6 نصائح تساعد على تجاوز المحن العاطفية

تُعدّ المحن العاطفية من أكثر التحديات التي يواجهها الإنسان في حياته النفسية والاجتماعية، إذ تترك آثارًا عميقة تتجاوز الجرح اللحظي إلى تأثير طويل الأمد على التوازن العقلي والاستقرار العاطفي. وقد تتخذ هذه المحن أشكالًا متعددة، كفقدان الأحبة، أو فشل العلاقات العاطفية، أو التعرض للخذلان والخيانة، أو الانفصال بعد علاقة طويلة الأمد. ورغم أن هذه التجارب تنتمي إلى طبيعة الحياة الإنسانية، إلا أن طريقة التعاطي معها تختلف من شخص لآخر، تبعًا للبيئة النفسية، والتجربة الشخصية، والدعم الاجتماعي المتاح.

يتناول هذا المقال بشكل مفصل وعلمي ست نصائح جوهرية تساعد على تجاوز المحن العاطفية بوعي وفعالية، مع مراعاة الجوانب النفسية والسلوكية والاجتماعية لهذه التجربة.

أولًا: تقبّل المشاعر وعدم إنكار الألم

الخطوة الأولى لتجاوز المحنة العاطفية تكمن في الاعتراف بوجودها. فالكثير من الناس يلجؤون إلى قمع مشاعرهم أو إنكار الألم ظنًا منهم أن هذه الطريقة تُسرّع في التعافي، غير أن العكس هو الصحيح تمامًا. المشاعر التي تُدفن حيّة تعود لاحقًا في هيئة اضطرابات نفسية، أو نوبات قلق واكتئاب يصعب تفسيرها.

يتطلب التقبل أن يفسح الإنسان المجال لمشاعره بالتعبير، حتى وإن كانت مؤلمة. البكاء، الحزن، الإحساس بالوحدة، الغضب، وحتى الحيرة، كلها مشاعر طبيعية في سياق الأزمة العاطفية. عدم محاربة هذه المشاعر يفتح المجال أمام تفريغ الشحنة العاطفية بدلًا من تراكمها. تؤكد الأبحاث النفسية أن الاعتراف بالألم هو البداية الحقيقية للتعافي، لأنه يسمح للعقل بمعالجة التجربة، بدلًا من تركها في الظل.

ثانيًا: الحفاظ على الروتين اليومي وتجنب الانعزال

من أكبر الأخطاء التي يقع فيها من يمر بمحنة عاطفية الانسحاب من العالم والانغلاق على الذات. فالانعزال، رغم كونه يبدو وسيلة للهروب من الألم، إلا أنه يُعمّق من الشعور بالوحدة ويفاقم الحالة النفسية. ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ على الروتين اليومي كإستراتيجية ناجعة للخروج من دائرة الحزن.

الحفاظ على النشاط اليومي، مثل الاستيقاظ في موعد محدد، تناول الوجبات بانتظام، والاهتمام بالنظافة الشخصية، كلها عوامل تساعد على تنظيم الساعة البيولوجية وتمنع الانهيار التدريجي. ويمكن أن تُشكل ممارسة التمارين الرياضية، ولو بشكل بسيط، عنصرًا حاسمًا في إعادة التوازن النفسي. فالرياضة تحفز إفراز الإندورفين، وهو الهرمون المسؤول عن تحسين المزاج وتقليل الإحساس بالألم.

ثالثًا: التحدث عن الألم مع أشخاص موثوقين

في الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان إلى عزلة مؤقتة لمراجعة الذات، إلا أن مشاركة الألم مع أشخاص داعمين وموثوقين له أثر علاجي بالغ الأهمية. فالكلام أداة تفريغ قوية تساعد على ترتيب الأفكار والمشاعر وتخفيف الشعور بالثقل الداخلي.

وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أهمية الدعم الاجتماعي في تجاوز الأزمات النفسية، حيث يُسهم وجود أصدقاء أو أفراد من العائلة يستمعون بتعاطف وبدون أحكام في تقليل مستويات التوتر، وتحسين تقدير الذات، وبثّ الشعور بأن الإنسان ليس وحيدًا في معاناته.

لا يشترط أن يكون الحوار عميقًا أو متكررًا، بل يكفي أن يجد الشخص من يُنصت له بصدق. ويمكن الاستعانة بأخصائي نفسي أو مرشد اجتماعي إذا كانت دائرة العلاقات المحدودة لا تسمح بتوفير هذا الدعم.

