لا ينبغي على المسلم أن يحرم على نفسه الطعام الحلال إلا إذا كان هذا الطعام قد يسبب له ضرر من الناحية الصحية أو أن نفسه لا تستصيغ وتعاف هذا الطعام فوقتها يجوز له ذلك.
أما حرمان النفس من الحلال المباح الذي رزقه الله بك كنوع من البخل فهو مكروه جدا
وأكدت دار الإفتاء المصرية أن فلسفة الشهر الكريم شهر رمضان تهدف إلى تربية وجدان المسلم وتقوية إرادته وتعويده على حرمان النفس وضبطها ومنعها مما لا فائدة منه وإلزامها على ما هو أجدى وأنفع.
حرمان النفس كتأديب !!
التأديب الذاتي وتربية النفس تحتل مكانة مهمة في الفكر الديني والفلسفي، حيث تُعتبر واحدة من الطرق المعروفة لتحقيق النمو الروحي والاقتصاد في استهلاك الموارد الشخصية. يُشير الكثيرون إلى ضرورة مراقبة النفس وإشباع الحاجات بحكمة وتوازن، مع الحرص على تجنب الإسراف والدخول في مشاكل صحية أو أخلاقية.
النصوص التي طُرحت تحمل فهمًا عميقًا لمفهوم تأديب النفس، حيث يُعرض فيها الأصول الشرعية والفقهية لهذا المفهوم. فبناءً على الفتاوى والآراء الفقهية المبنية على المراجع الدينية، يتضح أن تأديب النفس يجب أن يكون في إطار موازن بين تحقيق الهدف الروحي والحفاظ على سلامة الجسد وصحة الفرد.
على سبيل المثال، يتم التأكيد على أن التقليل من الطعام، إذا كان معقولًا ولا يضر الصحة، يعد أمرًا مشروعًا شرعًا، وقد كان من عادة بعض الصحابة تقليل استهلاكهم للطعام كتربية للنفس وتجنبًا للشهوات الزائدة. ومع ذلك، يجب أن يكون هذا التأديب معتدلاً، ولا يجب أن يصل إلى مستوى التعذيب أو تسبب الضرر الجسدي.
وقال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية: وَأَمَّا تَجْوِيعُ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْجِزُ وَلَا يُضْعِفُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ فَأَمْرٌ اسْتِحْبَابِيٌّ يَقْوَى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ. اهــ. وقال أيضا: وَإِنْ صَدَرَتْ مَعْصِيَةٌ اشْتَغَلَ بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ وَمُعَاتَبَتِهَا لِيَتَدَارَكَهَا، ثُمَّ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَنْ خَوَاطِرِهِ، وَقِيَامِهِ، وَقُعُودِهِ، وَأَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ، وَنَوْمِهِ، حَتَّى عَنْ سُكُوتِهِ؛ لِمَ سَكَتَ مَثَلًا. إذَا أَكَلَ لُقْمَةً بِشُبْهَةٍ يُعَاقِبُهَا بِالْجُوعِ، وَإِذَا نَظَرَ إلَى مُحَرَّمٍ يُعَاقِبُ الْعَيْنَ بِمَنْعِ النَّظَرِ، وَهَكَذَا، ثُمَّ الْمُعَاتَبَةُ وَالْمُعَاقَبَةُ إنْ نَقَصَ مِنْهُ بِنَحْوِ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ، وَالسَّهَرِ، وَالنَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ وَنَحْوِهِ مِن الْأَفْعَالِ الشَّاقَّةِ؛ كَالصَّوْمِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، حَتَّى لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا. اهــ.
تأديب النفس يمكن أن يكون بأشكال متعددة، بما في ذلك منع النفس من المباحات، والتحكم في الرغبات الشهوانية، والمراقبة الدائمة للسلوك والتصرفات. إنه عمل دائم ومستمر يتطلب العقلانية والوعي بالأهداف الروحية، دون أن يؤدي إلى التطرف أو الضرر البدني.
