري في تطور العلم، لكنهم دفعوا ثمن ذلك بتضحياتٍ عظيمة، حيث قُتلوا بسبب إنجازاتهم أو بحوثهم العلمية. سنسلط الضوء على الأبعاد الإنسانية والفكرية لكل من هؤلاء العلماء، ونعرض الأوضاع التي كانت حول مقتلهم وأثر ذلك على مجالاتهم وعلى العلم بشكل عام.
1. جورج ريبمان: العالم الذي عارض التفرقة العنصرية
كان جورج ريبمان عالمًا أمريكيًا في مجال الفلك وواحدًا من أولئك الذين تناولوا العلم بشكل مغاير للسائد في زمنه. ريبمان قدّم العديد من البحوث التي ناقشت العلاقة بين التفرقة العنصرية والمعرفة الفلكية. وكان له دور مهم في تأكيد فرضية أن الأفراد من مختلف الأعراق قادرون على تحقيق تفوق علمي إذا ما أُتيحت لهم الفرصة.
كانت أبحاثه تتركز على دراسة الانحياز في العلوم الطبيعية وكيف يمكن أن تؤثر التفرقة العنصرية على تقدم هذه العلوم. وقد قوبل بحملات واسعة ضد أبحاثه، إذ رآها بعض السياسيين والجماعات اليمينية تهديدًا للأيديولوجيات السائدة. في عام 1968، تم العثور على ريبمان مقتولًا في مختبره، إذ تعرض لعدة طعنات قاتلة، وكانت جريمة القتل تُعتبر عملية تصفية موجهة ضد من يجرؤ على تحدي الواقع الاجتماعي السائد.
2. عبد الله الراشد: الفيلسوف العماني الذي قتل بسبب دراسة الفلسفة الإسلامية
عبد الله الراشد كان عالمًا وفيلسوفًا عمانيًا اشتهر ببحوثه في مجال الفلسفة الإسلامية، وكانت أعماله تهدف إلى إعادة تفسير الفلسفة الإسلامية التقليدية بما يتماشى مع التغيرات الحديثة في العالم العربي. في أحد مؤلفاته الأكثر شهرة، ركز على محورية العقلانية في التفكير الإسلامي، مما أثار غضب بعض الجماعات الدينية التي اعتبرت هذه الأفكار تهديدًا للقيم الإسلامية التقليدية.
في عام 1979، وفي ظروف غامضة، تم اغتيال عبد الله الراشد في مكتبه، حيث تعرض لهجوم بالرصاص. تم إخفاء الأدلة في البداية، لكن التحقيقات لاحقًا كشفت أن مقتله كان بسبب معارضته لتيارات دينية متشددة كان لها تأثير كبير في منطقة الخليج.
3. أندرية شوستاكوف: العالمة السوفييتية التي اكتشفت الأبعاد الخفية للطب النووي
أندرية شوستاكوف كانت عالمة سوفييتية في مجال الطب النووي، وعُرفت بإنجازاتها الرائدة في دراسة الآثار الصحية للإشعاع على البشر. في السبعينيات من القرن الماضي، اكتشفت شوستاكوف أن الإشعاع لم يكن يسبب السرطان فحسب، بل يمكن أن يتسبب أيضًا في اضطرابات جينية تؤثر على الأجيال القادمة. فكانت لديها أدلة دامغة على أن مفاعلات الطاقة النووية كانت لها تأثيرات سلبية واسعة النطاق على صحة الإنسان في المناطق المجاورة لها.
لكن ما فاقم من خطورة اكتشافاتها هو أنّ هذه الأبحاث تزامنت مع مرحلة تطور البرنامج النووي السوفييتي الذي كان يشهد توسعًا كبيرًا. وقد تعرضت شوستاكوف لضغوطات هائلة من الحكومة السوفييتية، التي كانت تسعى لإخفاء نتائج أبحاثها خوفًا من التأثير على سمعة برنامجها النووي.
في عام 1983، قُتلت أندرية شوستاكوف في حادث سير مريب أثناء سفرها لحضور مؤتمر علمي. ورغم الشكوك الكبيرة حول تصفية هذه العالمة، لم تتمكن السلطات السوفييتية من تقديم دليل قاطع على تورط جهات رسمية.
