وجدة: جوهرة المغرب الشرقيّة التي تستحقّ الاكتشاف

تتربّع مدينة وجدة في أقصى شرق المملكة المغربيّة على مقربةٍ من الحدود الجزائريّة، وتشكّل واحدةً من المدن العريقة التي تحمل في ثناياها إرثاً ثقافيّاً وتاريخيّاً فريداً. ورغم أنها أقل شهرةً من مدنٍ كالدار البيضاء ومراكش وفاس، فإنّ وجدة تمثل بكلّ ما تحمله من سحرٍ معماريّ وثقافيّ وتنوّعٍ بشريّ وجهةً ساحرة للمسافرين الراغبين في استكشاف أبعادٍ جديدة من التجربة المغربيّة. يعكس موقعها الجغرافيّ تلاقي الثقافات والحضارات عبر القرون، ما يجعلها بوتقةً تنصهر فيها التأثيرات البربريّة والعربيّة والأندلسيّة والأوروبيّة. وفي ظلّ توافد السياح غالباً على الوجهات المغربية الأكثر شهرة، تبقى وجدة “الجوهرة المخفيّة” التي تتيح للزائر فرصة الانغماس في أجواء تاريخيّة عتيقة وفي الوقت ذاته الاستفادة من بنيتها التحتيّة العصريّة وخدماتها الحديثة.

يأتي هذا المقال الشامل ليأخذ القارئ في رحلةٍ ممتدة تتجاوز حدود الاستعراض السريع، إذ يغطّي بالتفصيل نشأة وجدة التاريخيّة، وتطوّرها عبر العصور، وأبرز المعالم السياحية والتراثية فيها، ونمط الحياة الاجتماعيّ والثقافيّ الذي يميّزها، فضلاً عن تقديم نصائح مهمّة للسفر إليها والاستمتاع بمطبخها الشهيّ وأسواقها الفريدة. وعلى امتداد فقرات هذا المقال الطويل، سيجد القارئ مادةً غنيّة بالمعلومات الممتعة، مدعومةً بالتواريخ والمعطيات والدلائل، لتكون مرجعاً موسّعاً يلبّي الرغبة في معرفة كلّ جوانب هذه المدينة المدهشة. وفي نهاية المقال، ستجد جدولاً يساعد في تلخيص بعض المعلومات الإضافية المفيدة، إلى جانب قائمة المراجع التي يمكن الرجوع إليها لمزيدٍ من البحث.

---

الجذور التاريخيّة: لمحة موسّعة عن نشأة وتطوّر وجدة

تعود بدايات مدينة وجدة إلى عهدٍ موغلٍ في القدم، حيث تشير المصادر التاريخيّة إلى أن زيري بن عطية، أحد زعماء قبيلة زناتة البربريّة، هو الذي وضع الأساس الأوّل لها في القرن العاشر الميلاديّ. وتحمل هذه الفترة المبكّرة من تاريخ المدينة دلالات قويّة على أهميّة الموقع الجغرافيّ من حيث اتصاله بالمناطق المجاورة في المغرب والجزائر، إذ ساهمت التجارة والقبائل المتنقّلة في تشكيل نواة المدينة وزيادة تأثيرها.

مرّت وجدة بسلسلةٍ من المحطات التاريخيّة تحت حكم عدّة دول وسلالات إسلاميّة تركت بصماتها المميّزة على الطابع المعماريّ والاجتماعيّ. ومن بين هذه السلالات:

• المرابطون (1040–1147 م): عُرف المرابطون بالصرامة الدينيّة والحزم في توحيد المغرب الأقصى ونشر الاستقرار. ورغم أنّ الوثائق التي تؤرّخ مباشرةً لفترة حكمهم على وجدة محدودة، فإنّ تأثيرهم يمكن تتبّعه في بنية التحصينات والمساجد.
• الموحدون (1147–1269 م): قدّموا لحظاتٍ حاسمة في تاريخ المغرب عمومًا؛ إذ تميّزوا بالتركيز على البنية التحتيّة وبناء المساجد والمؤسسات الدينيّة، ما دعم ازدهار النشاط العلميّ والثقافيّ. تركوا أثرًا معماريّاً ونمطاً إداريّاً ساعد في تشكيل هويّة وجدة الإسلامية.
• المرينيون (1269–1465 م): اشتهروا بعنايتهم الفائقة بالتعليم وبناء المدارس العريقة، لا سيما في مدنٍ كمراكش وفاس؛ ووصل تأثيرهم إلى وجدة من حيث تطوّر الحركة العلميّة والدينيّة. وبرزت في هذه الفترة مراكز علميّة ومساجد جديدة.

ومع انحسار الدولة المرينية وظهور سلالاتٍ أخرى، شهدت وجدة تحوّلات سياسيّة ساهمت في رسم صورتها العمرانيّة. وفي مرحلةٍ لاحقة، بدءاً من القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، لعبت وجدة دورًا عسكريّاً استراتيجيّاً بحكم قربها الشديد من الحدود الشرقيّة مع الجزائر. هذا الموقع الاستراتيجيّ جعلها في عين الأحداث خلال مرحلة الحماية الفرنسيّة، حيث احتل الفرنسيون المدينة لفترةٍ وجيزة في بدايات القرن العشرين، قبل أن تعود لتصبح جزءاً من المغرب المستقلّ في عام 1956.

اليوم، تقف وجدة كمدينةٍ مُزدهرة تجمع بين البنية التحتيّة المعاصرة والتراث التاريخيّ العريق. ويمكن للزائر أن يلمس تداخل الماضي والحاضر في شوارعها، وفي عمارتها القديمة التي تتعانق مع المباني الحديثة، وفي أسواقها التقليديّة التي تظلّ نابضة بالحياة جنباً إلى جنب مع المجمّعات التجاريّة العصريّة.

---

ملامح جغرافيّة ومناخيّة: موقع استراتيجيّ ومناخ متوسّطيّ

تقع وجدة في منطقةٍ ذات تضاريس متنوّعة، حيث تمتدّ ما بين الهضاب الداخليّة والمناطق الصحراويّة الشماليّة الشرقيّة، وتحظى بميزةٍ جغرافيّة تتمثّل في مجاورتها للحدود الجزائريّة من جهة الشرق. تؤثّر هذه الجغرافيا الخاصّة بشكلٍ كبير على المناخ المحيط بالمدينة، إذ تتأثر وجدة بنظامٍ مناخيّ يراوح بين المتوسّطيّ وشبه القاريّ، فيكون الصيف حارّاً وجافّاً عموماً، بينما يكون الشتاء معتدلاً مع هطولٍ مطريّ محدود.

