نموذج المحادثات COIN: تخفيف حدّة التغذية الراجعة الصعبة
تعد التغذية الراجعة (أو الملاحظات التوجيهية) جزءًا أساسيًا من أي بيئة عمل أو علاقة تعليمية أو شخصية، حيث تساهم في تحسين الأداء وتطوير المهارات. ومع ذلك، فإن تلقي أو تقديم التغذية الراجعة الصعبة قد يكون عملية شاقة، حيث يواجه الكثير من الأفراد تحديات في تقبل الملاحظات النقدية أو في إيصالها بطريقة لا تؤدي إلى تصعيد التوترات أو تحفيز الدفاعات النفسية. وقد تم تطوير نموذج المحادثات COIN كأداة فعالة لتسهيل هذه العملية، خاصة في المواقف التي تتطلب تقديم تغذية راجعة صعبة.
ما هو نموذج المحادثات COIN؟
نموذج COIN هو إطار يستخدم لتقديم التغذية الراجعة بشكل بناء وغير هدام. يعتمد هذا النموذج على أربع خطوات رئيسية، وهي:
-
C – Context (السياق)
-
O – Observation (الملاحظة)
-
I – Impact (الأثر)
-
N – Next Steps (الخطوات التالية)
يتمثل الهدف الرئيسي من هذا النموذج في تقديم التغذية الراجعة بطريقة منظمة تضمن تقبل الفرد لها دون أن يشعر بالهجوم أو الانتقاد. يسهم هذا النموذج في تخفيف حدة المواقف التي قد تؤدي إلى شعور الفرد بالإهانة أو الانكسار، مما يزيد من فعالية التغذية الراجعة ويساعد في تعزيز العلاقات المهنية والشخصية.
1. السياق (Context)
تبدأ عملية تقديم التغذية الراجعة بتوضيح السياق الذي يتم فيه تقديم الملاحظة. هذه الخطوة مهمة جدًا لأنها تساهم في وضع الأساس للمحادثة، مما يساعد في تقليل احتمال أن يتم فهم الملاحظات بشكل خاطئ أو يتم تحريفها. فعندما يُوضّح السياق، فإن الشخص الذي يتلقى التغذية الراجعة يدرك لماذا تم اختياره لتلقي هذه الملاحظات في هذا الوقت، وهو ما يجعل الفرد أكثر استعدادًا للاستماع.
على سبيل المثال، بدلاً من البدء في سرد الملاحظات السلبية أو العتاب، يمكن للمرء أن يقول: “في الاجتماع الأخير، كنت ألاحظ بعض المواقف التي تحتاج إلى تحسين في طريقة تفاعلك مع الفريق.”
2. الملاحظة (Observation)
تتمثل الخطوة الثانية في تقديم ملاحظة موضوعية حول السلوك أو التصرفات التي يتم التركيز عليها. من المهم أن تكون هذه الملاحظة محددة وواضحة، مع الابتعاد عن الإطلاقات العامة أو الشخصية التي قد تؤدي إلى الشعور بالإهانة.
في هذه المرحلة، يجب على المتحدث أن يلتزم بوصف ما تم ملاحظته فقط، دون إضافة أحكام أو تقييمات. على سبيل المثال، بدلاً من القول “أنت لا تعمل بشكل جيد مع الفريق”، يمكن أن يكون التوجيه أكثر تحديدًا: “في الاجتماع الأخير، كان هناك بعض اللحظات التي كنت فيها غائبًا عن المشاركة، مما جعل التواصل مع بعض أعضاء الفريق صعبًا.”
تساعد هذه الملاحظة الواضحة والشخصية في تقليل احتمالية الدفاع أو التبرير من الشخص المعني، لأن الملاحظة تركّز على السلوك وليس على الشخصية.
3. الأثر (Impact)
بعد تقديم الملاحظة، من الضروري توضيح تأثير ذلك السلوك على الآخرين أو على البيئة المحيطة. يساعد هذا القسم في جعل الفرد يفهم العواقب المترتبة على تصرفاته وكيف تؤثر على الأداء الجماعي أو على سمعة الفريق أو المؤسسة. يمكن لهذا الجزء أن يساهم في تحفيز الشخص لتغيير سلوكه عندما يدرك الآثار المترتبة على تصرفاته.
على سبيل المثال، “عندما كنت غائبًا عن المشاركة، شعر الفريق بأنهم لا يحصلون على دعمك الكامل، مما أثر على التنسيق والتعاون بين الأعضاء.”
من خلال توضيح الأثر، يتفهم الشخص المعني بشكل ملموس كيف يمكن لتصرفاته أن تؤثر على الآخرين والمشروع أو الفريق ككل، مما يعزز المسؤولية الشخصية ويشجع على التغيير.
4. الخطوات التالية (Next Steps)
في هذه المرحلة، يتم توجيه الفرد نحو التحسينات المطلوبة أو الخطوات التي يجب أن يتخذها لتصحيح سلوكه. من خلال تحديد الإجراءات القادمة بوضوح، تصبح الملاحظات أكثر بناءً وموجهة نحو الحلول. كما يعزز ذلك من شعور الشخص بالمسؤولية والقدرة على التغيير.
