عنوان المقال: طرد وساوس الشيطان
مقدمة
تُعد الوساوس الشيطانية من أبرز العقبات التي تعترض طريق المسلم في حياته الإيمانية والروحية، فهي وسيلة خبيثة يستخدمها الشيطان لإضعاف صلة العبد بربه، وتشتيت ذهنه، وزرع القلق والريبة في قلبه، والتشويش على عباداته، وإحباط عزيمته في الطاعة. والشيطان، كما وصفه القرآن الكريم، هو عدو مبين للإنسان، لا يملّ من محاولاته لإضلاله وإبعاده عن طريق الله المستقيم. ومن هنا كانت أهمية التسلح بالعلم والإيمان والذكر لطرد هذه الوساوس والانتصار في المعركة الروحية المستمرة.
أولاً: ماهية الوساوس الشيطانية
الوساوس الشيطانية هي أفكار طارئة يُلقيها الشيطان في نفس الإنسان، تتنوع بين وساوس في العقيدة (مثل الشك في وجود الله أو أركان الإيمان)، أو وساوس في العبادات (كإعادة الوضوء أو الصلاة مراراً)، أو وساوس في الأمور الحياتية (كالخوف من المستقبل، أو الوسواس القهري المرتبط بالنظافة أو الأمن).
وقد بيّن القرآن والسنة أن هذه الوساوس ليست إلا محاولات من الشيطان للنفاذ إلى قلب العبد وإفساد علاقته بربه، قال تعالى: {من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس} [الناس: 4-5].
ثانياً: الفرق بين الوسوسة والمرض النفسي
من الضروري التفريق بين الوسوسة الشيطانية العارضة، وبين الاضطرابات النفسية كالوسواس القهري (OCD). الوسوسة الشيطانية تأتي غالبًا مصحوبة بنفور داخلي، أي أن الإنسان لا يرضى بها ويشعر أنها غريبة عنه، ويحاول دفعها، بينما المرض النفسي يتطلب تدخلاً علاجياً دوائياً أو سلوكياً في بعض الحالات. ومع ذلك، يمكن للوساوس الشيطانية أن تتفاقم وتتحول إلى مرض إذا تُركت دون علاج روحي.
ثالثاً: وسائل إبعاد وساوس الشيطان
1. الاستعاذة بالله
الاستعاذة بالله هي السلاح الأول الذي يُستخدم لطرد الشيطان، امتثالاً لقول الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [الأعراف: 200].
فعند ورود الوساوس، ينبغي على المسلم أن يقول مباشرة: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، ويصرف ذهنه عنها دون مناقشتها أو التعمق فيها.
2. الذكر الدائم لله
ذكر الله تعالى يُطرد الشيطان ويحصّن النفس، قال رسول الله ﷺ: “إن الشيطان يجثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسي وسوس” (رواه البخاري).
وأبرز الأذكار التي تُطرد بها الوساوس:
-
أذكار الصباح والمساء
-
أذكار النوم
-
دعاء دخول الخلاء والخروج منه
-
دعاء دخول البيت والخروج
-
التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير
3. الوضوء والصلاة
الطهارة والوضوء تحرق الشيطان وتبعده، قال ﷺ: “إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من نار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ” (رواه أبو داود).
كذلك فإن الصلاة تمثل نقطة تواصل بين العبد وربه، وكلما حرص العبد على صلاته بخشوع واطمئنان، ابتعدت عنه الوساوس. ومن السنة إذا نسي الإنسان شيئاً في صلاته، أن يسجد للسهو دون أن يفتح المجال للشيطان بالتشكيك المتكرر.
4. القرآن الكريم
القرآن الكريم هو الدواء الأعظم لطرد الشيطان ووساوسه، لأنه كلام الله الذي يزلزل كيان إبليس، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82].
وأهم السور والآيات التي ثبتت فعاليتها في الحماية من الوساوس:
-
سورة الفاتحة
-
آية الكرسي
-
خواتيم سورة البقرة
-
سور الإخلاص، الفلق، الناس
وخاصةً سورة الناس، فقد سُميت بـ”سورة الوسواس الخناس”، لما فيها من طلب الاستعاذة من شر الوساوس الشيطانية.