يمتاز الربيع (من أبريل إلى يونيو) والخريف (من سبتمبر إلى نوفمبر) بدرجات حرارةٍ معتدلة ومريحة للتجوال واستكشاف المعالم السياحيّة. أما الصيف فيجلب حرارةً قد تصل إلى مستوياتٍ عالية، ما يجعل المشي في ساعات الظهيرة أمراً مرهقاً إلى حدّ ما، إلا أنّ هذه الفترة تشهد أيضاً مهرجانات موسيقيّة وثقافيّة جذّابة. في المقابل، يتميّز الشتاء بأجواءٍ باردة في بعض الأحيان خصوصاً في الليل، مع احتمال سقوط أمطار متفرّقة.

يُلاحَظ في السنوات الأخيرة نوعٌ من التذبذب المناخيّ نتيجة التغيّرات المناخيّة العالميّة، ما يجعل التوقّعات بحاجةٍ إلى بعض الحذر. ومع ذلك، يبقى الربيع والخريف أفضل الفصول لزيارة وجدة والاستمتاع بطقسٍ منعشٍ يساعد على التنقّل واكتشاف المدينة بأريحيّة.

---

المدينة العتيقة: القلب التاريخيّ لوجدة

تشكل المدينة العتيقة (أو ما يُعرف بالمدينة القديمة) في وجدة نقطة الانطلاق الأكثر تعبيراً عن هوية المدينة وتاريخها. يمكن القول إنّها تمثّل خلاصة قرونٍ من التأثيرات الحضاريّة المتعاقبة التي انطبعت في تصميمها العمرانيّ وأسلوب بنائها. تزدان أسوار المدينة القديمة بالأبواب التاريخيّة التي تقف شاهدةً على الزمن، وأشهرها باب سيدي عبد الوهاب، الذي يُعدّ رمزاً حقيقيّاً لوجدة بفضل عمارته اللافتة ونقوشه التي تعود لحقبٍ قديمة.

عند دخول المدينة القديمة، تنغمس الحواس في أجواءٍ تتداخل فيها الروائح الزكيّة للتوابل والأعشاب والأطعمة المحليّة، مع الأصوات المنبعثة من الحرفيّين وهم يمارسون أعمالهم التقليدية في الدكاكين الصغيرة. تتفرّع الأزقّة الضيّقة لتقود إلى الساحات والأسواق (السويقات) المخصصة لبيع مختلف البضائع، مثل الأقمشة والمنسوجات والمصنوعات الجلديّة والنحاسيّة وغيرها. وفي وسط هذه الأجواء التاريخيّة، يبرز مسجد وجدة الأعظم الذي يعود إلى القرن الثالث عشر الميلاديّ، والذي خضع لعدّة تجديدات على مرّ العصور، ما حافظ على رونقه المعماريّ الأصلي وأدخل عليه تحسيناتٍ تتوافق مع ضرورات الزمن.

تشتهر المدينة القديمة أيضاً بوجود قصر دار السبتي، وهو قصرٌ عتيق خضع لأعمال ترميمٍ واسعة في العقود الأخيرة، وتحول إلى فضاءٍ ثقافيّ ومتحفٍ مخصّص لعرض تاريخ وجدة وموروثها الفنيّ والتاريخيّ. هنا تتعانق العمارة المغربية التقليديّة مع العناصر الزخرفيّة البديعة التي تزيّن الأسقف والجدران، بينما تُعرض في أروقة القصر قطع أثريّة وفنون تراثيّة تحكي قصص المدينة.

بالإضافة إلى الأماكن التاريخيّة، يجد الزائر في المدينة القديمة أسواقاً تبيع الفواكه والخضروات واللحوم الطازجة، ومتاجر للعطارة تضمّ توليفةً مذهلة من الأعشاب والتوابل والخلطات الشعبيّة. يُعدّ التجوّل في هذه الأزقّة تجربةً لا تُنسى، تمزج بين التفاعل مع الباعة المحليّين وتجربة أذواقٍ تقليديّة مميّزة وتلبية الفضول تجاه الماضي العريق للمدينة.

---

ضريح سيدي يحيى: معلم روحيّ ومكان للتأمّل

إلى الشمال الغربيّ من المدينة القديمة، يقع ضريح سيدي يحيى الذي يُعَدّ من أبرز المعالم الدينية في وجدة. يرتبط هذا الضريح بعالمٍ إسلاميّ محترم يُدعى سيدي يحيى يُقال إنّه كرس حياته للعلم والزهد، وتحظى شخصيّته بمكانةٍ رفيعة في الثقافة الشعبيّة والدينيّة لدى أهل المنطقة. يتكوّن المجمّع من مسجدٍ صغير ومبانٍ ملحقة، إضافة إلى حدائق خضراء تمنح الزائر فسحةً للتأمّل والراحة.

يُعتقد لدى الكثيرين في المنطقة أنّ زيارة الضريح تساهم في جلب البركة والشفاء والتقرّب من الله، لذا يقصده بعض الناس خلال المواسم والأعياد والمناسبات الدينيّة. وعلى الرغم من بساطة المكان، فإنّ المكانة الروحيّة التي يحظى بها والسكينة التي تبعثها حديقته تجعله وجهة هادئة للتأمّل واكتشاف جوانبٍ أخرى من العادات والتقاليد الدينيّة المغربيّة.

---

متنفس طبيعيّ: حديقة أنجاد وفضاءات الترفيه

تقع حديقة أنجاد خارج مركز المدينة نسبياً، وتمثّل أحد أهم الفضاءات الخضراء المتاحة لسكان وجدة وزوّارها. توفّر هذه الحديقة بفضل مساحتها الرحبة خيارات ترفيهيّة متعدّدة، مثل مسارات المشي والركض وأماكن للنزهات العائلية وملاعب للأطفال. يزينها تنوّعٌ نباتيّ من أشجار ونباتات محليّة وأجنبية، ما يجعلها متنفساً طبيعيّاً حقيقيّاً يساعد على الابتعاد عن صخب المدينة لبعض الوقت.

بالإضافة إلى ذلك، تضمّ الحديقة حديقة حيوانات صغيرة وبعض البحيرات الاصطناعية التي تسكنها طيور مائيّة جميلة. تُضفي هذه العناصر طابعاً هادئاً على المكان، وتحفّز الأسر والأطفال على استكشاف البيئة الطبيعية من حولهم. كما تُستخدم بعض المساحات فيها لإقامة فعاليات ثقافيّة وترفيهيّة في بعض المناسبات، فتضجّ الحديقة بالموسيقى والرقصات الشعبيّة والأنشطة الفنيّة في أجواءٍ عائليّة مبهجة.

