ترقق العظام وهشاشة العظام: مرض صامت وتأثيراته العميقة على صحة الإنسان

يُعدُّ ترقق العظام، المعروف طبياً بهشاشة العظام (Osteoporosis)، من الأمراض المزمنة التي تصيب الهيكل العظمي وتؤدي إلى انخفاض كثافة العظام وضعف بنيتها، مما يزيد من خطر حدوث الكسور حتى مع التعرض لإصابات بسيطة أو دون أسباب ظاهرة. يعكس هذا المرض تغيراً تدريجياً في توازن تكوين العظام وتحللها، حيث يفوق فقدان العظام عملية تكوينها، ما يؤدي إلى ضعف العظام وارتفاع احتمالية كسرها.

تعريف هشاشة العظام وأهميتها الطبية

هشاشة العظام هي حالة مرضية تتميز بفقدان الكتلة العظمية وتدهور بنية النسيج العظمي الميكروهيكلي، مما يجعل العظام أكثر هشاشة وعرضة للكسور. يُعتبر هذا المرض من أكثر الأمراض انتشاراً بين كبار السن، وخاصة النساء بعد انقطاع الطمث بسبب نقص هرمون الاستروجين الذي يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على كتلة العظام.

تُعد هشاشة العظام السبب الرئيسي للكسور العظمية غير الناتجة عن الصدمات القوية، وتشكل هذه الكسور عبئاً صحياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً، حيث تؤدي إلى ضعف القدرة الوظيفية، انخفاض جودة الحياة، وزيادة خطر الوفاة في بعض الحالات.

آلية ترقق العظام

يتكون العظم من نسيج حي ديناميكي يتجدد باستمرار عبر عمليتين متوازنتين: تكوين العظم بواسطة الخلايا البانية (Osteoblasts) وامتصاص العظم بواسطة الخلايا الهابطة (Osteoclasts). في حالة هشاشة العظام، يختل هذا التوازن لصالح تدمير العظم، فتتفوق عمليات الامتصاص على التكوين، مما يؤدي إلى فقدان الكتلة العظمية وتدهور بنية العظم.

هذا الاضطراب يمكن أن ينجم عن عوامل متعددة تشمل التقدم في العمر، تغيرات هرمونية، نقص بعض العناصر الغذائية مثل الكالسيوم وفيتامين د، بالإضافة إلى بعض الأمراض والحالات الطبية التي تؤثر على التمثيل الغذائي للعظام.

عوامل الخطر للإصابة بهشاشة العظام

تتعدد عوامل الخطر التي تزيد من احتمال الإصابة بهشاشة العظام، وهي تشمل:

• العمر المتقدم: تزداد احتمالية الإصابة مع التقدم في العمر نتيجة انخفاض معدل تكوين العظم وزيادة امتصاصه.

• الجنس: النساء أكثر عرضة بسبب تأثير نقص هرمون الاستروجين بعد سن اليأس.

• العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي للإصابة بهشاشة العظام أو كسور العظام.

• نقص الكالسيوم وفيتامين د: يؤدي نقص هذه العناصر إلى ضعف بناء العظام.

• نمط الحياة: قلة النشاط البدني، التدخين، الإفراط في تناول الكحول، والسمنة أو النحافة المفرطة.

• الأدوية: استخدام بعض الأدوية مثل الكورتيكوستيرويدات لفترات طويلة.

• الأمراض المزمنة: مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، وأمراض الغدة الدرقية، وأمراض الجهاز الهضمي التي تؤثر على امتصاص العناصر الغذائية.

الأعراض السريرية لهشاشة العظام

تعتبر هشاشة العظام مرضاً صامتاً في مراحله الأولى، إذ لا تظهر أعراض واضحة حتى يحدث كسر في العظام. تظهر الأعراض عادة على شكل:

• كسور متكررة في العظام، خصوصاً في الفقرات، المعصم، والفخذ.

• ألم مزمن في العظام والظهر بسبب الانهيار الفقري.

• فقدان الطول التدريجي.

• انحناء العمود الفقري، ما يسبب ما يُعرف بـ”حدبة العجوز”.