5. قطع الاسترسال مع الوساوس
من أهم خطوات العلاج تجاهل الوساوس وعدم الالتفات لها. فالاسترسال مع الوساوس يرسخها، بينما التجاهل يُضعفها ويُميت أثرها تدريجيًا. وقد قال النبي ﷺ: “يأتي الشيطان إلى أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ” (رواه البخاري).
كلمة “ولينتهِ” هنا تحمل معنى الحزم، أي أن يقطع تلك الوساوس من جذورها، ولا يفتح لها باب النقاش العقلي أو التحليل الذهني.
6. الصحبة الصالحة وطلب العلم
الانخراط في بيئة إيمانية ومع صحبة صالحة يُقوي القلب والعقل، ويُضعف أثر الشيطان. كذلك فإن طلب العلم الشرعي يُثبت العقيدة ويزيل الشبهات التي يبثها الشيطان في النفس.
وقد ورد في الحديث الشريف: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده” (رواه مسلم).
7. الانشغال بالنافع والعمل المثمر
من الوسائل الفعالة لصرف الوساوس أن يشغل الإنسان نفسه بما ينفعه في دنياه وآخرته، من قراءة، وطلب علم، وممارسة هوايات، ومساعدة الآخرين، والانخراط في العمل الخيري.
الفراغ هو حليف الشيطان الأول، وكلما وجد عقلًا فارغًا، ملأه بالوساوس والقلق. وقد قيل: “إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل”.
8. الصبر والمجاهدة
مجاهدة النفس على دفع الوساوس تحتاج إلى صبر واستمرارية، فالشيطان لا ييأس من المحاولة، لكن المؤمن إذا أصرّ على الطاعة وواصل المجاهدة، نال الفرج والثبات. قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69].
وقد قال ابن القيم: “كلما قوي الإيمان في القلب، ضعفت وسوسة الشيطان”.
9. اللجوء إلى الله بالدعاء
الدعاء من أعظم وسائل الحماية من الشيطان، وخاصةً دعاء الثبات على الدين، مثل:
-
“اللهم يا مُقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”
-
“اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون”
-
“رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون”
إن الدعاء يعبر عن فقر العبد وحاجته إلى الله، وهو سلاح روحي عظيم لحفظ النفس.
جدول يوضح الفرق بين الوساوس وأنواعها وطرق مواجهتها:
| نوع الوسواس | مثال عليه | طريقة المواجهة |
|---|---|---|
| في العقيدة | من خلق الله؟ | الاستعاذة بالله والانتهاء وعدم النقاش |
| في الطهارة | الشك في خروج الريح أو الحدث | التجاهل وعدم الالتفات |
| في الصلاة | تكرار نية الصلاة أو عدد الركعات | البناء على اليقين وسجود السهو إن لزم |
| في الأمور الدنيوية | القلق من المرض أو الخوف من المستقبل | التوكل على الله والانشغال بالنافع |
| الوسواس القهري (المرضي) | غسيل اليدين المفرط، تكرار الأفعال | يحتاج إلى علاج نفسي مع الرقية الشرعية |
خاتمة
إن إبعاد وساوس الشيطان لا يتم بين ليلة وضحاها، وإنما هو مسار إيماني يحتاج إلى صبر ومجاهدة ووعي دائم بأن الشيطان عدو لا يكلّ ولا يملّ من محاولاته، ولكن الله وعد عباده الصالحين بالحماية والتوفيق إن هم ثبتوا على ذكره، واتبعوا هديه، واستعانوا به حق الاستعانة. فالوساوس لا تُغلب بكثرة التفكير فيها أو محاولة التخلص منها بالعقل وحده، بل بالغذاء الروحي والتعلق بالقرآن والسنة. إن النور الذي في القلب أقوى من ظلمات الشيطان، فقط حين يُشعل بنور اليقين واليقظة والذكر الدائم لله.
المصادر:
-
ابن القيم الجوزية، مدارج السالكين
-
صحيح البخاري ومسلم