---

اكتشاف الطبيعة في ضواحي وجدة: شلالات بوعروس ملاذ هادئ

على مسافةٍ ليست بالبعيدة عن مركز المدينة، تقع شلالات بوعروس في منطقةٍ ريفيّة خلّابة تستقطب عشّاق الطبيعة والهواء الطلق. تشكّل مياه الشلالات المتدفّقة منظراً بديعاً، خاصةً في فصلي الربيع والخريف حيث تكون تدفّقات المياه أكثر غزارةً. تحيط بالشلالات مساحات خضراء وبرك طبيعيّة صغيرة تتجمّع فيها المياه لتشكّل بركاً صالحة للسباحة في بعض الأحيان.

تعتبر هذه المنطقة خياراً مثالياً للابتعاد عن ضجيج المدينة والاستمتاع بنزهةٍ هادئة أو لرحلات المشي في الجبال المحيطة. كما يمكن للزوّار التخييم في الأماكن المناسبة، حيث تتاح فرصة التأمّل في السماء الصافية ليلاً واختبار جمال الطبيعة البِكر. يُفضّل زيارة شلالات بوعروس في مواسم هطول الأمطار لتكون المشاهد المائية في أوج رونقها.

---

نبض الثقافة والفنون: مهرجانات وجدة ومناسباتها المميّزة

تمتلك وجدة مشهداً ثقافيّاً غنيّاً يتجلّى في تعدّد المهرجانات والأحداث التي تستضيفها المدينة على مدار العام. هذه المهرجانات لا تجذب السكّان المحليّين فحسب، بل أيضاً الزوّار من أنحاء المغرب وخارجه، إذ تمنحهم فرصة الانغماس في أجواء تراثيّة وعصريّة متداخلة. من بين أبرز هذه التظاهرات:

مهرجان وجدة الدولي للموسيقى

ينطلق هذا المهرجان في شهر يونيو عادةً، ويجمع فرقاً وفنانين من المغرب والعالم في عروضٍ موسيقيّة حافلة. يمزج المهرجان بين الموسيقى العربيّة التقليدية والموسيقى العالميّة المعاصرة، ما يتيح للزائر رحلةً فنيّة متعددة الألوان. ويترافق الحدث مع عروضٍ تراثية وأمسيات شعريّة ومعارض فنيّة، ليشكّل احتفاليةً متكاملة تستمرّ لعدّة أيام.

مهرجان الفانتازيا

ترتبط كلمة “فانتازيا” باللوحات الفروسيّة التقليديّة المعروفة في المغرب، والتي يقوم فيها فرسانٌ متمرّسون باستعراض مهاراتهم عبر سباقاتٍ جماعيّة ويُطلقون البارود بشكلٍ متزامن في نهاية الحلبة. يجذب هذا العرض التراثيّ الزوّار والسائحين الراغبين في التعرّف على ثقافة الفروسية المغربيّة، حيث يؤدّي الفرسان حركاتٍ منسّقة بدقّة وسط صرخات التشجيع والحماسة.

مهرجان الكسكس

يعدّ طبق الكسكس واحداً من أشهر الأطباق المغربيّة على الإطلاق، ويُحتفى به من خلال مهرجانٍ خاص في وجدة يبرز التنوّع الكبير الذي يمكن أن يتخذه هذا الطبق. يشارك في المهرجان طهاةٌ محليّون ودوليون يتفنّنون في تقديم أصناف مختلفة من الكسكس، مع ورش عملٍ للتعرّف على أسرار إعداده. يتحوّل المهرجان إلى فرصةٍ لتبادل الثقافات من خلال الطعام، إذ يتوافد الزائرون لتذوّق النكهات المختلفة والاستمتاع بالعروض الفولكلوريّة المصاحبة.

إلى جانب هذه المهرجانات، تُقام العديد من الأنشطة الثقافيّة الأخرى على امتداد السنة، مثل الأمسيات الأدبيّة والعروض المسرحيّة والحفلات الفنيّة في مراكز ثقافيّة متعددة مثل دار السبتي ومعهد الموسيقى. وتعكس هذه الفعاليّات حيوية المدينة ومدى ارتباط سكّانها بالتراث الثقافيّ والفنيّ، ما يمنح وجدة لوناً ثقافياً مُتفرّداً.

---

المشهد الفنيّ في وجدة: المعارض والمتاحف وروح الإبداع

تنعم وجدة بمشهدٍ فنيّ ينمو بشكلٍ متواصل، حيث تتوزّع في المدينة صالات عروض ومعارض فنيّة تبرز مواهب الفنانين المحلّيين والشباب الصاعدين، إلى جانب الاحتفاء بالفنون التراثيّة. في قصر دار السبتي مثلاً، يجد المهتمون فرصة للتعرّف على تحفٍ تاريخيّة ولوحاتٍ معاصرة تعكس هموم المجتمع المحليّ ومخزونه الثقافيّ. كما تقدّم قاعة الفنون في وجدة معارض دوريّة تضمّ لوحاتٍ زيتيّة ورسومات ومنحوتات وصور فوتوغرافيّة تعبّر عن رؤى فنيّة مختلفة.

لا يمكن إغفال دور الجمعيّات الثقافيّة والفنيّة التي تنشط في وجدة، إذ تساهم في تنظيم ندوات ولقاءاتٍ دوريّة بين الفنانين والمثقفين، وتعمل على دعم الإبداع الشبابيّ عبر إقامة ورشاتٍ تدريبيّة ومسابقات فنيّة. وتنتقل هذه الفعاليات أحياناً إلى الشارع العام، حيث تُقام جداريّات فنيّة ولوحات تحوّل الجدران إلى مساحاتٍ تعبيريّة، ملوّنة الشوارع ومُحييةً الفنّ في الأجواء العامة.

---

التقاليد والحرف اليدويّة: أصالة المدينة وروحها التراثيّة

تشتهر وجدة بمجموعة من الحرف التقليديّة التي ترسّخت على مدى قرون من الزمن، والتي تعبّر عن هويّة المدينة وروحها المبدعة. وعلى رأس تلك الحرف تأتي صناعة الفخار، حيث يتم تشكيل الأواني والأباريق والصحون يدوياً باستخدام تقنيات التدوير والنحت، ثم تُزيّن بزخارف هندسيّة أو نباتيّة قبل أن تمرّ بمراحل الحرق والتلميع. وتُعدّ هذه المصنوعات الفخاريّة واحدةً من أعرق الهدايا التذكاريّة التي يمكن للزوّار اقتناؤها.

