نقص وزن الرضيع

نقصان الوزن عند الرضيع: الأسباب، العلامات، والمضاعفات وطرق الوقاية والعلاج

يُعدّ الوزن أحد أبرز المؤشرات الحيوية التي تُستخدم لتقييم صحة الرضيع ونموه بشكل عام، حيث يُراقب الأطباء وخبراء التغذية وزن الرضيع عن كثب خلال الأشهر الأولى من حياته، ويُعدّ أي نقصان غير طبيعي في الوزن مؤشراً على وجود خلل أو اضطراب يحتاج إلى تدخل عاجل. لا يُعدّ انخفاض الوزن عند الرضيع ظاهرة نادرة، بل يتكرر عند عدد من الأطفال في مراحل مختلفة، ولكنه يستدعي فهماً دقيقاً لأسبابه، وطبيعته، ومدى خطورته، والسبل السليمة لمعالجته والوقاية منه.

النمو الطبيعي للرضيع وعلاقته بالوزن

يمر الرضيع خلال الأشهر الأولى من حياته بمراحل نمو سريعة وملحوظة، ويُعدّ الوزن عاملاً مرجعياً أساسياً في تقييم هذا النمو. عادةً ما يفقد الرضيع ما بين 5 إلى 10% من وزنه خلال الأيام الأولى بعد الولادة نتيجة فقدان السوائل، لكنه يستعيد هذا الوزن خلال أسبوعين. من المتوقع أن يزداد وزن الرضيع بمعدل يتراوح بين 150 إلى 200 غرام أسبوعياً خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وأن يتضاعف وزنه عند عمر الستة أشهر، ويصبح ثلاثة أضعاف عند إتمام السنة.

أي انحراف واضح عن هذه المؤشرات المرجعية يستوجب التدخل، وقد يشير إلى مشكلات في الرضاعة، أو أمراض عضوية، أو اضطرابات غذائية.

أسباب نقصان الوزن عند الرضيع

تتعدد الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض وزن الرضيع، وتختلف بين أسباب تغذوية، وأخرى مرضية، إضافة إلى عوامل بيئية ونفسية مرتبطة بالأم والرضيع:

1. مشكلات في الرضاعة الطبيعية أو الصناعية

• ضعف تقنية الرضاعة: مثل عدم التعلق الجيد بحلمة الثدي، أو قِصر مدة الرضعة، ما يؤدي إلى قلة الحليب المستهلك.

• قلة إدرار الحليب من الأم نتيجة الإرهاق أو عدم كفاية التغذية.

• التحسس من الحليب الصناعي أو عدم تحمّله، مما يؤدي إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية.

2. اضطرابات في الجهاز الهضمي

• الارتجاع المعدي المريئي: حالة شائعة تؤدي إلى استفراغ الحليب قبل امتصاصه.

• عدم تحمل اللاكتوز: يؤدي إلى إسهال مزمن ونقص امتصاص الدهون والسكريات.

• انسداد أو عيوب خلقية في الجهاز الهضمي مثل تضيق البواب أو مرض هيرشسبرونغ.

3. الأمراض المزمنة أو الالتهابات

• العدوى المزمنة: مثل التهابات المسالك البولية، أو أمراض الرئة، التي تزيد من استهلاك الطاقة في الجسم.

• أمراض القلب الخلقية: تسبب ضعفاً في القدرة على الرضاعة بسبب الإرهاق.

• فرط نشاط الغدة الدرقية: يرفع من معدل الاستقلاب ويؤدي إلى خسارة الوزن رغم الرضاعة الكافية.

4. أسباب نفسية وبيئية

• إهمال التغذية أو الافتقار إلى الرعاية، وهي من أبرز أسباب سوء التغذية في الدول النامية.

• التوتر النفسي للأم قد يؤثر على إدرار الحليب ونمط تواصلها مع الرضيع.

• الفطام المبكر أو إدخال أغذية غير كافية غذائيًا أو غير مناسبة لعمر الطفل.

علامات تدل على نقصان الوزن عند الرضيع

يُظهر الرضيع عدة إشارات عند تعرضه لخسارة الوزن، ويمكن ملاحظتها من قبل الأهل أو الأطباء في الفحوصات الدورية:

• انخفاض عدد الحفاضات المبللة (أقل من 6 يوميًا بعد اليوم الخامس من الولادة).

• الخمول الزائد أو النعاس المستمر.

• البكاء المستمر بعد الرضاعة وكأن الطفل لا يشبع.

• توقف النمو الطولي أو تراجع في محيط الرأس.

• جفاف الجلد أو انخفاض مرونته.

• ضعف العضلات وبطء الاستجابة للمؤثرات.

• برودة الأطراف وانخفاض درجة حرارة الجسم.

• انخفاض الوزن مقارنة بالمخططات المعيارية لعمر الطفل.

