هل صوت الرعد هو صوت ملك ابن عثيمين؟

الرعد هو ظاهرة طبيعية عرفت منذ القدم، وتمت الإشارة إليها في النصوص الدينية والعلمية، ما جعلها جزءاً من التفكير البشري حول الكون. في الإسلام، وردت العديد من النصوص التي تحدثت عن الرعد وبررت هذه الظاهرة الكونية بشكلٍ يجعل المسلم يؤمن بأنها من فعل الله تعالى، وتحت إشراف الملائكة. الحديث عن الرعد وعلاقته بالملائكة له أبعاد تتعلق بالإيمان بالقضاء والقدر وعظمة الخالق.

يبدأ فهم الرعد في النصوص الإسلامية من الحديث الذي ذكره رسول الله ﷺ عندما سأله اليهود عن الرعد، حيث قال: “الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب، بيده أو في يده مخراق من نار، يزجر به السحاب، والصوت الذي يسمع منه زجره للسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمره”. هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة”. الحديث يوضح أن الرعد هو صوت ملكٍ موكل بالسحاب يقوم بتوجيهه بأمر الله تعالى.

كما ورد في حديث آخر عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: “الرعد ملك من ملائكة الله، موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله”. هذا الحديث ورد في سنن الترمذي وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.

مفهوم الرعد من الناحية الدينية

عند تحليل النصوص الواردة في الإسلام حول الرعد، نجد أن هذه الظاهرة ترتبط بإرادة الله تعالى، حيث أن الله سبحانه هو الذي خلق هذا الكون بنظام محكم، وجعل لكل شيء فيه سببه. الرعد، حسب الحديث النبوي، هو ملك موكل بالسحاب، يسوقه ويزجره. وهذا ما يجعل الظاهرة تتجاوز مجرد التفسير العلمي الطبيعي الذي يردها إلى اصطكاك السحاب أو التفريغ الكهربائي.

يقول الله تعالى في سورة الرعد: “ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته” (الرعد: 13). هذه الآية تعزز الفكرة التي أشار إليها الحديث النبوي بأن الرعد ليس مجرد ظاهرة طبيعية فقط، بل هو تسبيح لله عز وجل، ما يعزز الإيمان بأن هذا الكون بما فيه من ظواهر هو خاضع لأمر الله وإرادته.

الرعد من منظور علمي

من ناحية علمية، الرعد هو الصوت الذي يتولد نتيجة للتفريغ الكهربائي بين السحاب والأرض أو بين سحب مختلفة. يحدث البرق، وهو الضوء الناتج عن هذا التفريغ الكهربائي، أولاً، ثم يتبعه صوت الرعد. ينتج هذا الصوت نتيجة التمدد السريع للهواء المحيط بالمكان الذي يحدث فيه البرق. يعد هذا التفسير جزءاً من الحقائق العلمية التي اكتشفت مع تقدم العلم والتكنولوجيا، وهو يعبر عن فهم الإنسان لكيفية حدوث هذه الظاهرة من منظور فيزيائي.

التوفيق بين التفسير الديني والعلمي

تفسير الرعد من منظور ديني لا يتعارض بالضرورة مع التفسير العلمي، بل يمكن القول بأن الرؤية الدينية تضيف بُعداً روحياً لتفسير هذه الظاهرة. في تفسير العلماء المسلمين، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، هناك محاولة لتوفيق بين ما ورد في السنة وما اكتشفه العلم. يرى ابن تيمية أن الرعد قد يكون نتيجة لحركة السحب واصطكاكها، وهذا لا يناقض ما ورد في الحديث النبوي عن كونه صوت ملك يزجر السحاب.

حكمة الله في ظواهر الكون

فهمنا للرعد كظاهرة كونية يجب أن يقودنا إلى التأمل في حكمة الله وقدرته. الرعد، مع كونه صوتاً مخيفاً في بعض الأحيان، هو في النهاية جزء من النظام الكوني الذي يسير وفق إرادة الله. وفي كل ظاهرة كونية، سواء كانت الرعد أو غيرها، هناك رسالة للإنسان ليدرك ضعفه أمام قوة الله، وأن يعود إلى الإيمان واليقين بأن الله هو المدبر لكل شيء.

الرعد في الثقافة الإسلامية

الرعد والبرق كمظاهر من مظاهر الطبيعة كان لهما تأثير كبير في ثقافة المسلمين، حيث تم استلهام معاني الإيمان والقدرة الإلهية من هذه الظواهر. وقد ورد في السيرة أن رسول الله ﷺ كان يدعو عند سماع الرعد، فقد كان يقول: “سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته”. وكان هذا الدعاء يعكس تأمل النبي ﷺ في عظمة الخالق وفي مظاهر الكون التي تدل على قدرته.

الرعد والظواهر الأخرى في القرآن

القرآن الكريم، عند ذكره للظواهر الكونية مثل الرعد والبرق والمطر، يربطها دائماً بقدرة الله وإرادته. يقول الله تعالى في سورة النور: “ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار” (النور: 43). هذه الآية تشير إلى الدور الذي يلعبه الله في تحريك السحاب وإنزال المطر، وهو ما يتوافق مع الحديث النبوي عن دور الملائكة في هذه العملية.

تسبيح الكون

كل شيء في هذا الكون يسبح بحمد الله، بما في ذلك الظواهر الطبيعية مثل الرعد. في سورة الإسراء، يقول الله تعالى: “تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم” (الإسراء: 44). هذه الآية تؤكد على أن كل مخلوق وكل ظاهرة في الكون تسبح بحمد الله، وأن الإنسان قد لا يستطيع فهم كيفية تسبيحهم، ولكن يجب عليه الإيمان بذلك.

الأدعية الواردة عند سماع الرعد

من السنة أن المسلم يردد بعض الأدعية عند سماع الرعد، ومنها ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه كان يقول: “سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته”. هذا الدعاء يعبر عن التسليم لعظمة الله وقدرته، والتأكيد على أن الرعد هو تسبيح لله من خلقه.

الحكمة من ذكر الرعد في القرآن والسنة

ذكر الرعد في القرآن والسنة يأتي ليعلمنا أن هذه الظواهر ليست مجرد أحداث طبيعية تجري بشكل عشوائي، بل هي جزء من النظام الكوني الذي يسير وفق إرادة الله. ويأتي ذكر الرعد تحديداً ليربط المسلم بالله، حيث يذكره بأن الكون وما فيه من ظواهر هو بيد الله وتحت أمره، وأنه لا قوة ولا قدرة إلا بالله.

خلاصة

الرعد هو صوت ملك من الملائكة موكل بالسحاب، وفقاً لما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة. هذه الظاهرة الكونية التي يراها الناس هي تسبيح بحمد الله، ووسيلة لتحريك السحاب ونقل المطر. من الناحية العلمية، الرعد هو نتيجة التفريغ الكهربائي، ولكن هذا التفسير لا يتناقض مع ما ورد في الإسلام، بل يكمل الصورة بأن الله هو المدبر لكل شيء، وأن الملائكة تقوم بدورها في توجيه هذه الظواهر الكونية.

النصوص الواردة في الإسلام حول الرعد والبرق ليست مجرد سرد لظاهرة كونية، بل هي دعوة للتفكر في عظمة الله وقدرته، وتذكير للمسلم بأن الكون بكل تفاصيله يسير وفق إرادة الله.