وقت بدء صلاة التهجد

تعدُّ صلاة التهجد من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، وهي من النوافل التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لما فيها من خير عظيم وفضل كبير في الدنيا والآخرة. وقد اختص الله عز وجل أهل التهجد بدرجات رفيعة وأجور عظيمة لا ينالها إلا من قام الليل بخشوع وتذلل بين يدي الله تعالى. ولأهمية هذه الصلاة، فإن معرفة وقتها يعد من المسائل الضرورية التي ينبغي للمسلم الوقوف عليها حتى يؤدي هذه العبادة في وقتها المشروع والمحبب.

تعريف صلاة التهجد

التهجد في اللغة مأخوذ من الهجود، وهو النوم، ويقال تهجد إذا استيقظ من النوم للصلاة. أما في الاصطلاح الشرعي، فالتهجد هو صلاة التطوع في الليل بعد النوم. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن التهجد يختص بما يكون بعد النوم، وهو ما يميزها عن قيام الليل الذي يشمل الصلاة قبل النوم وبعده. بينما ذهب بعض أهل العلم إلى أن التهجد هو مطلق صلاة الليل سواء سبقت بنوم أم لا. ومع ذلك، فإن جمهور المفسرين والمحدثين يرون أن التهجد له خصوصية من حيث ارتباطه بالاستيقاظ بعد النوم لأداء الصلاة.

وقت بدء صلاة التهجد

أجمع أهل العلم على أن وقت صلاة التهجد يبدأ بعد صلاة العشاء وينتهي بطلوع الفجر الصادق، أي إلى بداية أذان الفجر الثاني. لكن ما يميز التهجد عن قيام الليل هو أن التهجد يُشترط فيه النوم قبله ثم الاستيقاظ لأدائه، وهذا ما عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدثين.

فمن أراد أداء صلاة التهجد ينبغي له أن ينام ولو لفترة قصيرة ثم يستيقظ ليصلي في جوف الليل، وهذا هو المعنى الخاص للتهجد. أما من صلى الليل قبل أن ينام فإن ذلك يعد من قيام الليل لكنه لا يُطلق عليه “تهجد” بالمعنى الدقيق عند جمهور العلماء.

إذًا، الوقت المشروع للتهجد يمتد من بعد صلاة العشاء وحتى أذان الفجر، ولكن الأفضلية فيه تختلف باختلاف أجزاء الليل.

تقسيم الليل وأفضل أوقاته للتهجد

اتفق العلماء على أن الليل يُقسم إلى ثلاثة أقسام:

1. الثلث الأول من الليل: وهو من بعد صلاة العشاء وحتى مضي ثلث مدة الليل. وهو وقت جائز للقيام، لكنه ليس الوقت الأفضل للتهجد.

2. الثلث الأوسط من الليل: يلي الثلث الأول ويمتد حتى بدء الثلث الأخير. وهو أيضًا وقت مشروع للقيام والتهجد.

3. الثلث الأخير من الليل: وهو يبدأ من بعد مضي ثلثي الليل إلى طلوع الفجر. وقد وردت نصوص كثيرة في فضله، فهو أفضل أوقات الليل للتهجد والدعاء والاستغفار. ففي هذا الوقت يتنزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث الصحيح: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟” (رواه البخاري ومسلم).

ومن هنا يتبين أن أفضل وقت لأداء صلاة التهجد هو الثلث الأخير من الليل، لأنه وقت استجابة الدعاء وتفريج الكربات وقبول الأعمال.

كيفية حساب الثلث الأخير من الليل

لحساب الثلث الأخير من الليل بدقة، يجب معرفة وقت غروب الشمس ووقت طلوع الفجر، ثم حساب المدة الزمنية بينهما وقسمتها على ثلاثة أجزاء متساوية.

على سبيل المثال:
إذا كان وقت غروب الشمس الساعة 7:00 مساءً ووقت طلوع الفجر الساعة 5:00 صباحًا، فإن مدة الليل هي 10 ساعات.

• ثلث الليل = 10 ÷ 3 = 3 ساعات و20 دقيقة.

• يبدأ الثلث الأخير من الليل من الساعة 1:40 صباحًا تقريبًا وحتى أذان الفجر في الساعة 5:00 صباحًا.

هذا هو الوقت الأفضل للتهجد، وهو وقت النزول الإلهي الذي ذكره النبي ﷺ.

فضل صلاة التهجد

صلاة التهجد لها منزلة عظيمة في الإسلام لما فيها من الخشوع والتقرب الخالص إلى الله تعالى. وقد أثنى الله على أهل التهجد في كتابه الكريم في عدة مواضع، منها قوله تعالى:

“كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ” [الذاريات: 17]

أي كانوا ينامون قليلًا من الليل، ويقضون معظمه في الصلاة والذكر.

