10 خرافات شائعة ومفاجئة في علم النفس والعلم الحقيقي الكامن وراءها
علم النفس هو علم معقد ودقيق يعنى بفهم سلوك الإنسان والعقل البشري. إلا أن هذا المجال، مثل العديد من المجالات الأخرى، يواجه تحديات من حيث المفاهيم المغلوطة والخرافات التي يتم تداولها على مر الزمن. هذه الخرافات قد تؤثر على الطريقة التي نفكر بها حول أنفسنا وحول الأشخاص من حولنا. في هذا المقال، سنتناول عشر خرافات شائعة في علم النفس ونكشف عنها العلم الحقيقي الذي يقف وراءها، مما يساعد في تصحيح المفاهيم السائدة وتحفيز المزيد من التفكير النقدي.
1. الدماغ البشري يستخدم فقط 10% من قدراته
من أشهر الخرافات التي يتم تداولها حول الدماغ البشري هو الاعتقاد بأننا نستخدم فقط 10% من قدراته، بينما يُقال أن البقية غير مستغلة أو غير مهمة. هذه الفكرة يمكن أن تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث روج لها بعض العلماء والمفكرين. لكن الحقيقة العلمية هي أن هذا الادعاء ليس له أساس من الصحة. في الواقع، جميع أجزاء الدماغ لها وظيفة معينة، والبحوث الحديثة باستخدام تقنيات تصوير الدماغ مثل “التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي” (fMRI) تظهر أن معظم أجزاء الدماغ نشطة أثناء مختلف الأنشطة العقلية. لا يوجد جزء من الدماغ يعتبر “غير مستخدم”، بل جميع الأجزاء تقوم بوظائف متنوعة تتراوح بين معالجة المعلومات، التفكير، وحتى تنظيم الوظائف الحركية والعاطفية.
2. التحليل النفسي يكشف عن العقل الباطن بشكل دقيق
كثير من الناس يظنون أن التحليل النفسي، وخاصة أساليب فرويد مثل تحليل الأحلام، يستطيع كشف خبايا العقل الباطن بدقة تامة. في الواقع، بينما لعب التحليل النفسي دوراً مهماً في تطوير علم النفس في القرن العشرين، فإن العديد من أفكار فرويد قد تم التشكيك فيها على مر السنين. اليوم، يُعتبر التحليل النفسي أحد الأساليب التي تعاني من نقص في الأدلة العلمية لدعمه. الدراسات الحديثة أظهرت أن العقل الباطن لا يعمل بنفس الطريقة التي وصفها فرويد. عوضاً عن ذلك، أصبحت الأساليب العلاجية الحديثة مثل العلاج السلوكي المعرفي أكثر تأثيراً وإثباتاً علمياً.
3. الناس لديهم “نوع واحد” من الشخصية
يعتقد البعض أن هناك نوعاً واحداً من الشخصيات يمكن أن ينتمي إليه كل فرد، سواء كان منفتحاً أو انطوائياً، أو متحمساً أو متحفظاً. في الواقع، البشر أكثر تعقيداً من أن ينحصروا في فئات محددة. تشير الأبحاث الحديثة في علم النفس إلى أن الشخصية هي طيف من الخصائص المتعددة، وليس مجرد نوع واحد. نموذج “الأبعاد الخمسة الكبرى” (Big Five Personality Traits)، والذي يشمل الانفتاح على الخبرة، الضمير، الانبساطية، التوافق، والعصابية، يقدم نموذجاً أكثر دقة لفهم التنوع الشخصي. هذه الأبعاد تساعد في تحديد سمات شخصية الأفراد من خلال مدى تطابقهم مع كل بُعد.
4. نحن نكون نحن في سن الشباب فقط
هناك خرافة شائعة تقول إن شخصية الإنسان تتكون في سنواته الأولى فقط، وأنه لا يمكن تغييرها بعد ذلك. رغم أن السنوات الأولى من العمر تشهد تطوراً كبيراً في الشخصية والعقل، فإن البحث العلمي يثبت أن الشخصية يمكن أن تتغير على مدار الحياة. التغيرات في الحياة مثل التجارب الجديدة، التحديات، والبيئة المحيطة يمكن أن تؤثر على كيفية تفاعل الشخص مع العالم. دراسة حول “النمو الشخصي” تشير إلى أن الأشخاص يمكنهم أن يصبحوا أكثر انفتاحاً أو أكثر توافقاً حتى في مراحل متقدمة من الحياة، وفقاً للظروف التي يمرون بها.
