4 أخطاء شائعة تسبِّب القلق
يعد القلق من التجارب النفسية الشائعة التي يواجهها كثيرون في حياتهم اليومية. تتفاوت أسبابه بين العوامل البيئية والنفسية، لكن بعض العادات والأفكار الخاطئة قد تكون وراء الكثير من حالات القلق التي يعاني منها الأفراد. بعض هذه الأخطاء قد تكون غير مرئية للعديد من الناس، وبالتالي تستمر في التأثير على حالتهم النفسية دون أن يلاحظوا ذلك. في هذا المقال، سنتناول أربعة من هذه الأخطاء الشائعة التي تساهم بشكل كبير في زيادة القلق، وكيفية التعامل معها لتقليل تأثيرها على حياتنا.
1. الافتراضات المفرطة والتفكير المبالغ فيه
يُعتبر التفكير المبالغ فيه أو “التفكير المفرط” أحد أكبر الأخطاء التي تسبِّب القلق. عندما يميل الشخص إلى تخيُّل أسوأ السيناريوهات أو استباق الأحداث بشكل غير منطقي، يزداد التوتر ويبدأ القلق في السيطرة على مشاعره. هذه الظاهرة تُعرف أحياناً بـ “التفكير الكارثي”، حيث يتوقع الشخص أن كل شيء سيسوء بشكل غير قابل للإصلاح.
مثلاً، إذا كان هناك موعد عمل مهم قادم، قد يبدأ الفرد في التفكير في جميع الطرق التي قد يؤدي فيها هذا الموعد إلى فشل كارثي. ربما يفكر في أن كل قرار يتخذ قد يكون خاطئًا، وأن النتيجة النهائية ستكون كارثية، وهو ما يزيد من قلقه وتوتره.
يجب على الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من التفكير أن يتعلموا كيفية تحدي هذه الافتراضات. يتطلب الأمر إعادة التفكير المنطقي، وتوجيه الذهن إلى تقييم الاحتمالات بشكل عقلاني. بدلاً من أن يفكر الشخص في “أسوأ الاحتمالات”، عليه أن يتخيل النتائج الأكثر واقعية أو المتوازنة، الأمر الذي يساعد في تقليل القلق وتخفيف حدة المخاوف.
2. التمسك بالمثالية وعدم تقبُّل الأخطاء
في عالمٍ يعزز فيه الإعلام والأوساط الاجتماعية الصورة المثالية والإنجازات المبهرة، يتأثر العديد من الناس بهذه المعايير المرتفعة التي قد تؤدي إلى شعور دائم بالفشل والقلق. التمسك بالمثالية وعدم تقبّل الأخطاء هو خطأ شائع يعزز القلق بشكل كبير. الأشخاص الذين يسعون دائمًا إلى الكمال ولا يقبلون بأي نتيجة أقل من ذلك يشعرون بضغط هائل على أنفسهم، مما يزيد من مستويات القلق.
إحدى نتائج هذه العقلية هي خوف دائم من ارتكاب الأخطاء، مما يعيق الأداء الطبيعي ويؤدي إلى الخوف المستمر من الفشل. هذا يمكن أن يعزز القلق بشكل متواصل، لأنه في الواقع، لا توجد حياة أو تجربة خالية من الأخطاء. إن تقبّل الفشل كجزء من عملية التعلم والنمو هو خطوة مهمة نحو تقليل القلق.
للتعامل مع هذا الخطأ، يجب على الشخص أن يتبنى فكرة أن الأخطاء هي فرص للتعلم. بدلاً من الخوف من الخطأ، يجب النظر إليها باعتبارها جزءًا طبيعيًا من رحلة النجاح والتطور الشخصي. عندما يتعلم الشخص تقبُّل نفسه كما هو دون ضغط المثالية، سيبدأ في الشعور براحة أكبر ويقل القلق الذي قد يشعر به في مختلف المواقف.
3. العيش في الماضي أو المستقبل بدلاً من الحاضر
تعتبر هذه العادة من أكثر الأخطاء الشائعة التي تسبِّب القلق. كثير من الأشخاص يقضون وقتًا طويلاً في التفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، مما يحرمه من التفاعل مع اللحظة الحالية. إن الإفراط في التفكير حول ما حدث سابقًا، سواء كان ذلك يتعلق بالقرارات التي اتخذها الفرد أو الأحداث التي لم تكن تحت سيطرته، يزيد من مشاعر الندم أو الحزن.
من جهة أخرى، التفكير المستمر في المستقبل يمكن أن يؤدي إلى شعور دائم بالقلق حيال ما سيحدث، خاصة عندما تتجاوز المخاوف حدود المنطق. يمكن أن يصبح التفكير في المستقبل مصدرًا رئيسيًا للضغط النفسي، حيث يبدأ الشخص في تصور مواقف معقدة وغير واقعية قد لا تحدث أبدًا.
لمعالجة هذه المشكلة، يجب على الشخص أن يتعلم كيفية التركيز على اللحظة الحالية، وهو ما يُعرف بممارسة اليقظة الذهنية أو “الميندفلنس”. يمكن أن تساعد تمارين التنفس أو التأمل أو حتى مجرد أخذ لحظات لتقدير البيئة المحيطة بالشخص على تقليل التركيز المفرط على الماضي أو المستقبل. من خلال التأقلم مع الحاضر، يمكن تقليل مستويات القلق بشكل كبير.
4. عدم تحديد الحدود الشخصية بشكل واضح
العديد من الأفراد يشعرون بالقلق نتيجة عدم تحديدهم لحدودهم الشخصية مع الآخرين. هذا الخطأ يحدث بشكل خاص في العلاقات الشخصية والمهنية، حيث قد يشعر الفرد بالضغط المستمر لتلبية توقعات الآخرين أو تلبية احتياجاتهم على حساب راحته الشخصية.
عدم القدرة على قول “لا” يمكن أن يؤدي إلى شعور دائم بالإرهاق والتوتر، لأن الشخص يضع نفسه في مواقف لا يقدر على التعامل معها أو لا يوافق عليها بالضرورة. كما أن خوف الفرد من رفض الآخرين أو الإضرار بالعلاقات يمكن أن يجعله عرضة للقلق المستمر بشأن كيفية تأثير أفعاله على الآخرين.
لحل هذه المشكلة، يجب على الشخص أن يتعلم كيفية وضع حدود صحية. وهذا يعني القدرة على تحديد ما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة له، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية. تعلم قول “لا” بطريقة محترمة ولكنه حازمة يمكن أن يساعد بشكل كبير في تقليل القلق الناتج عن الإفراط في تلبية احتياجات الآخرين على حساب الذات.
الخاتمة
القلق هو شعور طبيعي يمكن أن يصيب الجميع في مرحلة ما من حياتهم. لكن عندما يصبح القلق مزمنًا أو يسيطر على حياة الشخص، فإن ذلك قد يكون نتيجة لبعض الأخطاء النفسية التي ترتكب بشكل غير واعٍ. إن معالجة هذه الأخطاء، مثل التفكير المفرط، التمسك بالمثالية، العيش في الماضي أو المستقبل، وعدم تحديد الحدود الشخصية، يمكن أن تساهم بشكل كبير في تقليل القلق وتحسين جودة الحياة.
من خلال تعلم كيفية التعامل مع هذه الأخطاء، يمكن للفرد أن يعيش حياة أكثر توازنًا وراحة نفسية. التغيير يتطلب الوقت والممارسة، لكن النتيجة ستكون بالتأكيد أقل قلقًا وأكثر سعادة.
