نقص الصفائح عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج

يُعد نقص الصفائح الدموية (Thrombocytopenia) من الحالات الدموية الشائعة التي قد تصيب الأطفال، وتكمن خطورته في كونه قد يتسبب في نزيف تلقائي، خصوصًا إذا انخفض عدد الصفائح إلى مستويات حرجة. الصفائح الدموية هي خلايا دموية صغيرة غير نووية تُصنع في نخاع العظم وتلعب دورًا حيويًا في عملية تخثر الدم، حيث تتجمع لتكوين سدادة في موقع الإصابة وتمنع النزيف. وعند حدوث نقص في عدد هذه الصفائح، تتعطل قدرة الجسم على وقف النزيف، مما يؤدي إلى أعراض سريرية تتراوح بين البسيطة إلى الخطيرة.

تعريف نقص الصفائح الدموية

نقص الصفائح الدموية عند الأطفال يُعرف على أنه انخفاض عدد الصفائح الدموية في الدم إلى أقل من 150,000 صفيحة لكل ميكروليتر من الدم. وقد يكون النقص بسيطًا أو متوسطًا أو حادًا حسب مستوى الانخفاض، وتتراوح الأعراض تبعًا لشدة النقص وسببه الأساسي. يعتبر الأطفال من الفئات الحساسة، ولذلك فإن تشخيص ومتابعة الحالة بدقة أمر بالغ الأهمية لتجنب المضاعفات المحتملة.

القيم الطبيعية للصفائح الدموية

أنواع نقص الصفائح

ينقسم نقص الصفائح الدموية عند الأطفال إلى ثلاثة أنواع رئيسية حسب آلية حدوثه:

1. نقص إنتاج الصفائح: يحدث عندما يفشل نخاع العظم في إنتاج العدد الكافي من الصفائح، ويكون ذلك نتيجة لأمراض نخاعية مثل فقر الدم اللاتنسجي، سرطان الدم (اللوكيميا)، أو العدوى الفيروسية التي تؤثر على وظيفة النخاع.

2. تدمير الصفائح المُعجّل: في هذه الحالة، يتم إنتاج الصفائح بشكل طبيعي ولكن يتم تدميرها أو استهلاكها بسرعة، كما في حالات اضطرابات المناعة الذاتية مثل فرفرية نقص الصفائح المناعية (ITP).

3. احتباس الصفائح: قد يتم احتجاز الصفائح داخل الطحال كما في حالات تضخم الطحال الشديد، مما يقلل من عدد الصفائح المتاحة في الدورة الدموية.

الأسباب الشائعة لنقص الصفائح عند الأطفال

نقص الصفائح الدموية لا يُعد مرضًا بحد ذاته، بل عرضًا لحالات أخرى متعددة تشمل ما يلي:

1. فرفرية نقص الصفائح المناعية (Immune Thrombocytopenic Purpura – ITP)

وهي من أكثر الأسباب شيوعًا عند الأطفال، وتنتج عن مهاجمة الجهاز المناعي للصفائح الدموية عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى تدميرها في الطحال والكبد. عادةً ما تظهر هذه الحالة بعد عدوى فيروسية حادة، وتكون مؤقتة في معظم الحالات.

2. الالتهابات الفيروسية

بعض الفيروسات مثل فيروس إبشتاين-بار (EBV)، فيروس النكاف، فيروس الجدري المائي (الحماق)، وفيروس نقص المناعة البشري (HIV) قد تؤثر على إنتاج الصفائح أو تسبب تدميرها.

3. الأورام الدموية مثل اللوكيميا

تُعد سرطانات الدم مثل اللوكيميا من الأسباب الهامة لنقص الصفائح، إذ تؤثر على نخاع العظم وتعيق إنتاج خلايا الدم السليمة.

4. الأدوية

بعض الأدوية المستخدمة في علاج الالتهابات أو الأمراض المزمنة قد تسبب تدمير الصفائح كأثر جانبي، مثل بعض المضادات الحيوية، وأدوية الصرع، والعلاج الكيميائي.