من الحرف الأخرى المميزة في وجدة صناعة النسيج، وخاصةً السجاد المعروف بجودته العالية وتصميماته الزاهية. تُنتج هذه السجّاد بأيدي حرفيّين مهرة، يعملون لساعاتٍ طويلة على الأنوال الخشبيّة لصنع قطعٍ فنيّة تحمل رموزاً بربريّة وعربيّة بألوانٍ متجانسة. ويُمكن للزوّار زيارة ورش النسيج التقليديّة للاطّلاع على عملية التصنيع عن كثب والتعرّف على الأدوات المستخدمة في هذا الفنّ العريق.

تتمتّع وجدة أيضاً بصيتٍ مميّز في صناعة الجلود والمنتجات الجلديّة، مثل الحقائب والأحذية والمحافظ والأحزمة، والتي تُحاك وتُخاط يدوياً بتفاصيل حرفيّة دقيقة. ويُمكن العثور على هذه المنتجات في الأسواق التقليديّة ومتاجر الحرف اليدويّة المنتشرة في المدينة، وهي تمثّل تذكاراً عمليّاً يعكس روح الأصالة المغربيّة.

---

التسوّق في وجدة: الأسواق الشعبيّة والمتاجر الحديثة

يُعدّ التسوّق في وجدة تجربة ثريّة ومتنوّعة، بفضل اجتماع الأسواق الشعبيّة التقليديّة مع المجمعات التجاريّة العصريّة. يستقبل سوق المدينة القديمة الزوّار وسط أجواءٍ مفعمة بالحياة، حيث تعرض المحلات والدكاكين الصغيرة تشكيلة واسعة من المنتجات المحليّة، بما في ذلك التوابل والعطور والزيوت الطبيعيّة والأقمشة والمنسوجات والحرف اليدويّة كالأواني الفخاريّة والقطع الجلديّة. كما تنبعث روائح المشاوي والخبز الطازج من بعض الأكشاك التي تقدّم الوجبات الخفيفة والمأكولات الشعبيّة.

يتميّز سوق الماء بكونه من الأسواق الشعبية المهمة في المدينة، حيث يجتمع الباعة لعرض مختلف أنواع الفواكه والخضروات الطازجة يومياً، إلى جانب الألبان واللحوم والتوابل. وتنبض هذه المنطقة بالحيوية مع أصوات المساومات بين الباعة والزبائن، وتشكل فرصة فريدة للاقتراب من حياة السكان المحليين وتذوق نكهاتٍ أصيلة. كما يتواجد سوق الحدّ الذي يُعدّ بدوره مركزاً حيويّاً لتسويق الحبوب والتمور ومنتجات المناطق الريفيّة المجاورة.

في المقابل، تشهد وجدة توفراً للمجمعات التجاريّة الحديثة التي تلبّي احتياجات الباحثين عن علاماتٍ تجارية محليّة وعالميّة، بالإضافة إلى مرافق الترفيه والمطاعم العصريّة. وتشهد هذه المجمعات إقبالاً من فئة الشباب والعائلات الراغبة في الجمع بين التسوّق والترفيه في مكانٍ واحد.

---

المطبخ الوجديّ: مزيجٌ فريد من النكهات

يُعرف المطبخ الوجديّ بكونه امتداداً للثراء الطهويّ المغربيّ مع لمساتٍ مميّزة تستمدّ جذورها من التراث البربريّ والعربيّ والأندلسيّ. يُعتبر الكسكس أحد الأطباق الرئيسية في وجبة الجمعة لدى الكثير من الأسر، ويُحضّر عادةً مع خضرواتٍ موسميّة وقطع لحم الخروف أو الدجاج ويُتبّل بمجموعةٍ خاصّة من التوابل. كما قد يُقدّم مع صلصة حارة تُسمّى “الهريسة” لمن يفضّل المذاق الحار.

لا يمكن إغفال طبق الطاجين الشهير، الذي يُطهى لساعاتٍ طويلة في قدرٍ خزفيٍّ مخروطيّ الشكل، ما يسمح بتجانس النكهات والحفاظ على عصارة المكونات. يُعدّ طاجين اللحم بالبرقوق واللوز من أشهر الأصناف، حيث يضيف البرقوق المجفّف لمسة حلاوة لذيذة إلى المذاق العام. كما يُحضّر طاجين السمك والخضار بكثرة قرب المناطق الساحليّة أو في البيوت التي تعتمد على منتجات البحر.

أما الأطباق الوجديّة الخاصة، فتبرز منها أطباق مثل البولفاف الذي يُحضّر من قطع لحم الضأن المشويّة، والرفيسة التي تتكوّن من قطع الدجاج والعدس والتوابل وتُقدّم فوق رقائق الخبز الرفيع. كما تُعرف الشخشوخة في بعض المناطق، وهي عبارة عن رقائق العجين الصغيرة المطهوة مع المرق واللحم أو الدجاج. وللحلويات نصيبٌ وافر أيضاً، أبرزها كعب الغزال المحشوّ بعجينة اللوز، والبغرير (فطائر مغربيّة مثقوبة) التي تُقدّم مع العسل والزبدة.

تتنوّع المطاعم في وجدة بين الشعبيّة التي تقدّم الأطباق المغربيّة المحليّة بأسعار معقولة، والمطاعم الفاخرة التي تدمج أصنافاً عالميّة مع المطبخ المغربيّ. بين هذه وتلك، يجد الزائر خياراتٍ ترضي مختلف الأذواق والميزانيّات. من أشهر المطاعم التي تقدّم تجربة مغربيّة أصيلة مطعم Chez Ali المعروف بالطواجن اللذيذة والكسكس التقليدي، بينما يلجأ البعض إلى مطاعم مثل Le Gourmet Burger للوجبات العصريّة.

