نقص فيتامين د وحكة الجلد

هل نقص فيتامين د يسبب حكة في الجسم

يُعد فيتامين د من الفيتامينات الأساسية التي تلعب دورًا محوريًا في العديد من وظائف الجسم الحيوية، وعلى رأسها تنظيم امتصاص الكالسيوم والفوسفور، والحفاظ على صحة العظام والأسنان، وتعزيز كفاءة الجهاز المناعي. ومع ذلك، فإن تأثير هذا الفيتامين يتجاوز تلك الأدوار المعروفة، ليشمل جوانب متعددة من الصحة الجلدية، مثل ترطيب البشرة، وتجديد الخلايا، ومكافحة الالتهابات. ومن بين الأعراض الجلدية التي أُثير الجدل حول ارتباطها بنقص فيتامين د: الحكة الجلدية.

في هذا المقال، سيتم تناول العلاقة المحتملة بين نقص فيتامين د والحكة الجلدية، مع توضيح الآليات البيولوجية ذات الصلة، ودراسة الأعراض الأخرى المصاحبة لنقص هذا الفيتامين، وأبرز الفئات المعرضة للخطر، بالإضافة إلى تقديم رؤى شاملة مستندة إلى أحدث الدراسات الطبية.

الدور الحيوي لفيتامين د في الجسم

فيتامين د يُصنَّف ضمن الفيتامينات الذائبة في الدهون، ويتم إنتاجه بشكل طبيعي في الجلد عند التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية من النوع B. كما يمكن الحصول عليه من بعض الأطعمة مثل الأسماك الدهنية وصفار البيض، أو من المكملات الغذائية عند الحاجة.

تتعدد وظائف فيتامين د في الجسم، وأبرزها:

• المساعدة في امتصاص الكالسيوم والفوسفور: مما يعزز نمو العظام وصيانتها.

• دعم الجهاز المناعي: حيث يساهم في تقليل الالتهابات وتنظيم استجابة المناعة الذاتية.

• التأثير على صحة العضلات: حيث يرتبط نقصه بضعف العضلات وزيادة خطر السقوط خاصة لدى كبار السن.

• المساهمة في صحة الجلد: من خلال التأثير على تجدد الخلايا وشفاء الجروح وتقليل الالتهابات الجلدية.

العلاقة بين نقص فيتامين د والحكة الجلدية

من المهم الإشارة إلى أن الحكة الجلدية تُعدّ عرضًا غامضًا قد ينجم عن مجموعة واسعة من الحالات، من بينها الجفاف الجلدي، الأمراض الجلدية، الأمراض الكبدية أو الكلوية، والاضطرابات الهرمونية. لكن مؤخرًا، بدأ الباحثون يربطون بين نقص فيتامين د وحدوث الحكة، وذلك نتيجة عدة آليات محتملة:

1. جفاف الجلد الناتج عن نقص فيتامين د

يُعتقد أن فيتامين د يلعب دورًا في الحفاظ على ترطيب البشرة ووظائف الحاجز الجلدي. وعندما ينخفض مستواه، تقل قدرة الجلد على الاحتفاظ بالماء، ما يؤدي إلى الجفاف، وهو من أبرز العوامل المسببة للحكة. ويُشار هنا إلى أن الجلد الجاف غالبًا ما يكون متهيجًا ويعاني من تشققات دقيقة تؤدي إلى تفعيل مستقبلات الحكة.

2. التهابات الجلد المزمنة

فيتامين د يمتلك خواصًا مضادة للالتهاب، وعند نقصه، تزداد مستويات الالتهابات في الجسم، ومنها الجلد. الالتهاب الجلدي المزمن يُمكن أن يحفز الأعصاب الطرفية في الجلد، مسببًا الشعور بالحكة. وقد تم ربط انخفاض مستويات فيتامين د بزيادة احتمالية الإصابة بحالات مثل الإكزيما والصدفية، وكلاهما من الأمراض الجلدية التي تسبب حكة شديدة.

3. خلل في إنتاج بروتينات الجلد

تُظهر بعض الدراسات أن فيتامين د ينظم إنتاج بروتينات معينة مسؤولة عن سلامة حاجز البشرة، مثل الفيلاجرين والإنفولين. نقص هذه البروتينات يؤدي إلى زيادة نفاذية الجلد للمواد الخارجية والمهيجات، مما يسبب الحكة والتهاب الجلد.

4. تأثير نقص فيتامين د على الجهاز العصبي المحيطي

أشارت دراسات حديثة إلى أن نقص فيتامين د قد يؤثر على الأعصاب الطرفية، ما يجعلها أكثر حساسية للمنبهات، ومنها تلك المرتبطة بالحكة. كما أن فيتامين د يساهم في تقليل إنتاج بعض النواقل العصبية المرتبطة بالشعور بالحكة، وبالتالي فإن انخفاضه قد يزيد من الإحساس غير المريح في الجلد.