وقوله تعالى:

“وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 18]

وفيه إشارة إلى أن السحر – وهو الثلث الأخير من الليل – هو وقت الاستغفار والابتهال.

وقد بيّن رسول الله ﷺ أن التهجد من أفضل القربات، وداوم عليه حتى تورمت قدماه. وقد رُوي عنه أنه قال:

“أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” (رواه مسلم).

والمتهجدون هم أهل القرب من الله، وأصحاب المنزلة الرفيعة يوم القيامة، كما قال تعالى:

“وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا” [الإسراء: 79]

فصلاة التهجد من أسباب نيل المقام المحمود.

كيفية أداء صلاة التهجد

صلاة التهجد لا تختلف في هيئتها عن باقي الصلوات النفل من حيث عدد الركعات أو كيفية الأداء، ولكنها تؤدى في جوف الليل بعد النوم. ويمكن أداؤها ركعتين ركعتين كما كان يفعل النبي ﷺ.

من السنة أن يختم المسلم صلاة التهجد بركعة واحدة يوتر بها، كما ثبت عن النبي ﷺ. وقد كان يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا العدد مستحب لكنه غير واجب، فلو صلى أقل أو أكثر فلا حرج.

ويمكن للمسلم أن يقرأ في التهجد بما يتيسر له من القرآن الكريم، ولا يشترط طول القراءة إلا لمن استطاع وكان ذلك لا يشق عليه. كما يسن الإطالة في السجود والدعاء.

آداب صلاة التهجد

لصلاة التهجد آداب عديدة ينبغي للمسلم مراعاتها، من أبرزها:

1. النية الصالحة: ينبغي أن تكون النية خالصة لوجه الله تعالى دون رياء أو سمعة.

2. الاستعداد للنهوض: من السنة أن يعزم المسلم على القيام لصلاة التهجد قبل أن ينام، وأن يتخذ الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، كالنوم مبكرًا وضبط المنبه.

3. الافتتاح بالسواك: فقد كان النبي ﷺ إذا قام من الليل استاك ليطهر فمه من آثار النوم.

4. الدعاء عند الاستيقاظ: من السنة أن يقول المسلم عند الاستيقاظ دعاء القيام من النوم، مثل: “الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.”

5. الخشوع في الصلاة: ينبغي أن يكون القلب حاضرًا، والجوارح ساكنة، مع التذلل والخضوع لله تعالى.

6. الإطالة في القيام والسجود: لما في ذلك من فضل عظيم وأثر كبير على القلب والنفس.

7. الدعاء في السجود: فالسجود من أعظم مواطن استجابة الدعاء.

8. الاستغفار في وقت السحر: لما له من أثر كبير في مغفرة الذنوب ورفع الدرجات.

التهجد عادة الصالحين

إن المحافظة على صلاة التهجد كانت صفة بارزة في حياة النبي ﷺ وصحابته الكرام والتابعين من بعدهم. فقد كان التهجد دأبهم وسبيلهم لنيل رضا الله تعالى ورفعة منزلتهم في الدنيا والآخرة.

كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يترك التهجد أبدًا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل بيته لصلاة الليل ويقول لهم: “الصلاة، الصلاة”، ويتلو قول الله تعالى: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا” [طه: 132].

وكان السلف الصالح يرون في قيام الليل لذة لا تعادلها لذة، وكانوا يقولون: “أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.”

كما نقل عن الإمام الحسن البصري قوله: “ما نعلم شيئًا أشد على النفس من قيام الليل.”

الجدول التفصيلي لأوقات صلاة التهجد بناءً على تقسيم الليل

خلاصة

صلاة التهجد عبادة عظيمة ووسيلة من وسائل القرب إلى الله تعالى، ولها وقت محدد يبدأ بعد صلاة العشاء ويمتد حتى طلوع الفجر، إلا أن أفضل أوقاتها هو الثلث الأخير من الليل، وهو الوقت الذي يتنزل فيه الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فيكون العبد فيه أقرب إلى ربه وأرجى في استجابة الدعاء ومغفرة الذنوب. التهجد ليس مجرد صلاة بل هو طريق لصفاء القلب وحياة الروح، وعادة الصالحين الذين وجدوا في قيام الليل أنسهم ولذتهم ومناجاتهم لخالقهم.

المراجع

• صحيح البخاري، حديث رقم: 1145

• صحيح مسلم، حديث رقم: 758