قراءة شخصية الإنسان من حركاته

كيف تعرف شخصية الإنسان من حركاته؟

الإنسان كائن معقد في تركيبه النفسي والجسدي، وهذه التعقيدات تنعكس بوضوح على سلوكياته وحركاته اليومية. غالباً ما نتفاعل مع الأشخاص من خلال أقوالهم وأفعالهم، لكن هناك جانب آخر مهم لا يقل أهمية عن الكلمات: حركات الجسم والإيماءات التي نقوم بها بشكل غير واعٍ أو في بعض الأحيان بشكل متعمد. من خلال هذه الحركات يمكننا أن نستشف الكثير من خصائص شخصية الفرد، حتى دون أن ينطق بكلمة واحدة.

علم حركات الجسم: علم التشخيص الحركي

في علم النفس، يعتبر تفسير حركات الجسم جزءاً من دراسة التواصل غير اللفظي، أو ما يُعرف بـ “لغة الجسد”. يشمل هذا العلم دراسة الإيماءات، التعابير الوجهية، وضعيات الجسم، وحتى حركة اليدين والأقدام. يمكن أن تكشف هذه الحركات الكثير عن الشخصيات، مثل ما إذا كان الشخص واثقاً من نفسه، متوتراً، عصبيًا، أو حتى غير صريح في تعاملاته. لذلك، يمكن القول بأن قراءة حركات الجسم تعادل تقريبًا قراءة شخصية الفرد، وهي أداة هامة لفهم التفاعلات بين البشر بشكل أعمق.

أنواع الحركات ودلالاتها على الشخصية

1. حركات اليدين والذراعين

تعد اليدين أحد الأدوات الأساسية للتعبير عن المشاعر والأفكار. عندما يقوم شخص بحركات يدوية أثناء حديثه، فإن ذلك قد يعكس عدة جوانب من شخصيته. مثلاً:

• إشارة اليد المفتوحة: تعكس عادةً الشخصيات الصادقة والمفتوحة، التي لا تحمل نوايا خفية. هذه الحركة تعبر عن الثقة والراحة في المواقف الاجتماعية.

• اليدين المشبوكتين: إذا كان الشخص يشبك يديه خلف ظهره أو أمامه، فإن ذلك غالبًا ما يشير إلى الحذر أو الدفاعية. قد يكون الشخص في هذه الحالة مترددًا أو يحاول إخفاء شيء عن الآخرين.

• حركة اليد التكتيلية: الأشخاص الذين يستخدمون أيدهم لملمسة أو لمس الآخرين بشكل غير مفرط قد يظهرون إما أنهم في حاجة إلى الدعم العاطفي أو أنهم يميلون إلى تحكم مشاعرهم عبر الإيماءات الحسية.

2. حركات الوجه والتعابير

وجه الإنسان هو الساحة الرئيسية التي تنكشف من خلالها المشاعر الحقيقية. فالتعابير الوجهية تلعب دوراً كبيراً في تحديد المزاج والنوايا:

• الابتسامة: واحدة من أكثر الحركات المعبرة في لغة الجسد، لكن هناك فرق بين الابتسامة الحقيقية (التي تشمل العينين) والابتسامة المصطنعة (التي تقتصر على الفم). الابتسامة الحقيقية تشير عادةً إلى شخصية مريحة ومبتهجة، بينما الابتسامة المصطنعة قد تعكس شعورًا بعدم الأمان أو الرغبة في إخفاء مشاعر سلبية.

• التحديق أو رفع الحواجب: قد يعكس التحديق أو رفع الحواجب مفاجأة أو اهتماماً غير متوقع. كما أن هذه الحركة قد تكون علامة على شخص فضولي أو مهتم بأدق التفاصيل.

• العبوس أو تجاعيد الجبهة: إذا كان الشخص يعبس كثيرًا أو يظهر تجاعيد على جبهته أثناء التحدث، فإن ذلك قد يشير إلى توتر داخلي أو قلق. كما يمكن أن يعكس انزعاجًا من الموقف أو الشخص الذي أمامه.