بشكل عام، يجب على الفرد أن يعتمد على الحكمة والتوازن في تأديب نفسه، وأن يحافظ على صحته وسلامته الجسدية في الوقت نفسه. الهدف هو تحقيق النمو الروحي والقرب من الله دون المساس بالجانب البدني والصحي.
حكم الامتناع عن الطعام وتجويع النفس
يعد الطعام من الحاجات الأساسية التي يحتاجها الإنسان للبقاء على قيد الحياة، فهو يمثل الوقود الذي يدعم الجسم ويعزز وظائفه. ومن هذا المنطلق، يأتي حكم الامتناع عن الطعام وتجويع النفس في الفكر الديني والقانون الشرعي بأبعاده المختلفة.
إن الامتناع المتعمد عن تناول الطعام يُعتبر خروجًا عن الفطرة الإنسانية، حيث فُطِرَ الإنسان على تناول الطعام للبقاء والازدهار. وبالتالي، يُعتبر الامتناع عن الطعام وتجويع النفس خطوة مضرة، تؤدي إلى الإضرار بالجسم وتعريض النفس للخطر والهلاك.
تشير الشرائع الدينية إلى أن الامتناع عن الطعام قد يصل إلى مرحلة الحرمان، خاصة إذا تعرضت النفس للهلاك بسببه، حيث أن الدين يحث على الحفاظ على صحة الإنسان وعدم التسبب في ضرر للنفس.
في شهر رمضان، يُعلم المسلمون بضرورة الامتثال لتوقيتات الصيام المحددة، ويُحذر من تعمد تأخير الإفطار عن وقته الشرعي، حيث يُعتبر ذلك مكروهًا. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرات بخير الناس ما عجلوا الفطر، مما يبرز أهمية الالتزام بتوقيتات الصيام وعدم التساهل فيها.
من جانب آخر، يُعتبر الإضراب عن الطعام من أفعال المشركين، ويُنصح بعدم اللجوء إليه مهما كانت الظروف والمحن، حيث يجب اللجوء إلى وسائل التعبير المشروعة والمسموح بها دينيًا للتعبير عن الاحتجاج أو المعارضة.
بالختام، يجب على المسلمين وجميع الأفراد أن يتجنبوا الإضرار بأنفسهم عن طريق الامتناع عن الطعام بشكل مفرط، وأن يلتزموا بما جاءت به الشرائع الدينية من توجيهات للحفاظ على الصحة الجسدية والروحية. ويبقى دعاء الشكر والرضا بما رزقهم الله من الطعام من الأمور الموصى بها والتي تعكس التقدير والاعتزاز بنعم الله وكرمه.
في الختام، يظهر حكم الامتناع عن الطعام وتجويع النفس كموضوع يستحق التأمل والتفكير العميق. إنها قضية تمس أساسيات الحياة والصحة الجسدية والروحية. يجب على الفرد أن يكون حذرًا ومتوازنًا في تصرفاته، وأن يسعى دائمًا للحفاظ على توازنه وصحته بشكل عام.
علينا أن نتذكر دائمًا أن الدين الإسلامي يحث على العدل والمرونة، ويحث على الحفاظ على الصحة والعافية. لذا، يجب علينا أن نتجنب الأفعال التي قد تؤدي إلى الإضرار بأنفسنا، سواءً كانت بالامتناع المفرط عن الطعام أو بأي وسيلة أخرى.
دعونا نكون منضبطين في تناولنا للطعام، ونحرص على الالتزام بتوجيهات الدين والشرائع الدينية، وذلك من أجل الحفاظ على صحتنا وعافيتنا، ولكي نكون دائمًا في أفضل حال. فالصحة هي أساس السعادة والرفاهية، وعلينا أن نقدر هذه النعمة ونعمل على المحافظة عليها بكل جدية ومسؤولية.
