واجبات العمرة وأحكامها

واجبات العمرة

تُعد العمرة من الشعائر العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وهي عبادة تشمل أركانًا وواجبات وسننًا، ومن الواجب في التعامل مع هذه الشعيرة أن يتم فهم تفاصيلها بدقة، خاصةً فيما يتعلق بواجبات العمرة التي لا يصح تركها عمدًا دون عذر، ويترتب على الإخلال بها أثر شرعي يجب تداركه، سواء بالفدية أو القضاء.

أولًا: التعريف بالعمرة ومكانتها في الشريعة

العمرة لغةً تعني الزيارة، وشرعًا هي: “زيارة بيت الله الحرام على وجه مخصوص، بقصد التعبد لله تعالى، وتُؤدى بأركان وشروط مخصوصة”. وقد وردت مشروعية العمرة في القرآن الكريم والسنة النبوية، قال الله تعالى: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ [البقرة: 196]، كما ثبت عن النبي ﷺ أنه اعتمر أربع عمرات، مما يدل على مشروعيتها وأهميتها.

ثانيًا: الفرق بين أركان العمرة وواجباتها

من المهم التفريق بين أركان العمرة وواجباتها، فالأركان لا تصح العمرة بدونها، ولا تُجبر بدم أو فدية، أما الواجبات فإن تركها لا يُفسد العمرة ولكن يجب على من تركها فدية (ذبح شاة في الحرم وتوزيعها على فقراء مكة).

أركان العمرة هي:

1. الإحرام.

2. الطواف بالبيت.

3. السعي بين الصفا والمروة.

بينما واجبات العمرة هي الأمور التي يجب الالتزام بها أثناء أداء المناسك، ولكن تركها يُجبر بالفدية، وليست من الأركان التي لا يصح العمل بدونها.

ثالثًا: واجبات العمرة بالتفصيل

1. الإحرام من الميقات

الميقات هو المكان الذي حدده رسول الله ﷺ لبداية الدخول في النسك، والإحرام منه من الواجبات الأساسية للعمرة، ولا يجوز تجاوزه دون نية العمرة. من ترك الإحرام من الميقات فعليه دم (ذبح شاة في الحرم).

مواقيت العمرة المكانية:

• ذو الحليفة (ميقات أهل المدينة).

• الجحفة (ميقات أهل الشام ومصر والمغرب).

• قرن المنازل (ميقات أهل نجد).

• يلملم (ميقات أهل اليمن).

• ذات عرق (ميقات أهل العراق).

الإحرام يجب أن يكون بالنية والامتناع عن محظورات الإحرام، والالتزام بهيئة الإحرام (إزار ورداء للرجل).

2. الحلق أو التقصير

الحلق أو التقصير واجب بعد الانتهاء من السعي، وهو علامة على التحلل من الإحرام. لا تُتم العمرة إلا به، ويكون للرجال الحلق أفضل، وللنساء التقصير فقط (بمقدار أنملة من أطراف شعرهن). من لم يحلق أو يقصر فعليه دم.

3. تجنب محظورات الإحرام

ومن الواجبات المهمة التي تدخل في نطاق الإحرام، تجنب المحظورات التي حرَّمها الله على المُحرم، ومنها:

• قص الشعر أو الأظفار.

• لبس المخيط للرجل.

• تغطية الرأس للرجل والوجه للمرأة (إلا في وجود رجال أجانب فيجوز لها ستر وجهها بدون أن تلبس النقاب).

• الطيب.

• عقد النكاح أو الزواج.

• الصيد البري.

من فعل شيئًا من هذه المحظورات متعمدًا فعليه الفدية، أما إن كان ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه.

4. أداء مناسك العمرة بترتيبها المشروع

رغم أن الترتيب في أداء النسك ليس ركنًا عند جمهور العلماء إلا أن المحافظة عليه واجبة عند أغلب أهل العلم، لا سيما الترتيب بين الطواف والسعي، فلا يصح السعي قبل الطواف.

رابعًا: الجدول التوضيحي لواجبات العمرة

خامسًا: حكم من ترك واجبًا من واجبات العمرة

أجمع العلماء على أن من ترك واجبًا من واجبات العمرة متعمدًا دون عذر، فإن عمرته لا تبطل ولكن يجب عليه دم. أما من تركه ناسيًا أو جاهلًا فلا شيء عليه، ويُستحب له عند العلم أن يتحرى الدقة في النسك مستقبلًا.

وقد بيّن النبي ﷺ أن الله تجاوز عن أمته الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه، ومن هنا يتضح أن التيسير وارد في حالة الجهل أو الإكراه، لكن لا يُعذر المتعمد.