5. إطلاق المشاعر السلبية يساعد في تخفيفها
الفكرة القائلة بأن التعبير عن المشاعر السلبية، مثل الغضب أو الحزن، يساعد في التخلص منها هي خرافة شائعة. في الواقع، الدراسات أظهرت أن التعبير عن الغضب لا يقلل من شدته بل قد يزيد من تفاعلاته. على العكس، التعاطي مع المشاعر السلبية من خلال تقنيات مثل التأمل، التنفس العميق، أو العلاج المعرفي السلوكي قد يكون أكثر فعالية في تقليل التوتر وتحسين الحالة العاطفية على المدى الطويل. “إطلاق المشاعر” قد يؤدي في بعض الحالات إلى تعزيز المشاعر السلبية بدلاً من تخفيفها.
6. التدريب العقلي يساعد في تحسين الذكاء
من المعتقدات المنتشرة أن ممارسة الألعاب العقلية أو التمارين الخاصة بالعقل، مثل حل الألغاز أو لعبة الشطرنج، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الذكاء العام. رغم أن هذه الأنشطة يمكن أن تحسن الأداء في مجالات معينة مثل حل المشكلات أو اتخاذ القرارات، إلا أن الأبحاث لم تظهر بشكل قاطع أن هذه الأنشطة تؤدي إلى زيادة الذكاء العام. الذكاء ليس سمة ثابتة قابلة للتحسين إلى ما لا نهاية عبر التدريبات البسيطة. في الواقع، الذكاء يشمل مجموعة من القدرات المعرفية المعقدة التي تتأثر بالعوامل الوراثية والبيئية.
7. النساء يتحدثن أكثر من الرجال
تعتبر هذه واحدة من الخرافات الأكثر شيوعاً، حيث يُعتقد أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال في مختلف المواقف الاجتماعية. لكن الدراسات الحديثة تظهر أن الفروق بين الجنسين في مقدار الكلام الذي يتم استخدامه صغيرة للغاية. على سبيل المثال، إحدى الدراسات التي أجريت على آلاف الأشخاص في بيئات اجتماعية متعددة أظهرت أن هناك فرقاً طفيفاً جداً بين عدد الكلمات التي يستخدمها الرجال والنساء يومياً. الفرق الحقيقي يعتمد على السياق الاجتماعي، والموقف، والهدف من التواصل.
8. التوتر فقط له آثار سلبية على الصحة
التوتر هو جزء طبيعي من الحياة البشرية، ولا يمكننا تجنب الشعور به في بعض الحالات. ومع ذلك، يُعتقد بشكل شائع أن جميع أنواع التوتر تؤثر سلباً على صحتنا. في الواقع، هناك نوعان من التوتر: التوتر الإيجابي (أو التوتر الحافز)، الذي يمكن أن يساعد الشخص على التكيف مع التحديات والتفاعل مع المواقف الجديدة بشكل أفضل، والتوتر السلبي الذي يسبب الإرهاق النفسي والجسدي. التوتر الإيجابي، مثل الاستعداد للامتحانات أو التحدث أمام الجمهور، يمكن أن يزيد من التركيز والأداء.
9. الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب غير قادرين على الشعور بالسعادة
واحدة من الخرافات الأكثر ضرراً هي فكرة أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب لا يستطيعون الشعور بالسعادة أو البهجة. في الحقيقة، حتى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يمكنهم تجربة لحظات من السعادة والسرور، على الرغم من أنهم قد يشعرون بأنها لحظات مؤقتة أو غير دائمة. الاكتئاب هو اضطراب مزاجي معقد يمكن أن يتداخل مع القدرة على الاستمتاع بالحياة، ولكنه لا يعني بالضرورة أن الشخص يفقد تماماً القدرة على الشعور بالفرح.
10. الأطفال لا يستطيعون تعلم مفاهيم معقدة في سن مبكرة
من الشائع أن يُعتقد أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة أو سنواتهم الأولى لا يمكنهم فهم أو تعلم مفاهيم معقدة مثل الرياضيات أو المنطق. لكن الأبحاث في مجال التعليم وعلم النفس المعرفي أظهرت أن الأطفال لديهم قدرة مذهلة على تعلم هذه المفاهيم في وقت مبكر أكثر مما كان يُعتقد سابقاً. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات أن الأطفال يمكنهم فهم أساسيات الرياضيات مثل الجمع والطرح والتفكير النقدي منذ سن مبكرة، إذا تم تقديمها لهم بأسلوب مناسب وملائم لعمرهم.
الختام
في الختام، نجد أن العديد من الخرافات المنتشرة حول علم النفس تتناقض مع الأبحاث العلمية الحديثة. فهم كيفية عمل العقل البشري وكيفية تأثير البيئة والعوامل الاجتماعية والعاطفية على سلوكنا هو أمر بالغ الأهمية. الخرافات قد تكون مثيرة للاهتمام أو تسهل فهم بعض الظواهر النفسية، لكن العلم لا يتوقف عن تحدي المفاهيم المغلوطة وتقديم رؤى أعمق وأكثر دقة.
