نهاية سن المراهقة عند الشباب

متى ينتهي سن المراهقة عند الشباب؟

تُعد فترة المراهقة من المراحل الانتقالية الأكثر تأثيرًا في حياة الإنسان، فهي تمثل نقطة التحوّل ما بين الطفولة والرشد، وتشمل تغيرات جسدية ونفسية واجتماعية معقدة، لها انعكاسات عميقة على التكوين الشخصي والهوية المستقبلية للفرد. وغالبًا ما يُطرح سؤال محوري في هذا السياق: متى ينتهي سن المراهقة عند الشباب؟ غير أن هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه ببساطة أو بتحديد زمني جامد، نظرًا لاختلاف المعايير الحيوية والاجتماعية والثقافية التي تتحكم في هذه المرحلة. في هذا المقال المطوّل، سيتم تناول هذا الموضوع من مختلف الجوانب العلمية، النفسية، الاجتماعية، والثقافية لتقديم فهم شامل لمفهوم انتهاء المراهقة.

المفهوم العلمي للمراهقة

من الناحية البيولوجية، تبدأ المراهقة مع بداية البلوغ الجنسي، وهو ما يتراوح عادة بين سن 10 إلى 13 عامًا عند الذكور، ويرافق هذه المرحلة ظهور تغيرات هرمونية تؤدي إلى تطورات ملحوظة في الجسد مثل زيادة الطول، نمو العضلات، خشونة الصوت، ونمو الشعر في مناطق مختلفة من الجسم. ويرتبط هذا التغير بتحفيز هرموني يبدأ من منطقة “الوطاء” في الدماغ التي تؤثر على الغدة النخامية لإنتاج الهرمونات التناسلية.

لكن المراهقة ليست فقط سلسلة من التحولات الفيزيولوجية، بل هي أيضًا مرحلة تتشكل فيها الهوية النفسية والاجتماعية للفرد، حيث يتعرض المراهق لصراعات داخلية حول الاستقلال، والقبول الاجتماعي، واكتشاف الذات، والانخراط في الأدوار الاجتماعية الجديدة.

المراهقة من منظور علم النفس

علم النفس يذهب إلى تقسيم المراهقة إلى ثلاث مراحل:

1. المراهقة المبكرة (من 10 إلى 13 عامًا): وهي فترة البلوغ الجسدي الحاد، وتتميز بتقلبات مزاجية وتغير في أنماط السلوك.

2. المراهقة المتوسطة (من 14 إلى 17 عامًا): وهنا يبدأ المراهق بمحاولة الاستقلال عن الأسرة، وتتشكل العلاقات الاجتماعية الأكثر تعقيدًا، كما تظهر محاولات لتكوين الهوية الشخصية.

3. المراهقة المتأخرة (من 18 إلى 21 أو 24 عامًا): وهي مرحلة الانتقال نحو النضج، حيث يصبح التفكير أكثر منطقية وتنخفض حدة التمرد، ويبدأ الفرد في اتخاذ قرارات حياتية مهمة تتعلق بالدراسة، العمل، أو حتى العلاقات العاطفية.

وبذلك، فإن علم النفس لا يعتبر أن المراهقة تنتهي بشكل قاطع عند سن 18، بل يرى أن بعض الخصائص النفسية للمراهق قد تمتد حتى منتصف العشرينات، خاصة في البيئات التي تتأخر فيها عملية تحمل المسؤولية والاستقلال الاقتصادي.

المعايير الاجتماعية والثقافية

تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية دورًا مهمًا في تحديد بداية ونهاية المراهقة. ففي بعض الثقافات التقليدية، يُنظر إلى الشاب بمجرد بلوغه السن القانونية (عادة 18 عامًا) باعتباره بالغًا يتحمل مسؤولية نفسه، بينما في ثقافات أخرى قد تستمر المراهقة إلى ما بعد سن 25، خاصةً في المجتمعات التي تمنح الشباب فترات أطول من الدراسة والتبعية الاقتصادية للأسرة.

وفي الوقت ذاته، تختلف المعايير الدينية حول سن الرشد. ففي الشريعة الإسلامية، يُعتبر الشاب بالغًا راشدًا عندما تظهر عليه علامات البلوغ مثل الاحتلام أو إنبات الشعر أو الوصول إلى سن 15 عامًا، ما يعني أن النضج الديني قد يسبق النضج النفسي والاجتماعي بعدة سنوات.