الفئات الأكثر عرضة لخطر نقصان الوزن

بعض الفئات من الرضع تكون أكثر عرضة لخسارة الوزن، وتشمل:

مضاعفات نقصان الوزن عند الرضيع

نقصان الوزن المستمر قد يؤدي إلى سلسلة من المضاعفات الخطيرة على المدى القصير والطويل، ومنها:

1. تأخر النمو الجسدي والعقلي

انخفاض الوزن يحد من بناء الأنسجة العصبية والعضلية، مما ينعكس سلبًا على القدرات الحركية والذهنية.

2. الضعف المناعي

سوء التغذية يضعف جهاز المناعة، ما يزيد من تعرض الرضيع للعدوى بشكل متكرر.

3. فقر الدم

نقص الحديد والبروتين قد يؤدي إلى الأنيميا، وهي حالة شائعة في حالات النقص الغذائي.

4. فشل النمو (Failure to thrive)

وهو مصطلح يُستخدم عندما يعاني الطفل من قصور واضح في اكتساب الوزن والطول بالمقارنة مع أقرانه.

5. مشكلات مستقبلية في التعلم

تشير دراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن في الطفولة معرضون لصعوبات تعليمية لاحقًا.

تشخيص نقصان الوزن عند الرضيع

يعتمد التشخيص على مجموعة من الخطوات الدقيقة:

• قياس الوزن والطول ومحيط الرأس بشكل دوري ومقارنته مع المخططات العالمية لنمو الأطفال (مثل مخطط WHO).

• تحليل التاريخ الطبي والغذائي: يشمل نوع الرضاعة، تواترها، سلوكيات الطفل أثناء الرضاعة.

• الفحوصات الطبية المخبرية: تحليل الدم، وظائف الكلى، الغدة الدرقية، تحليل البول، وتحليل البراز.

• تصوير الجهاز الهضمي إذا تم الاشتباه بوجود انسدادات أو اضطرابات خلقية.

• استشارة أخصائي تغذية لرصد كميات السعرات المستهلكة وتقييم كفاءة النظام الغذائي.

طرق علاج نقصان الوزن عند الرضع

تختلف طرق العلاج حسب السبب الجذري وراء المشكلة، وتشمل التدخلات التالية:

1. تحسين الرضاعة الطبيعية

• توجيه الأم لتقنيات الرضاعة السليمة.

• زيادة عدد الرضعات.

• استخدام مضخات لتحفيز إدرار الحليب.

2. تعديل الحليب الصناعي أو تغييره

في حال وجود عدم تحمل أو تحسس من نوع معين.

3. إدخال مكملات غذائية

قد يوصي الطبيب بمكملات تحتوي على سعرات حرارية إضافية أو فيتامينات ومعادن أساسية.

4. علاج الأسباب المرضية

مثل الارتجاع، الحساسية، أو العدوى، وذلك بالأدوية أو الجراحة عند الضرورة.

5. إشراك فريق متعدد التخصصات

يتضمن طبيب الأطفال، وأخصائي تغذية، وأخصائي تنمية، لضمان معالجة المشكلة من جميع الجوانب.

الوقاية من نقصان الوزن عند الرضع

الوقاية تبدأ منذ فترة الحمل وتمتد إلى السنوات الأولى من حياة الطفل:

• متابعة حمل منتظمة للكشف عن مشاكل قد تؤثر على وزن المولود.

• الرضاعة الفورية بعد الولادة وتحفيز الرضاعة الطبيعية.

• الرعاية الصحية المنتظمة للرضيع.

• عدم التأخر في إدخال الأطعمة التكميلية بعد الشهر السادس، مع التأكد من توازنها الغذائي.

• التأكد من نظافة الحليب الصناعي وتحضيره بالطريقة الصحيحة.

• التثقيف المستمر للأم حول العلامات المبكرة لأي خلل غذائي.

الخلاصة

نقصان الوزن عند الرضع ليس عرضاً عابراً يمكن تجاهله، بل هو مؤشر تحذيري يتطلب تدخلًا عاجلاً وتحقيقاً شاملاً. إذ يشكل الوزن السليم أحد الركائز الأساسية لصحة الرضيع ونموه البدني والعقلي، فإن أي تراجع أو انحراف عن المسار الطبيعي للنمو يجب أن يُنظر إليه بعين الجدية من قبل الأهل والطاقم الطبي. التكامل بين التغذية السليمة، والمتابعة الطبية المنتظمة، والتثقيف الصحي يضمن حماية الطفل من هذا الخطر وتحقيق أفضل الظروف لنموه وازدهاره.

المراجع

1. World Health Organization. “Infant and young child feeding.” WHO Guidelines, 2023.

2. American Academy of Pediatrics. “Failure to Thrive.” Pediatric Nutrition Handbook, 8th ed., 2022.