وصف الجنة في الإسلام
الجنة هي دار النعيم الأبدي التي وعد الله بها عباده المتقين، وهي الغاية الكبرى التي يسعى إليها المؤمنون، والمستقر الذي تهفو إليه الأرواح المؤمنة بعد عناء الدنيا وابتلاءاتها. وقد ورد في الكتاب والسنة من الأوصاف والتفصيلات عن الجنة ما يشوق النفوس ويملأ القلوب رجاءً، ويبعث في الأرواح الطمأنينة والاستبشار، فتتطلع لها الأرواح الطيبة وتسعى لها سعياً حثيثاً بالتقوى والعمل الصالح.
الجنة في القرآن الكريم والسنة النبوية
ذكرت الجنة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقد ورد لفظ “الجنة” ومشتقاتها ما يزيد عن مائة وخمسين مرة، وهذا دليل على عظيم مكانتها في العقيدة الإسلامية. وقد بين الله فيها صفات الجنة، ونعيمها، وأوصاف أهلها، وما أعد لهم من كرامات لا تخطر على قلب بشر.
يقول الله تعالى في سورة السجدة:
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة:
“أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” [رواه البخاري ومسلم].
أبواب الجنة وعددها
للجنة أبواب متعددة، وهي ثمانية أبواب، كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان” [رواه البخاري ومسلم].
كل باب من هذه الأبواب يمثل طريقاً من طرق الطاعة التي يسلكها المؤمن في حياته، فيدخل من خلالها إلى الجنة، والباب مخصص لأهل العمل المميز الذي اتصفوا به في الدنيا.
درجات الجنة
للجنة درجات متفاوتة، وأعلاها الفردوس الأعلى، وهو أوسط الجنة وأعلاها، وسقفه عرش الرحمن، منه تنبع أنهار الجنة، ومنه تتشعب أنهار اللبن والعسل والخمر والماء، كما جاء في الحديث النبوي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة” [رواه البخاري].
الدرجات في الجنة تتفاوت بحسب الأعمال الصالحة، قال الله تعالى:
{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران: 163].
أنهار الجنة وعيونها
من أعظم نعم الجنة أنهارها الجارية، التي وصفها الله في أكثر من موضع من كتابه. وقد بين سبحانه أن فيها أنهاراً من ماء غير آسن، وأنهاراً من لبن لم يتغير طعمه، وأنهاراً من خمر لذة للشاربين، وأنهاراً من عسل مصفى، كما في قوله تعالى:
{فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} [محمد: 15].
إلى جانب الأنهار، هناك عيون تتفجر من الفردوس، مثل عين تسنيم التي يشرب منها المقربون، وعين سلسبيل، وكافور، وغيرها مما ورد في القرآن.
طعام وشراب أهل الجنة
في الجنة لا يشتهي الإنسان شيئاً إلا وجده أمامه، وطعام أهلها وشرابهم لا مثيل له، قال الله تعالى:
{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25].
ويقول جل وعلا:
{وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 20-21].
كما يشرب أهل الجنة من أنهارها وعيونها، ومن الخمر الذي لا يصدع ولا يذهب العقل، ومن اللبن والعسل، وكل ذلك في أوانٍ من ذهب وفضة.
مساكن أهل الجنة
مساكن الجنة غاية في الجمال والرفعة، مبنية من لبنات من ذهب وفضة، وأسست جدرانها بالمسك والزعفران، وقاعها من اللؤلؤ والياقوت، وفيها السرر المصنوعة والمرفوعة، والفرش المبثوثة، والزرابي المبثوثة، وكل ما يتمناه الإنسان من سكن كريم وراحة لا يعقبها تعب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها” [رواه البخاري ومسلم].
لباس وسوق الجنة
لباس أهل الجنة من سندس وإستبرق، وهي من الحرير الطبيعي الخالص، وحليهم من الذهب والفضة، كما ورد في قوله تعالى:
{يُلَبَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31].
وفي الجنة سوق، يأتونها كل جمعة، فيها من مظاهر الجمال والعطاء ما يجعلهم يزدادون بهاءً كلما عادوا منها، كما جاء في الأحاديث النبوية الصحيحة.
نساء الجنة والحور العين
الحور العين هن نساء الجنة اللاتي خلقهن الله على قدر عظيم من الجمال والبهاء، جعلهن أزواجاً لعباده الصالحين، قال تعالى:
{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56].
أما نساء الدنيا المؤمنات، فإنهن يكنّ أفضل من الحور العين، لأنهن عبدن الله وصبرن في الدنيا، فيكون لهن من الجمال والمكانة ما لا يُقارن.
نعيم النظر إلى وجه الله
أعظم نعيم في الجنة، وأشرفه، هو رؤية وجه الله الكريم، الذي إليه يتوق المؤمنون، وقد وعدهم الله بذلك في قوله:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23].
وفي الحديث الشريف:
“إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله: هل تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه ربهم” [رواه مسلم].
صفات أهل الجنة
أهل الجنة هم الذين آمنوا بالله ورسله، واتبعوا سبيل الصلاح والتقوى، وقد وردت صفاتهم في مواضع كثيرة، ومن أبرزها ما جاء في قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف: 107].
هم الذين خافوا مقام ربهم، وخشعوا له، وأخلصوا النية، وتنافسوا في الخير، وصبروا على البلاء، وحافظوا على الصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات.
خلود بلا موت
من أعظم ما يميز نعيم الجنة، أنه دائم لا ينقطع، ولا يعتريه نقص أو فناء، فقد قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} [لقمان: 8-9].
في الجنة لا توجد الأمراض، ولا الهرم، ولا الموت، ولا النصب ولا اللغوب، ولا البكاء ولا الحزن، ولا الحسد ولا الكراهية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ينادي منادٍ: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً” [رواه مسلم].
جدول تفصيلي لبعض أوجه نعيم الجنة
| نوع النعيم | الوصف الشرعي |
|---|---|
| الأنهار | ماء، لبن، خمر، عسل مصفى |
| المساكن | لبنات من ذهب وفضة، قصور عالية وغرف شفافة |
| الطعام والشراب | لحم طير، فواكه مما يشتهون، خمر لا يصدع، ماء لا يأسن، لبن لا يتغير طعمه |
| الحور العين | نساء مطهرات منزهات عن العيوب، في غاية الجمال |
| الثياب والزينة | حرير ناعم، أساور من ذهب وفضة، عطر فواح لا يزول |
| الراحة النفسية | لا حقد، لا حسد، لا تعب، لا هم، لا نصب، لا موت |
| أعلى النعيم | رؤية وجه الله الكريم |
خاتمة
الجنة دار الكرامة التي أعدها الله لمن آمن به واتقاه، فكل ما ذكر في وصف الجنة لا يساوي شيئاً أمام حقيقتها، لأنها فوق كل وصف وتصور، والله تعالى أخفى عن عباده من النعيم ما يفوق كل تصور. جعلنا الله وإياكم من أهلها، ووفقنا للسعي لها بكل عمل صالح وقول طيب، فهي أعظم ما يناله المؤمن في حياته الآخرة.
المراجع:
-
القرآن الكريم
-
“رياض الصالحين” – الإمام النووي