رابعًا: إعادة بناء التصورات الذاتية وتحقيق النمو ما بعد الصدمة

المحن العاطفية غالبًا ما تخلخل صورة الإنسان عن ذاته والآخرين والعالم من حوله، وتترك تساؤلات مؤلمة حول قيمة الذات، والقدرة على الثقة، ومعنى الحب والعلاقات. لهذا فإن أحد المحاور المركزية في تجاوز المحنة يتمثل في إعادة بناء هذه التصورات، وإعادة تعريف الذات انطلاقًا من التجربة لا رغمًا عنها.

يُطلق على هذه العملية في علم النفس اسم “النمو ما بعد الصدمة” (Post-Traumatic Growth)، وهي حالة من النضج العاطفي والفكري تنشأ من رحم التجربة المؤلمة. يمر الإنسان من خلالها بإعادة تقييم أولوياته، واكتساب مرونة نفسية أعلى، وفهم أعمق لنفسه ولطبيعة الحياة.

وتتطلب هذه المرحلة التحلي بالهدوء والصبر، وعدم استعجال النتائج، لأن إعادة تشكيل المفاهيم والقيم يحتاج إلى وقت وعمق، ولا يتم في لحظة واحدة. لكنها عملية تعيد للإنسان ثقته بنفسه وتُجنّبه تكرار الأخطاء ذاتها مستقبلاً.

خامسًا: الابتعاد عن المحفزات العاطفية السلبية

في مرحلة التعافي، من الضروري جدًا حماية النفس من كل ما قد يُعيد الألم أو يُبطئ من وتيرة الشفاء. ومن بين هذه المحفزات: مراجعة الصور القديمة، الاستماع لأغانٍ تُذكّر بالماضي، أو مراقبة حسابات الأشخاص المرتبطين بالمحنة على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا السلوك يعيد فتح الجرح مرارًا ويحول دون تكون طبقة نفسية من “الندبة الصحية” التي تشير إلى الشفاء.

وينصح الخبراء بإجراء ما يُعرف بـ”التطهير الرقمي”، أي حذف أو إخفاء ما يُثير الذكريات السلبية، وقطع الروابط الافتراضية التي تُغذي الحنين المؤلم. قد يبدو هذا الإجراء قاسيًا أو نهائيًا، لكنه ضروري لحماية التوازن الداخلي في مرحلة حرجة. كما يُعدّ من أشكال العناية بالنفس التي تُعيد للإنسان سيطرته على حياته الرقمية والنفسية.

سادسًا: التوجه نحو مشاريع جديدة وتوسيع الأفق

بعد المرور بمرحلة الحزن، والوصول إلى درجة من الاستقرار، تُصبح المحنة فرصة لإعادة الاتصال بالحياة من منظور مختلف. وتُعدّ هذه الخطوة من أهم مراحل التعافي، لأنها تُحوّل الألم إلى وقود لبناء مستقبل أفضل. يمكن ذلك عبر التوجه إلى مشاريع جديدة، سواء كانت تعليمية، مهنية، أو حتى تطوعية.

الانخراط في تعلم مهارات جديدة، ممارسة هوايات قديمة تم التخلي عنها، أو خوض تجارب لم تُخض من قبل، كلها وسائل تعيد للإنسان شعور الاكتشاف والانخراط في الحياة. وهي تُعزز الشعور بالإنجاز، وتساعد على تجاوز الحلقة المفرغة من التفكير في الماضي.

وهذا لا يعني الهروب من المشاعر، بل استخدامها كدافع لتوسيع الأفق وإعادة صياغة المستقبل الشخصي من دون القيد العاطفي السابق. كما أنّ الانخراط في أنشطة جديدة يُسهم في خلق بيئة اجتماعية جديدة تُساعد على التجدد النفسي والعاطفي.

الجدول التالي يوضح مكونات التعافي النفسي من المحن العاطفية

الخلاصة

المحن العاطفية، رغم ألمها الشديد، ليست نهاية العالم بل قد تكون في كثير من الأحيان بداية لمرحلة نضج وتحول جذري في الحياة النفسية والشخصية. تجاوزها لا يتم بالتغاضي أو القمع، بل من خلال الاعتراف بها، التعامل معها برفق ووعي، والانخراط في رحلة داخلية من الشفاء وإعادة البناء.

الحياة العاطفية للإنسان معقدة وغنية، ومن الطبيعي أن تكون مليئة بالتجارب المتناقضة من فرح وحزن، من لقاء ووداع. وفي كل تجربة، هناك درس، وفي كل محنة، فرصة للنمو. التعامل الواعي مع المحن العاطفية هو السبيل إلى العيش الأعمق والأكثر اتزانًا.

المراجع:

1. Tedeschi, R. G., & Calhoun, L. G. (2004). Posttraumatic growth: Conceptual foundations and empirical evidence. Psychological Inquiry.

2. American Psychological Association. (2022). Building your resilience. www.apa.org.