3. وضعيات الجسم

وضعية الجسم هي إحدى الحركات الأكثر وضوحًا في الكشف عن الشخصية. قد تساهم وضعياتنا الجسدية في إظهار الثقة بالنفس أو الضعف، والراحة أو التوتر. مثلا:

• وضعية الجسد المستقيمة: الشخص الذي يتبنى وضعية جسد مستقيمة ويقف أو يجلس بطريقة سليمة، يبعث برسالة غير مباشرة عن الثقة بالنفس والراحة الداخلية. مثل هذا الشخص غالبًا ما يكون واثقًا في قراراته ومستعدًا للتعامل مع التحديات.

• الانحناء أو تقويس الظهر: الأشخاص الذين يميلون إلى الانحناء أو تقويس ظهورهم قد يكونون إما محبطين أو غير متأكدين من أنفسهم. كما أن هذه الوضعية قد تظهر شخصًا يعاني من قلة الحوافز أو ضعف الثقة في قدراته.

• اليدين في الجيوب أو الأذرع المتقاطعة: تعتبر هذه الحركات من علامات الحذر أو الرغبة في الانعزال. عندما يعبر شخص عن عدم راحته أو يتجنب المواقف، فإنه يضع يديه في جيوبه أو يعقد ذراعيه كإشارة إلى الدفاعية أو القلق.

4. حركات الأقدام

الأقدام هي جزء آخر من الجسم الذي يمكن أن يكشف الكثير عن شخصية الفرد، وخاصة فيما يتعلق بمستوى الراحة أو الانزعاج.

• القدم المتحركة أو التململ: من الشائع أن تكون حركة القدم المتواصلة أثناء الجلوس أو الوقوف دلالة على التوتر أو العصبية. هذا السلوك يدل على الشخص الذي يعاني من عدم الراحة أو يشير إلى رغبة في الهروب من الوضع.

• الاتجاه الجسدي للأقدام: دراسة وضعية القدمين أثناء التفاعل مع الآخرين قد تبوح بالكثير عن نية الشخص. على سبيل المثال، إذا كانت قدما الشخص موجهة نحو الباب أو نحو شخص آخر، فقد يعكس ذلك رغبته في المغادرة أو أنه غير مهتم بالمحادثة.

5. حركة الرأس

يعتبر الرأس عنصراً حيوياً في التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا. تحركات الرأس قد تتضمن:

• إمالة الرأس: إمالة الرأس عند الاستماع إلى شخص آخر قد تكون علامة على الاهتمام أو الفضول. من السهل أن تلاحظ هذه الحركة في المواقف التي يكون فيها الشخص مندمجًا بشكل كامل في المحادثة.

• اهتزاز الرأس: في بعض الأحيان، يهز الشخص رأسه خلال الحديث للتعبير عن الاستفهام أو الدهشة، ويمكن أن تكون هذه الحركة بمثابة رد فعل شعوري لموقف غير متوقع أو مفاجئ.

كيف يمكننا استخدام هذه الحركات لفهم الآخرين بشكل أفضل؟

تعتبر قراءة لغة الجسد أداة قوية لفهم الآخرين والتفاعل معهم بطريقة أعمق وأكثر دقة. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بأن الشخص الذي أمامك غير مرتاح أو متوتر، قد تعكس حركاته الجسدية مثل الأيدي المشبوكة أو الأقدام المتململة تلك المشاعر. من خلال ملاحظة هذه الإشارات، يمكننا تعديل سلوكنا أو طريقة تفاعلنا معه بطريقة أكثر وعيًا.

على الجانب الآخر، فإن الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية واثقة وقوية يميلون إلى تبني حركات أكثر انفتاحًا واستقرارًا. على سبيل المثال، الحفاظ على تواصل بصري قوي واستخدام إيماءات اليد بشكل متناغم يعكس عادةً شخصية قائد أو شخص ذي قوة داخلية.

الختام

تعتبر الحركات الجسدية أداة فعالة لفهم شخصيات الآخرين، وتقديم فرص أكبر للتواصل الفعّال والمرن. من خلال الانتباه إلى هذه الحركات، يمكننا أن نكون أكثر وعياً بتفاعلاتنا مع الناس وأن نقرأ بين السطور في سياقات اجتماعية مختلفة. حركات الجسم ليست مجرد ردود فعل عشوائية؛ بل هي رسائل غير مرئية تكشف عن عالم كامل من المشاعر والأفكار الدفينة.