---

جدول يوضّح بعض الأطباق الشعبيّة في مطبخ وجدة ومكوّناتها الأساسيّة

اسم الطبق	المكوّنات الأساسيّة	طبيعة الطهي
الكسكس	سميد القمح، لحم (ضأن/دجاج)، خضروات موسميّة، توابل (راس الحانوت)، حمص	يُطهى على البخار ويُقدّم في صحن كبير
الطاجين	لحم (ضأن/دجاج/سمك)، خضروات، بهارات مغربيّة، زيت زيتون، فواكه مجففة أحياناً	يُطهى ببطء في آنية خزفيّة (الطاجين)
البولفاف	شرائح لحم الضأن، كبد الضأن، تتبيلة بهارات وملح	مشويّ على الفحم أو الشواية
الرفيسة	دجاج بلدي، عدس، بهارات، رقائق خبز رقيقة (السمن)، بصل	تُطهى مع المرق وتُقدّم فوق الخبز المفتوت
الشخشوخة	رقائق العجين، لحم أو دجاج، صلصة طماطم، بهارات	تُقطّع العجينة وتُطبخ مع المرق واللحم

---

أفضل أوقات الزيارة: متى يُنصَح بالقدوم إلى وجدة؟

بالنظر إلى طبيعة المناخ المتوسّطيّ–شبه القاريّ في وجدة، تُعتبر فصول الربيع (أبريل–يونيو) والخريف (سبتمبر–نوفمبر) الأنسب للتجوّل والاستمتاع بالمعالم السياحيّة. تتميّز هذه الأوقات باعتدال درجات الحرارة ونشاط أكبر في الأوساط الثقافية. وعادةً ما تُقام مهرجانات ربيعيّة وخريفيّة متنوّعة تجذب الزوّار والسكان المحليّين معاً.

خلال الصيف (يونيو–أغسطس)، قد تشهد وجدة ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، ما يجعل التنقّل في ساعات الذروة أمراً متعباً. إلا أنّ هذه الفترة تتزامن أيضاً مع إقامة مهرجان وجدة الدوليّ للموسيقى، لذا قد يجد هواة الموسيقى والمهرجانات هذا التوقيت مثالياً، خاصةً مع الأجواء الليليّة اللطيفة.

أما في الشتاء (ديسمبر–فبراير)، فتنخفض درجات الحرارة ليلاً مع احتمالية هطول أمطار خفيفة، ما قد لا يكون مثاليّاً لمن يرغب بقضاء أغلب وقته في التنقّل واستكشاف الأماكن الخارجيّة. لكن هذه الفترة قد تشهد انخفاضاً في عدد السياح، ما يمنح فرصة للبحث عن إقامة بأسعار أفضل والتمتّع بهدوء نسبيّ في المدينة.

---

الإقامة في وجدة: خيارات متنوّعة تلائم الجميع

تقدّم وجدة باقة واسعة من أماكن الإقامة التي تناسب مختلف الميزانيّات والأذواق، بدءاً من الفنادق الفاخرة المجهّزة بكلّ وسائل الراحة العصريّة، وصولاً إلى النزل وبيوت الضيافة ذات الطابع البسيط.

الفنادق الراقية

• فندق أطلس أورينت (Atlas Orient): يوفّر غرفاً واسعة وديكوراً راقياً، بالإضافة إلى مسبحٍ خارجيّ ومنتجع صحّي (سبا) يُقدّم جلسات تدليك وعلاجات للاسترخاء. يقع في موقعٍ مركزيّ يسهّل الوصول إلى المدينة القديمة.
• فندق إيبيس وجدة (Ibis Oujda): ينتمي لسلسلة فنادق مشهورة عالميّاً، ويتميّز بطابعٍ عمليّ وأسعارٍ مقبولة مقارنةً بالخدمات والموقع. مناسب للمسافرين الذين يفضّلون الراحة دون التخلّي عن الجودة.

الإقامات التراثيّة (الرياض)

• رياض وجدة (Riad Oujda): يمزج بين الطابع التقليديّ واللمسات العصريّة. يحتوي على فناء داخليّ مزيّن بالنباتات، وغرفٍ تحمل ملامح العمارة المغربيّة. يمنح زوّاره تجربةً دافئة ومميّزة، مع خدماتٍ شخصيّة تلبّي الاحتياجات الفرديّة.

النزل وبيوت الضيافة الاقتصاديّة

• دار الضيافة وجدة (Guest House Oujda): يوفّر غرفاً نظيفة ومريحة بديكورٍ بسيط، ويتميّز بأسعارٍ مناسبة للمسافرين ذوي الميزانيّة المحدودة. يقع في حيٍّ قريب من معظم المرافق الأساسيّة، ما يجعل التنقّل سهلاً.

عند اختيار مكان الإقامة، يُنصح بمراعاة الموقع ومدى القرب من المعالم السياحيّة، بالإضافة إلى الخدمات المتاحة ووسائل النقل. بعض الزوّار يفضّلون البقاء في قلب المدينة القديمة للتعرّف أكثر على الحياة المحليّة، بينما يجد آخرون أن المناطق الحديثة توفر هدوءاً أكبر وخدماتٍ راقية.

---

نصائح عمليّة قبل السفر إلى وجدة

قبل التوجّه إلى وجدة، يجدر بالمسافر الاطّلاع على بعض النصائح والإرشادات لتجنّب أيّ مفاجآت غير سارّة وضمان تجربة سفر مريحة:

• متطلّبات التأشيرة: تسمح المغرب لمعظم الجنسيّات بدخول البلاد لمدّة تصل إلى 90 يوماً دون تأشيرة مسبقة، لكن يُفضّل التأكّد من متطلّبات بلدك قبل المغادرة.
• العملة: العملة الرسميّة في المغرب هي الدرهم المغربيّ (MAD). يمكن استبدال العملات الأجنبيّة في مكاتب الصرافة أو السحب مباشرةً من أجهزة الصرّاف الآلي. يُنصَح بالاحتفاظ ببعض النقود الورقيّة لتسديد المدفوعات في الأسواق والأكشاك.
• اللغة: اللغة العربيّة هي اللغة الرسميّة إلى جانب الأمازيغيّة. تنتشر الفرنسيّة على نطاقٍ واسع في المرافق السياحيّة والإداريّة، فيما تتزايد نسبة المتحدّثين بالإنجليزيّة، وخاصةً بين الشباب.
• اللباس: على الرغم من عدم وجود قيود صارمة على اللباس، إلا أنّ وجدة مدينة محافظة نسبيّاً، لذا يُستحسن ارتداء ملابس محتشمة خصوصاً في الأماكن العامة والأسواق والمساجد.
• الأمان: تُعتبر وجدة مدينة آمنة إلى حدّ كبير، إلا أنه يُنصح باتباع الاحتياطات الاعتياديّة مثل تجنّب حمل مبالغ كبيرة من المال دفعة واحدة، والحفاظ على المقتنيات الثمينة في مكان آمن.
• التنقّل: تتوفّر حافلات عامّة وسيارات أجرة للتنقّل داخل المدينة. تعدّ سيارات الأجرة الكبيرة وسيلة اقتصاديّة للسفر لمسافات أطول، بينما تتناسب سيارات الأجرة الصغيرة مع التنقّل ضمن وسط المدينة.

