نقص فيتامين د وتساقط الشعر

نقص فيتامين د وتساقط الشعر: العلاقة، الأعراض، والعلاج الشامل

يُعد فيتامين د من العناصر الغذائية الحيوية التي تلعب دورًا مهمًا في تنظيم وظائف الجسم المختلفة، ومن بينها الحفاظ على صحة الجلد والشعر. وعلى الرغم من شهرته بدوره في تقوية العظام وامتصاص الكالسيوم، إلا أن العلاقة بين نقصه ومشاكل الشعر – لا سيما تساقط الشعر – بدأت تكتسب اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تزايد حالات نقص هذا الفيتامين حول العالم. يتسبب نقص فيتامين د في اضطراب وظائف بصيلات الشعر، مما يؤدي إلى تباطؤ في دورة نمو الشعر أو حتى توقفها، وهو ما يفسر حالات التساقط المزمن وغير المفسر لدى العديد من الأفراد.

يُقدر أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون من نقص فيتامين د بدرجات متفاوتة، ويشمل ذلك سكان المناطق المشمسة، ما يدل على أن العوامل البيئية وحدها لا تكفي للوقاية من هذا النقص. وتعد مشكلات الشعر من أولى الأعراض الملاحظة لدى النساء بشكل خاص، حيث يُعتبر تساقط الشعر من أول العلامات السريرية التي تُشير إلى وجود خلل داخلي في توازن العناصر الغذائية.

أهمية فيتامين د لنمو الشعر

الشعر ليس مجرد مظهر جمالي، بل هو انعكاس دقيق لصحة الجسم الداخلية. ونظرًا لأن بصيلات الشعر تعتبر خلايا نشطة وتتطلب دعمًا غذائيًا مستمرًا، فإن أي اضطراب في المغذيات يؤثر مباشرة على قوة ونمو الشعر.

يقوم فيتامين د بعدة أدوار رئيسية في دعم صحة الشعر، من أبرزها:

• تنشيط بصيلات الشعر: يحتوي الجلد على مستقبلات لفيتامين د، وعندما يرتبط هذا الفيتامين بها، فإنه يُحفز الخلايا الجذعية في بصيلات الشعر على الدخول في مرحلة النمو النشط (Anagen Phase).

• منع الالتهاب الجلدي: يعمل فيتامين د كمضاد طبيعي للالتهابات، ما يساهم في حماية فروة الرأس من الالتهابات المزمنة التي قد تؤدي إلى إضعاف الشعر وتساقطه.

• دعم الجهاز المناعي: بما أن العديد من حالات تساقط الشعر المزمن ترتبط بأمراض المناعة الذاتية (مثل الثعلبة)، فإن دعم المناعة بفيتامين د يساهم في تقليل الهجمات المناعية على بصيلات الشعر.

آليات تأثير نقص فيتامين د على الشعر

عند انخفاض مستويات فيتامين د في الجسم، تتعطل العمليات الحيوية داخل بصيلات الشعر، وهو ما يؤدي إلى تساقط الشعر وضعفه. يمكن تلخيص الآليات المرضية التي تربط بين نقص فيتامين د وتساقط الشعر في الآتي:

1. فقدان توازن دورة حياة الشعرة: عادةً ما تمر الشعرة بثلاث مراحل: النمو (Anagen)، التراجع (Catagen)، والراحة (Telogen). نقص فيتامين د قد يتسبب في تباطؤ أو توقف مرحلة النمو، مما يؤدي إلى دخول الشعرة مبكرًا في مرحلة الراحة ثم التساقط.

2. زيادة نشاط الجذور الحرة: نقص فيتامين د يضعف من قدرات الجسم المضادة للأكسدة، ما يسبب تراكم الجذور الحرة في فروة الرأس، وهي مركبات تؤدي إلى تلف بصيلات الشعر.

3. اضطراب عمل مستقبلات فيتامين د في بصيلات الشعر: هذه المستقبلات تلعب دورًا في تحفيز الجينات المسؤولة عن النمو، ونقص الفيتامين يعيق هذه العمليات على المستوى الخلوي.

4. زيادة الالتهاب في فروة الرأس: نقص فيتامين د قد يؤدي إلى فرط إنتاج السيتوكينات الالتهابية، والتي قد تهاجم بصيلات الشعر وتؤثر سلبًا على كثافته ولمعانه.

أنواع تساقط الشعر المرتبطة بنقص فيتامين د

ترتبط بعض الأنواع الشائعة من تساقط الشعر بشكل مباشر أو غير مباشر بنقص فيتامين د، ومن أبرز هذه الأنواع:

العوامل المؤثرة في نقص فيتامين د

هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في انخفاض مستوى فيتامين د في الجسم، وتشمل:

• قلة التعرض لأشعة الشمس: يعتبر التعرض لأشعة الشمس المصدر الأساسي لتكوين فيتامين د في الجلد، لذا فإن الابتعاد عنها أو استخدام واقيات الشمس باستمرار يُقلل من فرص إنتاجه.

• الموقع الجغرافي: سكان المناطق الباردة أو الغائمة أكثر عرضة لنقص فيتامين د.

• لون البشرة الداكن: البشرة الغامقة تحتوي على نسب أعلى من الميلانين، مما يُقلل من قدرة الجلد على إنتاج فيتامين د.