تشخيص هشاشة العظام

يُعتمد في تشخيص هشاشة العظام بشكل رئيسي على قياس كثافة العظام عبر تقنية الامتصاص الضوئي المزدوج (DXA أو DEXA) والتي تعتبر المعيار الذهبي. تقارن نتائج الفحص كثافة العظام مع قيم الكثافة المرجعية للشباب الأصحاء، حيث تشير القيمة إلى درجة ترقق العظام:

• طبيعية: كثافة عظمية ضمن المعدل الطبيعي.

• نقص في الكتلة العظمية (Osteopenia): انخفاض معتدل في كثافة العظام.

• هشاشة العظام: انخفاض حاد في الكثافة العظمية.

بالإضافة إلى ذلك، يتم تقييم التاريخ الطبي، الفحوصات المخبرية لتحديد مستويات الكالسيوم، فيتامين د، والهرمونات، وكذلك الأشعة السينية للكشف عن الكسور أو التشوهات.

الوقاية من هشاشة العظام

الوقاية هي السبيل الأهم للحد من خطر الإصابة بهشاشة العظام. تشمل الاستراتيجيات الوقائية:

• الحصول على كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين د: من خلال النظام الغذائي أو المكملات الغذائية.

• ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة: خصوصاً تمارين المقاومة والوزن التي تعزز من قوة العظام.

• تجنب التدخين والكحول: لما لهما من تأثيرات سلبية على صحة العظام.

• مراقبة الأدوية: استخدام الأدوية التي تؤثر على العظام يجب أن يكون تحت إشراف طبي.

• الاهتمام بالحالة الصحية العامة: التحكم في الأمراض المزمنة التي قد تؤثر على العظام.

علاج هشاشة العظام

يتطلب علاج هشاشة العظام خطة شاملة تهدف إلى تقوية العظام، تقليل خطر الكسور، وتحسين نوعية الحياة. يشمل العلاج:

• المكملات الغذائية: كال كالسيوم وفيتامين د لتعويض النقص.

• الأدوية: مثل البايفوسفونيت (Bisphosphonates) التي تبطئ من تكسير العظم، أو أدوية تحفيز تكوين العظم مثل تيريباراتيد.

• العلاج الهرموني: مثل العلاج بالاستروجين أو العوامل الأخرى التي تعوض نقص الهرمونات عند النساء بعد انقطاع الطمث.

• العلاج الطبيعي والتمارين: لتحسين القوة العضلية والتوازن ومنع السقوط.

تأثير هشاشة العظام على الصحة العامة

يؤدي هشاشة العظام إلى كسور مؤلمة وخاصة في الورك والعمود الفقري، مما يزيد من خطر الإعاقة الدائمة. كسور الورك ترتبط بارتفاع معدلات الوفاة في السنة الأولى بعد الإصابة بسبب المضاعفات مثل الالتهابات والجلطات. كما أن الألم المزمن الناتج عن الانهيارات الفقرية يؤثر بشكل سلبي على جودة الحياة والقدرة على أداء الأنشطة اليومية.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين هشاشة العظام ونقص الكتلة العظمية من حيث التعريف، الكثافة العظمية، وخطر الكسور:

الخاتمة العلمية حول هشاشة العظام

هشاشة العظام تمثل تحدياً صحياً عالمياً نظراً لانتشارها الكبير وتأثيرها الخطير على صحة الإنسان. الفهم العميق لآليات المرض وأسبابه يساعد في تطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والعلاج، ما يقلل من مضاعفاته ويساهم في تحسين جودة الحياة لدى المصابين. التركيز على التغذية السليمة، النشاط البدني المنتظم، والكشف المبكر يظل من الركائز الأساسية لمواجهة هذا المرض الصامت قبل أن يتسبب في مضاعفات لا علاج لها.

المراجع

1. National Osteoporosis Foundation. “Clinician’s Guide to Prevention and Treatment of Osteoporosis.” 2014.

2. Kanis JA et al. “Diagnosis of osteoporosis.” Bone. 2013 Dec; 54(3): 219–229.