---

كيفيّة الوصول إلى وجدة: خيارات النقل المتاحة

تتمتّع وجدة بشبكة نقلٍ متكاملة تتيح الوصول إليها بسهولة عبر الجوّ والبرّ والبحر:

الوصول جواً

يخدم مطار وجدة أنجاد المنطقة برحلاتٍ منتظمة إلى مدن أوروبيّة مثل باريس وبروكسل ومدريد. يُمكن للزوّار الانتقال من المطار إلى مركز المدينة بواسطة سيارات الأجرة أو الحافلات المكوكيّة. يستغرق المشوار نحو 20–30 دقيقة تقريباً، حسب حركة المرور.

الوصول براً

ترتبط وجدة بشبكة طرقٍ سريعة تربطها بباقي مدن المغرب. تتوفّر حافلات منتظمة من وإلى مدن مثل الدار البيضاء وفاس ومراكش. كما تتيح شبكة السكك الحديديّة قطاراتٍ تؤمّن رحلاتٍ منتظمة إلى الرباط وطنجة وغيرها من المراكز الحضريّة. تُعدّ محطة الحافلات المركزيّة (قرب المدينة القديمة) والمحطّة السككيّة (على بعد بضعة كيلومترات من المركز) نقطتي الوصول الرئيسيتين للمدينة.

الوصول بحراً

بالنسبة للمسافرين القادمين من أوروبا، يُمكن ركوب العبّارة من ميناء ألمرية الإسباني إلى ميناء الناظور المغربيّ القريب. يبعد ميناء الناظور نحو 100 كيلومتر غرب وجدة، ويمكن الانتقال براً عبر الحافلات أو سيارات الأجرة إلى وجدة. تستغرق الرحلة نحو ساعةٍ أو أكثر بحسب ظروف الطقس وحركة المرور.

---

الأنشطة الرياضيّة والترفيهيّة: وجه آخر لمدينة وجدة

لا تقتصر وجدة على المعالم التاريخيّة والثقافيّة فحسب، بل تحتضن أنشطةً رياضيّة وترفيهيّة تلائم عشّاق الحركة والمغامرة:

• كرة القدم: تتمتّع المدينة بشعبيّة واسعة لهذه الرياضة، حيث تُقام مباريات ودوريّات محليّة تشارك فيها فرقٌ تابعة لأحياء المدينة. ويُعدّ الملعب البلديّ مسرحاً للمباريات والمهرجانات الكرويّة.
• المشي وركوب الدراجات: تُتيح المناطق الطبيعيّة المحيطة بوجدة، خاصةً في اتجاه الجبال أو القرى الريفيّة، مسارات خلابة لهواة المشي وركوب الدراجات الجبليّة. تتميّز هذه المسارات بهدوئها وإطلالاتها البانوراميّة، ما يجعلها خياراً مثالياً لعشّاق الطبيعة.
• السباحة والرياضات المائيّة: رغم عدم وقوع وجدة على الساحل، فإنّ بعض المنتجعات والنوادي الخاصّة في ضواحي المدينة توفّر مسابح ورياضات مائيّة محدودة. أمّا الراغبون في استكشاف الشواطئ، فيمكنهم التوجّه إلى السواحل القريبة من الناظور في غضون ساعتين تقريباً.

---

الجانب التعليميّ والأكاديميّ في وجدة

تحتضن وجدة بعض المؤسّسات التعليميّة المرموقة التي تساهم في الحياة العلميّة والثقافيّة للمنطقة. على رأسها جامعة محمد الأوّل التي تُعدّ صرحاً أكاديميّاً مهمّاً، إذ توفّر تخصّصات متنوّعة في مجالات العلوم والتقنية والأدب والعلوم الإنسانيّة والاقتصاديّة. تستقطب الجامعة طلاباً من مختلف أنحاء المغرب ومن بلدان أخرى، ما يعزّز التنوع الثقافيّ ويثري الأوساط الأكاديميّة للمدينة.

إلى جانب التعليم الجامعيّ، تنتشر في وجدة مدارس ومؤسّسات تكوينيّة خاصّة وعامّة تُعنى بالتعليم الأساسيّ والإعداديّ والثانويّ، وتمتاز بعض هذه المؤسّسات بجودة تدريسيّة عالية تساهم في تخريج كوادر شبابيّة واعية ومتكاملة. تساهم هذه النهضة التعليميّة في رفد سوق العمل المحليّ والإقليميّ بالخبرات المطلوبة، وتفتح آفاقاً أرحب لتطوير المدينة على المدى البعيد.

---

الحياة الليليّة والترفيه في وجدة

تختلف حياة الليل في وجدة عمّا قد يتوقّعه البعض في مدنٍ سياحيّة كبرى، فهي تميل إلى الهدوء نوعاً ما، إلّا في مواسم المهرجانات والمناسبات الخاصّة. ومع ذلك، تتوفّر بعض المقاهي التقليديّة التي تبقى مفتوحةً لساعاتٍ متأخّرة، حيث يمكن الاستمتاع بشرب الشاي المغربيّ بالنعناع وتدخين الشيشة في جلساتٍ هادئة مع الأصدقاء أو الأهل.

توجد أيضاً مطاعم ومقاهٍ عصريّة تُقدّم وجباتٍ خفيفة ومشروبات منوّعة، وخاصةً في المناطق الجديدة من المدينة. لا تشتهر وجدة بكثرة النوادي الليليّة أو الحانات، نظراً للطابع المحافظ للسكان، إلا أنّ بعض الفنادق الراقية قد تنظّم أمسياتٍ موسيقيّة أو حفلاتٍ خاصّة بين الحين والآخر. وفي موسم المهرجانات الدوليّة، تعجّ المدينة بالزوار ما يخلق أجواءً احتفاليّة مميّزة.

---

رحلات اليوم الواحد: استكشاف ما حول وجدة

ينبغي لمن يقصد وجدة أن يستغل موقعها الاستراتيجيّ لاكتشاف المناطق المحيطة بها في رحلاتٍ قصيرة. إلى جانب شلالات بوعروس التي سبق ذكرها، يمكن للزوّار التوجّه إلى القرى الريفيّة القريبة للتعرّف على الحياة القرويّة وضيافة الأهالي الدافئة. كما يُمكن زيارة مدنٍ مجاورة مثل الناظور والسعيدية الساحليّة للاستمتاع بشواطئ البحر الأبيض المتوسّط واستنشاق نسمات البحر المنعشة.