• زيادة الوزن أو السمنة: فيتامين د من الفيتامينات الذائبة في الدهون، وتخزينه في الدهون الزائدة يقلل من توفره الحيوي في الدم.

• نقص الامتصاص المعوي: كما في حالات متلازمة الأمعاء الالتهابية أو أمراض الكبد والكلى التي تؤثر على امتصاص أو تفعيل فيتامين د.

• الحمل والرضاعة: السيدات الحوامل والمرضعات يستهلكن كميات أكبر من فيتامين د، ما يجعلهن أكثر عرضة لنقصه.

أعراض نقص فيتامين د المرتبطة بالشعر

قد لا يلاحظ الشخص أن السبب الحقيقي وراء تساقط شعره المزمن هو نقص فيتامين د، خاصة في حال غياب الأعراض الكلاسيكية مثل هشاشة العظام أو آلام العضلات. ولكن الأعراض التالية قد تكون مؤشرًا:

• تساقط شعر مفرط ومتناثر دون سبب واضح

• ظهور بقع فارغة أو مناطق خفيفة في فروة الرأس

• بطء نمو الشعر بعد القص

• ترقق الشعرة وضعفها بشكل ملحوظ

• بهتان لون الشعر وفقدانه للمعان الطبيعي

تشخيص نقص فيتامين د كمسبب لتساقط الشعر

يتم التشخيص من خلال اختبار دم بسيط لقياس تركيز فيتامين د، وتحديد ما إذا كان المستوى طبيعيًا أم لا. وفقًا للمعايير الطبية، يتم تصنيف مستويات فيتامين د كما يلي:

بجانب التحاليل المخبرية، يُجرى تقييم شامل للتاريخ المرضي، النظام الغذائي، والتعرض للشمس.

سبل علاج تساقط الشعر الناتج عن نقص فيتامين د

يُعد تصحيح نقص فيتامين د خطوة أولى وضرورية في علاج تساقط الشعر. يشمل العلاج النقاط التالية:

1. التعرض للشمس

• التعرض لأشعة الشمس المباشرة لمدة 10 إلى 30 دقيقة يوميًا، خاصة في ساعات الصباح، يحفز إنتاج فيتامين د بشكل طبيعي.

• يجب كشف الذراعين والساقين دون واقي شمسي خلال هذه الفترة.

2. المكملات الغذائية

• توصف مكملات فيتامين د حسب شدة النقص، وتتراوح الجرعات بين 1000 – 5000 وحدة دولية يوميًا، وقد تصل إلى 50,000 وحدة أسبوعيًا في حالات النقص الحاد.

• من الضروري تناول المكملات تحت إشراف طبيب، لتجنب فرط الجرعة.

3. الغذاء الغني بفيتامين د

إضافة الأطعمة التالية للنظام الغذائي تساهم في رفع مستوى الفيتامين:

4. الاهتمام بالعناية الموضعية للشعر

• استخدام زيوت طبيعية مثل زيت الخروع وزيت جوز الهند.

• تجنب استخدام المنتجات الكيميائية والصبغات بكثرة أثناء العلاج.

• تدليك فروة الرأس يوميًا لتحفيز الدورة الدموية.

الوقاية من تساقط الشعر المرتبط بنقص فيتامين د

من الضروري الحفاظ على مستوى فيتامين د ضمن المعدلات الطبيعية من خلال استراتيجيات وقائية تشمل:

• التعرض المنتظم لأشعة الشمس

• إجراء فحص دوري لمستوى فيتامين د، خاصة للأشخاص المعرضين للنقص

• اتباع نظام غذائي متوازن وغني بالبروتين والفيتامينات

• تجنب الحميات القاسية أو النقص الغذائي

• تعزيز مناعة الجسم عبر النوم الكافي وتقليل التوتر

الحالات التي تتطلب اهتمامًا خاصًا

• النساء بعد الولادة: يعانين من نقص فيتامين د بشكل شائع، ما يؤدي إلى تساقط الشعر الكربي.

• كبار السن: مع تقدم العمر يقل امتصاص الفيتامين، ما يتطلب تعويضه بمكملات.

• مرضى المناعة الذاتية: مثل مرض الذئبة أو الثعلبة البقعية، حيث يُستخدم فيتامين د كمساعد علاجي.

• ذوي البشرة الداكنة: بسبب قلة إنتاج الفيتامين في الجلد.

الخلاصة

نقص فيتامين د يمثل أحد الأسباب البيولوجية الهامة وراء تساقط الشعر، خاصة في الحالات المزمنة غير المرتبطة بالوراثة أو التغيرات الهرمونية. إن التعامل المبكر مع هذا النقص من خلال الفحص والعلاج المناسب يساهم في استعادة نمو الشعر وتحسين كثافته ولمعانه. كما أن الوعي بأهمية هذا الفيتامين يجب أن يكون جزءًا من أي خطة شاملة للعناية بالشعر، خصوصًا لدى الفئات الأكثر عرضة للنقص.

المراجع:

1. Holick MF. Vitamin D Deficiency. N Engl J Med. 2007;357:266–281.

2. Tripkovic L, et al. Vitamin D and hair disorders. Dermatol Ther. 2017;30(5):e12430.