5 اعتقادات خاطئة عن العطف الذاتي
العطف الذاتي، أو ما يُسمى بالحب والرحمة الذاتية، هو أحد الأساسيات التي تساهم في تحسين الصحة النفسية والرفاهية العامة للفرد. يُعرف العطف الذاتي بأنه القدرة على التعامل مع الذات برفق، والتفاعل مع الأفكار والمشاعر السلبية بطريقة داعمة وغير قاسية، وهو مفهوم قد أصبح في الآونة الأخيرة محط اهتمام الكثير من المختصين في مجال الصحة النفسية والتنمية الشخصية. على الرغم من فوائده الجمة في تعزيز التوازن العاطفي والنفسي، إلا أن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي قد تحيط بالعطف الذاتي والتي قد تؤدي إلى سوء فهم هذا المفهوم المهم.
1. العطف الذاتي هو نوع من الاستسلام أو التساهل مع الذات
أحد الاعتقادات الشائعة عن العطف الذاتي هو أنه يشجع الفرد على الاستسلام أو التساهل مع نفسه، مما يؤدي إلى التراخي أو تجاهل المسؤوليات. يُعتقد البعض أن العطف الذاتي يتناقض مع الطموح، وبالتالي فإنه قد يؤدي إلى تقليل الدوافع الشخصية.
إلا أن هذا الاعتقاد بعيد عن الحقيقة. العطف الذاتي ليس معناه أن نتسامح مع الأخطاء أو نتجاهل الحاجة للتطور الشخصي، بل على العكس، هو دعوة للتعامل مع الذات بطريقة رحيمة عند حدوث الانتكاسات أو الفشل. بدلاً من أن نكون قساة مع أنفسنا ونشعر بالذنب أو العجز، يمكن للعطف الذاتي أن يشجعنا على تقبل الخطأ كجزء من تجربتنا البشرية وأن نتعلم منه بطريقة صحية. العطف الذاتي يمنحنا القوة للتعامل مع التحديات بشكل أكثر مرونة، ويساعدنا على إعادة بناء أنفسنا بعد الفشل بدلاً من أن نبقى في حالة من اللوم المستمر.
2. العطف الذاتي هو نوع من الأنانية
يعتقد البعض أن ممارسة العطف الذاتي قد تكون سلوكًا أنانيًا، بحيث يركز الفرد على نفسه فقط ويعزل نفسه عن الآخرين. في الواقع، قد يرتبط هذا التصور بفكرة أن الشخص الذي يعتني بنفسه قد يبتعد عن مساعدة الآخرين أو يشعر بالراحة فقط عندما يهتم بمصالحه الخاصة.
لكن العطف الذاتي لا يعني الأنانية على الإطلاق. على العكس، الأشخاص الذين يمارسون العطف الذاتي يميلون إلى أن يكونوا أكثر قدرة على مساعدة الآخرين. فعندما نكون في حالة نفسية وعاطفية مستقرة، نصبح أكثر استعدادًا لمد يد العون والدعم لمن حولنا. العطف الذاتي يساهم في تعزيز علاقاتنا مع الآخرين، لأنه يعلمنا كيفية التفاعل بشكل أكثر تعاطفًا واهتمامًا مع مشاعر الآخرين، ونحن في حال جيدة مع أنفسنا.
3. العطف الذاتي يقتصر على المشاعر الإيجابية فقط
هناك فكرة خاطئة بأن العطف الذاتي يتطلب منا فقط أن نكون في حالة من السعادة والراحة الدائمة. يُعتقد أن من يمارس العطف الذاتي لا يجب أن يشعر بالغضب أو الحزن أو أي مشاعر سلبية أخرى، بل يجب أن يكون دائمًا في حالة إيجابية.
هذا التصور غير دقيق. العطف الذاتي لا يعني تجنب المشاعر السلبية أو التظاهر بعدم وجودها. بل إنه يدعونا إلى تقبل هذه المشاعر السلبية باعتبارها جزءًا من التجربة الإنسانية. عندما نشعر بالغضب أو الحزن، يمكننا ممارسة العطف الذاتي من خلال التفاعل مع هذه المشاعر بطريقة رحيمة وغير قاسية. مثلاً، بدلاً من إلقاء اللوم على أنفسنا بسبب الشعور بالغضب، يمكننا ببساطة أن نعترف بهذا الشعور وأن نسمح لأنفسنا بأن نمر بهذه اللحظات دون تحميل أنفسنا مزيدًا من التوتر أو القلق. هذا النوع من التسامح الذاتي يساعدنا على التعامل مع مشاعرنا السلبية بطريقة أكثر صحة.
4. العطف الذاتي هو تبرير للكسل أو عدم الجدية
بعض الأشخاص يرون أن العطف الذاتي قد يكون مبررًا للكسل أو عدم العمل الجاد. في هذا السياق، يعتقد البعض أن ممارسة العطف الذاتي قد تُستغل كحجة لتجنب المسؤوليات أو للتقاعس عن العمل.
على الرغم من أن العطف الذاتي يشجع على التعاطف مع الذات، إلا أنه لا يعني التخلي عن المسئوليات أو الفشل في السعي نحو تحسين الذات. العطف الذاتي يساعدنا على أن نكون أكثر صبرًا مع أنفسنا عندما نواجه صعوبات، لكنه لا يمنعنا من السعي نحو التقدم والتطور. في الواقع، الأشخاص الذين يمارسون العطف الذاتي يتمتعون عادةً بقدرة أكبر على اتخاذ قرارات واعية وفعالة، لأنهم ليسوا مشغولين بالذنب أو الشكوك التي يمكن أن تعرقل اتخاذ قراراتهم.
5. العطف الذاتي هو شيء يمكن اكتسابه بسهولة
من المفاهيم الخاطئة الأخرى هو أن العطف الذاتي يُعتبر شيئًا يمكن اكتسابه بسهولة أو بسرعة. يعتقد البعض أن ممارسة العطف الذاتي هي مجرد تقنية يمكن تعلمها خلال فترة قصيرة من الوقت، دون الحاجة إلى ممارسات مستمرة أو وعي ذاتي طويل الأمد.
في الحقيقة، العطف الذاتي هو عملية مستمرة تتطلب وقتًا وجهدًا. من الممكن أن يواجه الشخص تحديات في تعلم كيفية أن يكون لطيفًا مع نفسه، خاصة إذا كان قد نشأ في بيئة تروج لمفاهيم القسوة على الذات أو النقد المستمر. يتطلب العطف الذاتي تدريبًا مستمرًا على التعاطف مع الذات والاعتراف بالأخطاء دون القسوة عليها. قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإحداث تحول حقيقي في طريقة التفكير والسلوك.
خاتمة
إن العطف الذاتي هو أداة قوية لتعزيز الصحة النفسية وتحقيق التوازن الداخلي. على الرغم من المفاهيم الخاطئة التي قد تحيط به، فإن ممارسة العطف الذاتي تمنح الأفراد القدرة على التعامل مع تحديات الحياة بشكل أكثر مرونة ورحمة. من خلال التصدي للاعتقادات الخاطئة وتبني الفهم الصحيح لهذا المفهوم، يمكننا أن نصبح أكثر قدرة على التعامل مع أنفسنا برفق ودعم، مما يعزز رفاهيتنا العامة ويساهم في تحسين نوعية حياتنا بشكل ملحوظ.