يجب أن تكون هذه الخطوات عملية وواقعية، مع توفير الدعم إذا لزم الأمر. على سبيل المثال، “في الاجتماعات القادمة، أتمنى أن تكون أكثر انخراطًا في النقاشات، ويمكننا العمل معًا على بعض استراتيجيات المشاركة الفعالة إذا كنت بحاجة إلى ذلك.”
من خلال تحديد الخطوات المستقبلية، لا يشعر الشخص الذي يتلقى التغذية الراجعة بأن النقد يهدف فقط إلى محاسبته أو معاقبته، بل يكون هناك تركيز على تحسين الأداء بشكل مستمر. كما يعزز ذلك من شعور الشخص بالتمكين ويجعله يشعر بأن هناك فرصة حقيقية للتطور والنمو.
أهمية نموذج COIN في تخفيف حدّة التغذية الراجعة الصعبة
تعد التغذية الراجعة الصعبة من أصعب الأمور التي يمكن أن يتعامل معها الأفراد في بيئات العمل أو الحياة الشخصية. تكمن صعوبة التغذية الراجعة الصعبة في أن الشخص الذي يتلقاها قد يشعر بالإحباط أو الدفاعية، مما يؤدي إلى تدهور العلاقات أو فقدان الثقة في الأشخاص الذين يقدمون هذه الملاحظات. يمكن لنموذج COIN أن يساهم بشكل كبير في تخفيف هذه الصعوبة من خلال عدة عوامل:
-
توضيح الهدف من التغذية الراجعة
عند تقديم التغذية الراجعة باستخدام نموذج COIN، يتم التأكيد على أن الهدف ليس الهجوم أو النقد، بل تحسين الأداء وتطوير المهارات. يساهم هذا في إزالة الغموض حول الهدف من التغذية الراجعة ويجعلها أكثر قبولًا. -
تنظيم المحادثة
يساهم النموذج في تنظيم المحادثة بشكل منطقي، مما يجعل التغذية الراجعة تبدو أكثر وضوحًا وموضوعية. من خلال تقسيم المحادثة إلى خطوات منظمة، يتم تقليل احتمالية حدوث ارتباك أو سوء فهم. -
التركيز على السلوك وليس الشخصية
من خلال التركيز على السلوكيات والتصرفات، يصبح النقد أقل شخصية وأقل احتمالًا للتسبب في شعور الشخص بالإهانة. هذا يساعد في الحفاظ على احترام الذات وتقوية العلاقات. -
التوجيه نحو الحلول
بدلاً من الوقوف عند الأخطاء أو الانتقادات فقط، يشجع نموذج COIN على التفكير في كيفية تحسين الوضع في المستقبل. يساعد ذلك الأفراد على الشعور بأنهم قادرون على التحسين والتقدم. -
تحفيز الحوار البناء
من خلال استخدام هذا النموذج، يتم فتح المجال للحوار البناء والمثمر بدلاً من الهجوم الدفاعي أو الصمت. يساعد ذلك على تعزيز ثقافة الانفتاح على التغذية الراجعة في بيئات العمل أو العلاقات الشخصية.
تطبيقات نموذج COIN في الحياة اليومية
يمكن تطبيق نموذج COIN في العديد من السياقات الحياتية المختلفة، سواء في العمل أو في العلاقات الشخصية. في بيئة العمل، يمكن استخدام هذا النموذج لتقديم التغذية الراجعة للزملاء أو الموظفين أو حتى المديرين، مما يساهم في تحسين الأداء الجماعي ورفع مستوى التعاون. وفي العلاقات الشخصية، يمكن استخدام النموذج للتحدث بصراحة وبلطف عن سلوكيات قد تحتاج إلى تعديل أو تحسين.
على سبيل المثال، في بيئة العمل، قد يكون لديك موظف يعاني من تأخرات متكررة في تسليم الأعمال. باستخدام نموذج COIN، يمكنك أن تبدأ بتوضيح السياق (الاجتماعات المتأخرة)، ثم تذكر الملاحظة (تأخرك في تسليم المشروع في الوقت المحدد)، ثم توضح الأثر (مما يسبب توترًا للفريق ويؤثر على سير العمل)، وأخيرًا تحدد الخطوات التالية (إعداد جدول زمني دقيق والعمل على الالتزام به).
أما في العلاقات الشخصية، فقد يستخدم نموذج COIN في حالات التفاوض أو الحديث عن مشاكل قد تؤثر على العلاقة، مثل قلة الاهتمام أو التصرفات التي تزعج الطرف الآخر.
الخاتمة
نموذج المحادثات COIN يعد أداة قوية للتعامل مع التغذية الراجعة الصعبة، حيث يضمن تقديم الملاحظات بشكل بناء ومرن دون المساس بالعلاقات الشخصية أو المهنية. من خلال تنظيم المحادثة على أساس هذا النموذج، يصبح تقديم التغذية الراجعة أكثر فعالية ويقلل من التوترات المحتملة. من المهم أن يتم تبني هذا النموذج في مختلف جوانب الحياة، حيث يساعد في خلق بيئة تواصل صحيّة مبنية على الاحترام المتبادل والنمو المستمر.