للراغبين في التعمّق أكثر في التجربة التاريخيّة والثقافيّة، يمكن وضع مدينة فاس ضمن المخطط، إذ تبعد قرابة 300 كيلومتر عن وجدة، وتُعدّ إحدى أعرق المدن التاريخيّة في المغرب. كما يمكن التفكير في زيارة مدينة تازة المعروفة بكهوفها الطبيعيّة وتاريخها القديم. تختزل هذه المناطق المحيطة تجارب متنوّعة تُغني الرحلة وتوسّع آفاق معرفتك بالمغرب الشرقيّ.

---

التعايش الدينيّ والاجتماعيّ في وجدة

من الملامح البارزة في وجدة التعايش السلميّ بين مختلف شرائح المجتمع، إذ تتواجد في المدينة أحياء تضمّ سكّاناً يحملون انتماءات ثقافيّة ودينيّة متنوّعة. وعلى الرغم من أنّ الإسلام يشكّل الدين الرسميّ في المغرب، إلا أنّ تاريخ المنطقة شهد مروراً لثقافات وديانات أخرى، ما أكسب أهلها قدراً كبيراً من التسامح والانفتاح.

تنعكس هذه الروح الاجتماعيّة في التجمّعات العائليّة والاحتفالات الدينيّة مثل عيد الفطر وعيد الأضحى وشهر رمضان، حيث يتشاركون الأطعمة والعادات والتقاليد في أجواءٍ وديّة. كما يشارك بعض الأهالي في المواسم المسيحيّة لدى الجاليات الأجنبيّة الموجودة بالمنطقة، ما يؤكّد قيم التآخي والتسامح التي تسري في وجدة.

---

التطوّر الاقتصاديّ والصناعيّ في وجدة

شهدت وجدة في العقود الأخيرة نهضةً اقتصاديّة تجلّت في توسّع قطاعات الصناعات التحويليّة والخدمات والتجارة. وقد ساعد الموقع الحدوديّ مع الجزائر في خلق فرصٍ تجاريّة، على الرغم من بعض القيود السياسيّة المرتبطة بالحدود. كما أسهم الاستقرار السياسيّ في جذب استثماراتٍ داخليّة وخارجيّة، وأدّى إلى توسّعٍ واضح في البنى التحتيّة مثل الطرق والمناطق الصناعيّة.

تُعدّ منطقة تكنوبول وجدة مثالاً على مساعي الحكومة المغربيّة لتعزيز الابتكار والتطوير الصناعيّ في المنطقة الشرقيّة. وتتركّز فيها شركاتٌ ناشئة ومصانع تعمل في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجدّدة والصناعات الغذائيّة. تؤمّن هذه القطاعات فرص عملٍ للشباب المحليّ، وتسهم في رفد اقتصاد المدينة وتنويع مصادر دخلها.

---

الاحتفالات الدينيّة والاجتماعيّة: صورة عن التراث الحيّ

إلى جانب المهرجانات الفنيّة والثقافيّة، تحتفل وجدة بمجموعة من الأعياد والمناسبات الدينيّة التي تكشف عن عمق ارتباط السكان بعاداتهم وتقاليدهم. خلال شهر رمضان، تتحوّل المدينة ليلاً إلى فضاءاتٍ مضيئة بالمصابيح والزينة، وتتنوّع موائد الإفطار بين البيوت والمطاعم لتقدّم أطباقاً مغربيّة تقليديّة. كما يُجسّد عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك أبرز ملامح التضامن الاجتماعيّ، حيث يتبادل الناس الزيارات والتهاني.

في المناسبات العائليّة كحفلات الزفاف والختان، تظهر العادات والتقاليد في أبهى صورها، بدءاً من الأزياء التقليديّة المتمثّلة في القفطان والجلّابة وصولاً إلى الأطباق المتنوّعة التي تقدّم في الولائم. كما يُعدّ موسم سيدي يحيى إحدى المناسبات الشعبيّة في وجدة، يتوافد خلاله السكان والزوار إلى الضريح للتبرّك والاستمتاع بالأنشطة الثقافيّة والفنيّة المرافقة.

---

التحدّيات الاجتماعيّة والتنمويّة في وجدة

رغم كل ما تنعم به وجدة من تاريخٍ عريق وفرصٍ واعدة في مجالات الاقتصاد والثقافة، تواجه المدينة أيضاً تحدياتٍ تنمويّة تحتاج إلى حلولٍ مستدامة. من أبرز هذه التحديات:

• البطالة: لا يزال السوق المحلّيّ غير قادرٍ على استيعاب خريجي الجامعات والتكوين المهنيّ بشكلٍ كامل، ما يخلق فجوةً بين العرض والطلب في سوق العمل.
• الهجرة الداخليّة: يتزايد نزوح السكّان من المناطق القرويّة نحو وجدة بحثاً عن فرصٍ أفضل، ما يشكّل ضغطاً على البنى التحتيّة والخدمات العموميّة.
• إدارة المياه والموارد البيئيّة: تقع المدينة في منطقة شبه قاحلة، وهذا يستلزم تدبيراً محكماً لموارد المياه وترشيد استخدامها في الزراعة والصناعة والحياة اليوميّة.
• التخطيط العمرانيّ: يحتاج التوسّع العمرانيّ إلى رؤيةٍ واضحة تضمن الحفاظ على المعالم التاريخيّة من جهة وتلبّي حاجات السكان المتزايدين من جهة أخرى.

تعمل السلطات المحليّة والمنظّمات غير الحكوميّة على تطوير مشاريع تستهدف خلق فرص عمل وتطوير القطاعات الجديدة مثل السياحة البيئيّة والتكنولوجيّة، كما تُجرى محاولات لتحسين البنى التحتيّة عبر إنشاء الطرق وتوسعة المرافق العموميّة.

---

وجدة والحدود الجزائريّة: علاقات تاريخيّة وتأثير متبادل

يعتبر الموقع الحدوديّ لوجدة مع الجزائر عنصراً بالغ الأهميّة في رسم هويّة المدينة وتطوّرها التاريخيّ. ففي فتراتٍ قديمة، كانت وجدة مركزاً للتبادل التجاريّ بين المغرب والجزائر، حيث انتعشت الحركة الاقتصاديّة والثقافيّة بفضل انسياب البضائع وتدفّق الأشخاص. غير أنّ فترات التوتّر السياسيّ أثّرت سلباً على هذه الحركة، ما أدّى إلى إغلاق الحدود في بعض المراحل.