أعراض إضافية مصاحبة لنقص فيتامين د

لا تقتصر أعراض نقص فيتامين د على الحكة فقط، بل تشمل مجموعة من العلامات المتنوعة التي تؤثر على أجهزة مختلفة في الجسم:

• الإرهاق المزمن والشعور بالتعب المستمر.

• آلام في العظام والمفاصل، خاصة في أسفل الظهر.

• ضعف العضلات وصعوبة في أداء المهام البدنية البسيطة.

• اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب والقلق.

• تكرار العدوى بسبب ضعف الجهاز المناعي.

• تأخر شفاء الجروح والخدوش الجلدية.

• تساقط الشعر بدرجة ملحوظة.

• آلام غير مبررة في الأطراف.

الحالات الجلدية المرتبطة بنقص فيتامين د

أثبتت العديد من الأبحاث أن نقص فيتامين د قد يكون له دور في تفاقم بعض الأمراض الجلدية التي تصاحبها الحكة، منها:

الفئات الأكثر عرضة للإصابة بنقص فيتامين د

تختلف مستويات فيتامين د في الجسم باختلاف العمر، الجنس، لون البشرة، والظروف البيئية. الفئات التالية تُعتبر الأكثر عرضة للإصابة بالنقص، وبالتالي قد يعانون من أعراض مثل الحكة الجلدية:

• الأشخاص الذين لا يتعرضون للشمس بانتظام.

• كبار السن الذين تقل قدرة جلدهم على تصنيع فيتامين د.

• أصحاب البشرة الداكنة، لأن صبغة الميلانين تقلل من إنتاج فيتامين د.

• النساء المحجبات اللاتي يغطين معظم أجسادهن.

• الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة في الكبد أو الكلى أو الأمعاء.

• الأفراد النباتيون الذين لا يحصلون على فيتامين د من المصادر الحيوانية.

• الأشخاص الذين يتناولون أدوية معينة تؤثر على امتصاص الفيتامين، مثل مضادات التشنج ومدرات البول.

طرق التشخيص

يُشخّص نقص فيتامين د من خلال فحص دم بسيط يُعرف بقياس مستوى 25-هيدروكسي فيتامين د (25(OH)D). ويُعد المستوى الطبيعي بين 30 إلى 100 نانوغرام/مل. أما إذا كان أقل من 20 نانوغرام/مل، فإنه يُعتبر نقصًا واضحًا، وقد تُظهر بعض الحالات أعراضًا ملحوظة، ومنها الحكة الجلدية.

العلاج والوقاية

تعتمد استراتيجية العلاج على درجة النقص ووجود الأعراض المصاحبة له. وتتضمن الوسائل التالية:

• التعرض المنتظم لأشعة الشمس لمدة 10-30 دقيقة يوميًا، وخصوصًا في أوقات الذروة مع حماية البشرة من الحروق.

• تناول مكملات فيتامين د بجرعات يحددها الطبيب بناءً على نتائج الفحص.

• تناول أطعمة غنية بفيتامين د مثل السلمون، الماكريل، صفار البيض، كبد البقر، والفطر المعرض للأشعة فوق البنفسجية.

• ترطيب الجلد بانتظام باستخدام كريمات تحتوي على مواد مرطبة ومضادة للالتهاب.

• تجنب المواد الكيميائية والملابس التي تسبب التهيج الجلدي.

• استخدام علاجات موضعية مضادة للحكة عند الحاجة، بعد التشخيص الطبي.

خاتمة علمية

الحكة الجلدية قد تكون واحدة من العلامات غير التقليدية لنقص فيتامين د، خاصة إذا ترافقت مع أعراض أخرى تدل على نقص هذا الفيتامين الحيوي. وعلى الرغم من أن الحكة ليست عرضًا تشخيصيًا مميزًا لنقص فيتامين د، فإن ارتباطها باضطرابات الجلد مثل الجفاف، الإكزيما، والصدفية يدعم فرضية أن فيتامين د يلعب دورًا في التحكم بالراحة الجلدية. من هنا، فإن تقييم مستويات هذا الفيتامين في المرضى الذين يعانون من حكة غير مفسرة قد يكون خطوة فعالة نحو التشخيص والعلاج.

المراجع العلمية:

1. Holick MF. Vitamin D deficiency. New England Journal of Medicine. 2007;357(3):266–281.

2. Peroni DG, Piacentini GL, Cametti E, et al. Correlation between serum 25-hydroxyvitamin D levels and severity of atopic dermatitis in children. British Journal of Dermatology. 2011;164(5):1078–1082.