سادسًا: اختلاف العلماء في بعض الواجبات

هناك مسائل اختلف فيها الفقهاء هل هي واجبة أو سنة، منها:

• الاغتسال قبل الإحرام: بعض العلماء عدَّه من الواجبات، لكنه عند جمهور العلماء من السنن المؤكدة.

• طواف الوداع في العمرة: ليس من واجبات العمرة باتفاق، بخلاف الحج.

• ركعتا الطواف: الجمهور على أنها سنة، والبعض يرى أن الإخلال بها لا يوجب فدية.

ويُستحسن للمسلم الرجوع إلى قول جمهور العلماء في الفتوى العامة، مع التأكيد على ضرورة الأخذ بآراء المذهب الذي يتبعه الشخص أو المذهب المعمول به في بلده.

سابعًا: الفرق بين العمرة المفردة وعمرة التمتع من حيث الواجبات

العمرة في أشهر الحج إذا كانت جزءًا من التمتع بالحج (أي أن يعتمر ثم يتحلل ثم يحج في نفس الموسم)، لا تختلف في الواجبات عن العمرة المفردة، إلا أن بعض أهل العلم يرون أن في عمرة التمتع يجب الدم لكونها مشمولة في حج التمتع.

بينما العمرة المفردة التي يؤديها المسلم في غير أشهر الحج أو منفصلة عن الحج، فليس فيها هدي إلا إذا ترك واجبًا من واجباتها.

ثامنًا: فقه الفدية في العمرة

من ترك واجبًا من واجبات العمرة فعليه الفدية، وتكون:

• ذبح شاة تُذبح داخل حدود الحرم وتُوزع على فقرائه.

• لا يجوز إخراج قيمة الشاة مالًا بدلاً عنها، إلا في حالات الضرورة القصوى وبعد استشارة أهل العلم.

وقد استند العلماء إلى فعل الصحابة وأقوال الفقهاء في ذلك، ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما حين قال: “من نسي من نسكه شيئًا أو تركه فليهرق دمًا”.

تاسعًا: توصيات للمسلم في أداء العمرة

لتحقيق أعلى درجات القبول، ينبغي للمسلم عند أداء العمرة أن يراعي الأمور الآتية:

1. النية الخالصة: يجب أن تكون العمرة خالصة لله تعالى دون رياء أو سمعة.

2. تعلم فقه المناسك: لا يجوز أن يؤدي المسلم النسك على جهل، بل يجب التعلم والقراءة أو سؤال العلماء قبل الشروع في العمرة.

3. الالتزام بالآداب: من أهمها احترام قدسية المكان، عدم إيذاء الآخرين، تقليل رفع الصوت، الالتزام بالخشوع والسكينة.

4. التزام النساء بالضوابط الشرعية: يجب أن تكون المرأة مع محرم، مرتدية اللباس الشرعي المحتشم، متجنبة التزاحم والاختلاط قدر الإمكان.

عاشرًا: واجبات العمرة عند الحنابلة والشافعية والمالكية

رغم اتفاق الفقهاء على وجوب بعض الأمور، إلا أن لكل مذهب تفصيلًا في تحديد الواجبات والتمييز بينها وبين الأركان والسنن:

• الحنفية: يعتبرون الإحرام ركنًا، والطواف والسعي من الواجبات، ويرون أن الحلق أو التقصير من الواجبات كذلك.

• المالكية: يُدرجون الإحرام والطواف والسعي والحلق ضمن الأركان، ويجعلون غير ذلك سننًا.

• الشافعية: يُفرقون بين الأركان والواجبات تفريقًا دقيقًا، ويعدّون الإحرام والطواف والسعي والحلق من الأركان، ويجعلون الإحرام من الميقات واجبًا، لا ركنًا.

• الحنابلة: يُفصلون تفصيلًا قريبًا من الشافعية، مع تشديد أكثر في محظورات الإحرام.

خلاصة القول

واجبات العمرة تمثل جزءًا لا يتجزأ من هذه العبادة الجليلة، ولا يجوز التهاون بها أو التساهل في أدائها، لما يترتب على تركها من وجوب الفدية أو إعادة النسك في بعض الحالات. وقد حرص الإسلام على أن تكون العبادة موافقة لما جاء عن النبي ﷺ، فكانت الواجبات وسيلة تنظيمية تحفظ للنسك معناه وجلاله وشروط قبوله. وتبقى العمرة فرصة عظيمة لنقاء القلوب وغسل الذنوب، ولا يتم ذلك إلا بالفقه السليم والعمل الخالص لله تعالى.

المراجع:

• ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

• النووي، المجموع شرح المهذب.