العوامل الاقتصادية والتعليمية وتأثيرها على نهاية المراهقة

التحولات الاقتصادية والتعليمية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة أثرت بشدة على مفهوم نهاية المراهقة. فالشباب اليوم يقضون سنوات أطول في الدراسة، مما يؤجل دخولهم إلى سوق العمل واستقلالهم المالي. هذا التأخير في الاستقلال يعيد تشكيل ملامح المراهقة المتأخرة، حيث أن كثيرًا من الشباب لا يشعرون بأنهم أصبحوا راشدين بالكامل حتى بعد سن 24 أو 25، ما داموا لا يزالون يعتمدون على أسرهم في الجوانب المالية والمعيشية.

وفي ظل الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف الحياة والتعليم، أصبح كثير من الشباب يؤخرون حتى قرارات الزواج وتكوين الأسر، مما يعزز استمرار بعض سمات المراهقة من حيث عدم الاستقرار، وتكرار تجربة البحث عن الذات.

النضج العقلي والوجداني: مفتاح نهاية المراهقة

إن أهم مؤشر حقيقي لانتهاء سن المراهقة لا يتمثل فقط في البلوغ الجسدي أو السن القانوني، بل في مستوى النضج العقلي والوجداني الذي يبلغه الشاب. فالنضج يعني القدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة، وتحمل نتائجها، والتفاعل مع الآخرين بطريقة قائمة على التفاهم والتعاطف، والقدرة على ضبط الانفعالات، وتجاوز الأنانية الطفولية.

وقد أثبتت دراسات علم الأعصاب أن الفص الجبهي من الدماغ (المسؤول عن التخطيط واتخاذ القرار وضبط السلوك) لا يكتمل نموه إلا في أواخر سن العشرينات، مما يفسر لماذا يظل كثير من الشباب عرضة للسلوكيات المتهورة أو غير المتزنة حتى بعد سن 18.

الجدول التالي يوضح الفروقات بين مراحل المراهقة:

الاتجاهات الحديثة في تحديد نهاية المراهقة

في ضوء المعطيات الاجتماعية والنفسية الجديدة، اقترحت بعض الهيئات الصحية مثل “الرابطة الأمريكية لعلم النفس” و”منظمة الصحة العالمية” تمديد فترة المراهقة لتشمل حتى سن 24 عامًا، خصوصًا في الدول المتقدمة التي تطول فيها فترة الدراسة وتعتمد فيها الأسر على نظام المعيشة المشترك لفترات أطول. كما أن هذه التوصية تساعد على فهم ودعم احتياجات الشباب بشكل أكثر واقعية، بدلاً من تحميلهم مسؤوليات الرشد في وقت مبكر دون الاستعداد الكافي.

المراهقة بين الأمس واليوم

من المهم الإشارة إلى أن المراهقة الحديثة تختلف كثيرًا عن تلك التي عاشها الأجيال السابقة. فمع ثورة التكنولوجيا والانفتاح الإعلامي وازدياد الضغوط النفسية والتغيرات الاجتماعية السريعة، أصبح الشاب المعاصر يواجه تحديات متعددة ومعقدة لم تكن موجودة سابقًا. وهذا بدوره يؤخر أحيانًا اكتمال النضج أو يخلق نوعًا من “الطفولة الممتدة”، حيث يعيش الفرد حالة من اللامسؤولية رغم بلوغه سنًا متقدمًا.

الخلاصة العلمية والاجتماعية

لا يوجد عمر واحد جامع يُحدد نهاية المراهقة بشكل دقيق. فبينما يُشير النمو الجسدي إلى انتهاء مرحلة البلوغ خلال سنوات محددة، فإن النضج النفسي والعاطفي والاجتماعي قد يستغرق سنوات إضافية. تتقاطع العوامل البيولوجية مع العوامل الاجتماعية والثقافية والتعليمية لتشكّل ملامح هذه المرحلة الحساسة. لذلك، من الأنسب النظر إلى نهاية المراهقة ليس كحدث محدد زمنيًا، بل كعملية تطور تدريجي تختلف من شخص إلى آخر بحسب بيئته ونضجه وتجربته الفردية.

المراجع:

1. Steinberg, L. (2014). Age of Opportunity: Lessons from the New Science of Adolescence. Houghton Mifflin Harcourt.

2. Sawyer, S. M., et al. (2018). “The age of adolescence.” The Lancet Child & Adolescent Health, 2(3), 223–228.