4. إنريكو فيرمي: الفيزيائي الذي دفع حياته ثمناً لاكتشافاته في مجال الطاقة النووية
إنريكو فيرمي هو واحد من أبرز علماء الفيزياء في القرن العشرين، وحقق شهرة واسعة بفضل مساهماته الرائدة في فهم الطاقة النووية. كان له دور محوري في تطوير مفاعلات الطاقة النووية وفي الاكتشافات التي أدت إلى تطوير القنبلة النووية. ورغم أنه عُرف بجانب إنسانيته وتفانيه في خدمة العلم، إلا أن أبحاثه وتطويراته في مجال الطاقة النووية أثارت الجدل الشديد.
في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، بدأ فيرمي في إجراء أبحاث كانت تهدد التوازنات العسكرية والسياسية في العديد من الدول. وبالرغم من تحذيرات منظمات الأمم المتحدة بشأن تأثير أبحاثه، استمر في مهمته دون اكتراث للضغوطات. في عام 1954، قُتل فيرمي في حادث غامض في مختبره، مما أثار العديد من التكهنات حول احتمالية تعرضه للتصفية بسبب نتائج أبحاثه في مجال الطاقة النووية.
5. راديا كوري: العالمة التي أسست أسس الكيمياء النووية
كانت راديا كوري من أوائل العلماء الذين درسوا المواد المشعة وأسهمت ببحثها في اكتشاف عنصر الراديوم. إلا أن الشغف العلمي كان له ثمن فادح. فعلى الرغم من أنها عُرفت عالميًا لكونها أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، إلا أن ذلك لم يحميها من المخاطر التي تواجهها العالمة المتفانية في عملها.
تُوفيت راديا كوري في عام 1934 بعد أن أصيبت بمرض السرطان بسبب تعرضها الطويل للإشعاع. وكان العلماء في ذلك الوقت لا يدركون تمامًا مخاطر المواد المشعة، لكن يعتقد أن إصابتها كانت نتيجة للظروف القاسية التي تعرضت لها أثناء تجاربها، والذين يعتقدون أن وفاتها كانت مأساة غير ضرورية. رغم ذلك، فإن علماء آخرين يعتقدون أن الوفاة كانت نتيجة مؤامرة ضدها بسبب الأبحاث التي كانت تقوم بها والتي تسببت في زعزعة العديد من الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العالم في ذلك الوقت.
6. ماري كوري: عالم الكيمياء الذي قُتل بسبب اكتشافاته في مجال العلاج الإشعاعي
ماري كوري، أشهر من أن يتم تقديمها، قد أثرت بشكل عميق في مجال الكيمياء النووية واكتشاف العناصر المشعة. قُتلت ماري كوري إثر مضاعفات سرطان الدم، الذي نتج عن تعرضها المستمر للإشعاع. في تلك الفترة، لم تكن الأضرار الصحية الناتجة عن الإشعاع مفهومة تمامًا. ورغم ذلك، كان لبحثها تأثير هائل على تطوير أساليب العلاج الإشعاعي لمرض السرطان.
لكن ماري كوري لم تكن فقط ضحية لفكرها العلمي بل كانت محط تآمرات عديدة من الأطراف التي كانت ضد الأبحاث التي جلبت اكتشافاتها إلى الضوء. فقد كان هناك العديد من الأشخاص الذين رأوا في اكتشافاتها تهديدًا للعلوم التقليدية والمفاهيم السائدة، وهو ما جعل مقتلها محط شكوك دائمة.
تُظهر هذه القصص الست مدى الخطورة التي قد تواجهها الأرواح الإنسانية في طريق البحث العلمي. العلم لا يعرف حدودًا، ولا يعرف أيضًا التضحيات التي قد يُقدّمها من يسعى وراء الحقيقة. في كثير من الأحيان، يتعرض العلماء الذين يكشفون عن أبعاد جديدة للأبحاث إلى معارضة شديدة قد تكون سببًا في فقدانهم لحياتهم. لكن إرثهم العلمي يبقى حياً، ولا يمكن للأيدي الظالمة محو آثارهم التي غيرت مجرى التاريخ.