على الرغم من القيود المفروضة أحياناً على حركة التنقّل، لا تزال العلاقات الاجتماعيّة والثقافيّة بين أهالي المناطق الحدوديّة متداخلة، إذ تربطهم علاقات عائلية وقبليّة، فضلاً عن تشابه كبير في العادات والتقاليد والأطباق الشعبيّة. ويأمل الكثيرون في أن يكون المستقبل أكثر انفتاحاً وتعاوناً بما يحقّق المنفعة المتبادلة للجانبين.

---

الوجديّون: هويّة سكّانيّة تشكّلت عبر القرون

شهدت وجدة على مدى تاريخها تدفّقاً بشريّاً متعدّد المصادر، ما صاغ شخصيّة سكّانها في مزيجٍ يتداخل فيه الأصل البربريّ بالعربيّ والأندلسيّ والأفريقيّ. يُعرف أهل وجدة بكرم الضيافة والترحاب بالغرباء، وهي صفةٌ متجذّرة في الثقافة المغربيّة عموماً. ويتمتّع السكّان بتنوّعٍ لغويّ ملفت، حيث تتناغم الدارجة المغربيّة مع الأمازيغيّة في بعض المناطق، إلى جانب استعمال الفرنسيّة والإسبانيّة والإنجليزيّة في الأوساط التعليميّة والتجاريّة.

كما تشتهر المرأة الوجديّة بمهاراتها في الطبخ والحرف اليدويّة، في حين يعكس الرجل الوجديّ ارتباطاً قويّاً بالموروث الثقافيّ والإسلاميّ. على صعيد آخر، تدعم الأسر الوجديّة التعليم وتشجّع أبناءها على مواصلة التحصيل الأكاديميّ، ما رفع من نسبة المتعلّمين وحاملي الشهادات العليا في المدينة بشكلٍ ملحوظ.

---

المسارات السياحيّة الموصى بها في وجدة

للاستمتاع بوجدة بشكلٍ شامل، يُنصح بتخصيص بضعة أيام تسمح بالتعرّف على جوانب المدينة المختلفة. وفيما يلي اقتراح لمسارين سياحيين يُمكن دمجهما أو الاختيار بينهما حسب المدة المتوفّرة واهتمامات الزائر:

المسار الأول (يومان)

1. اليوم الأوّل:
   • زيارة المدينة القديمة صباحاً، والتجوّل بين الأزقّة واكتشاف مسجد وجدة الأعظم وباب سيدي عبد الوهاب.
   • الغداء في أحد المطاعم الشعبيّة لتذوّق الطاجين أو الكسكس.
   • التوجّه إلى قصر دار السبتي بعد الظهيرة للاطّلاع على المتحف والمعروضات الفنيّة.
   • اختتام اليوم بالتسوّق في سوق الماء أو سوق الحدّ لشراء التوابل والهدايا التذكاريّة.
2. اليوم الثاني:
   • زيارة ضريح سيدي يحيى في الصباح الباكر، والاستمتاع بالحدائق الهادئة.
   • الانتقال إلى حديقة أنجاد لقضاء وقتٍ في الهواء الطلق وتناول وجبة خفيفة.
   • عشية اليوم الثاني، حضور إحدى الأمسيات الثقافيّة إن كانت متاحة، أو الاستمتاع بالمقاهي الليليّة الهادئة.

المسار الثاني (ثلاثة إلى أربعة أيام)

1. الأيّام الأولى:
   • تكريس يومين لاستكشاف كلّ ما سبق ذكره في المسار الأوّل بالتفصيل.
2. اليوم الثالث:
   • الانطلاق إلى شلالات بوعروس صباحاً للتنزّه في المنطقة والاستمتاع بالطبيعة.
   • العودة في المساء لتذوّق أطباق محليّة فريدة مثل البولفاف أو الشخشوخة.
3. اليوم الرابع:
   • القيام برحلة يومٍ كامل إلى مدينة السعيدية الساحليّة أو الناظور لتجربة الشاطئ أو الأنشطة البحريّة.
   • العودة إلى وجدة مساءً واختتام الرحلة بزيارة مقهى تقليديّ وتذوّق الشاي بالنعناع.

---

أبرز الشخصيّات التاريخيّة المرتبطة بوجدة

هناك العديد من الشخصيّات التاريخيّة والأدبيّة التي وُلدت أو عاشت في وجدة وتركت بصماتها على المشهدين المحلّي والوطنيّ، ولعلّ أبرزها:

• زيري بن عطية: يُنسَب إليه تأسيس المدينة في القرن العاشر الميلاديّ. كان من زعماء قبيلة زناتة، وأسهم في رسم معالمها الأولى وازدهارها.
• سيدي يحيى: العالم الإسلاميّ الذي ينتسب إليه الضريح الشهير، ويُعتقد أنه نشر العلم والقيم الدينيّة في المنطقة. أصبح ضريحه موقعاً روحياً تستقطب الزوّار.
• شخصيّات استقلاليّة ومقاومة: خلال فترة الحماية الفرنسيّة، برز في وجدة عدد من الوطنيين والمناضلين الذين شاركوا في حركات الاستقلال والدفاع عن الهوية المغربيّة. خلّدت أسماؤهم في كتب التاريخ المحلية وفي الذاكرة الجمعيّة للسكّان.

---

لماذا تُسمّى وجدة بـ”الجوهرة المخفيّة”؟

غالباً ما يطلق وصف “الجوهرة المخفيّة” على وجدة لأنها ما زالت خارج دائرة المسارات السياحيّة المألوفة للزائر الأجنبيّ، مقابل مدنٍ مغربيّة أخرى تستحوذ على الاهتمام الإعلاميّ والبروشورات السياحيّة كفاس ومراكش وطنجة. ويعود هذا لوضع المدينة الحدوديّ، وكذلك لعدم تسويقها بشكلٍ مكثّف سياحيّاً في السابق، ما جعلها تحتفظ بجانبٍ أصيل وتلقائيّ بعيدٍ عن التأثيرات السياحيّة المفرطة. لكن هذا الواقع بدأ يتغيّر تدريجياً، مع تنامي الوعي بأهميّة المنطقة تاريخيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً.

تكمن قيمة وجدة في مزجها بين التراث والحياة العصريّة في تناغمٍ هادئ. ففي الوقت الذي يمكن فيه التجوّل بين الأبنية التاريخيّة والأسوار العتيقة، يمكن أيضاً الاستفادة من المرافق الحديثة كالمطاعم والفنادق والمنتجعات. هذا الخليط يُتيح للزوّار الشعور بالانغماس في الأصالة المغربيّة مع الاستمتاع براحة القرن الواحد والعشرين.

المزيد من المعلومات