5. نقص التغذية

نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية مثل فيتامين B12، حمض الفوليك، والحديد يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في إنتاج الدم، بما في ذلك الصفائح.

6. الأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء الجهازية (SLE)

هذه الحالة تؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة تهاجم أنسجة الجسم المختلفة بما فيها الصفائح الدموية.

7. داء كاواساكي

هو التهاب وعائي يُصيب الأطفال ويؤثر في الأوعية الدموية الصغيرة والمتوسطة، وقد يؤدي إلى نقص الصفائح في بعض الحالات.

8. متلازمة انحلال الدم اليوريمية (HUS)

تُعد من الحالات الطارئة المرتبطة بتدمير خلايا الدم الحمراء ونقص الصفائح، وتؤثر بشكل خاص على الكلى.

الأعراض السريرية لنقص الصفائح عند الأطفال

تعتمد الأعراض على شدة النقص والسبب الكامن وراءه. في حالات النقص البسيط، قد لا تظهر أي أعراض واضحة، ولكن في الحالات المتوسطة إلى الشديدة قد تظهر علامات مقلقة تشمل:

• نزيف الأنف المتكرر

• نزيف اللثة أثناء تنظيف الأسنان

• ظهور كدمات أو نقط حمراء (بتشيا) على الجلد بدون سبب واضح

• نزيف مطول من الجروح البسيطة

• ظهور دم في البول أو البراز

• نزيف داخلي نادر لكنه خطير جدًا في الحالات الشديدة، مثل النزيف الدماغي

طرق التشخيص

تشخيص نقص الصفائح يتطلب تقييمًا دقيقًا يبدأ بالتاريخ الطبي والفحص السريري، ويتبع بمجموعة من الفحوصات المختبرية:

1. تعداد الدم الكامل (CBC): للكشف عن عدد الصفائح الدموية وتقييم خلايا الدم الأخرى.

2. لطاخة الدم المحيطية: تُستخدم لفحص شكل الصفائح وخلايا الدم الحمراء والبيضاء.

3. اختبارات وظائف الكبد والكلى: لتقييم إذا ما كانت هناك أسباب جهازية تؤثر على الصفائح.

4. اختبارات مناعية: للكشف عن وجود أمراض مناعية مثل الذئبة.

5. بزل نخاع العظم: يُجرى في بعض الحالات عندما يُشك بوجود أمراض نخاعية مثل اللوكيميا.

6. الفحوصات الفيروسية: للكشف عن العدوى مثل فيروس EBV أو HIV.

العلاج

يعتمد العلاج على شدة نقص الصفائح وسببها. في كثير من الحالات الخفيفة، خصوصًا المرتبطة بـ ITP الحاد، قد لا يحتاج الطفل لأي علاج وتُراقب الحالة فقط، لكن في الحالات الأخرى، يتضمن العلاج ما يلي:

1. المراقبة والمتابعة

في حالات نقص الصفائح الناتج عن عدوى فيروسية مؤقتة أو ITP غير حاد، يمكن الاكتفاء بالمراقبة المنتظمة دون تدخل علاجي مباشر.

2. الستيرويدات القشرية (Corticosteroids)

تستخدم لتقليل نشاط الجهاز المناعي وتقليل تدمير الصفائح، وغالبًا ما تُعطى عن طريق الفم أو الحقن الوريدي.

3. الغلوبولين المناعي الوريدي (IVIG)

يُستخدم لعلاج ITP في الحالات التي تحتاج إلى رفع سريع لعدد الصفائح، وله تأثير مناعي سريع وفعال.

4. الأدوية المثبطة للمناعة

في الحالات المزمنة التي لا تستجيب للستيرويدات أو IVIG، قد تُستخدم أدوية مثل الريتوكسيماب.

5. استئصال الطحال (Splenectomy)

في حالات ITP المزمنة المقاومة للعلاج، قد يُفكر الأطباء في استئصال الطحال، كونه المكان الرئيسي لتدمير الصفائح الدموية.

6. نقل الصفائح الدموية

يُستخدم في الحالات الحرجة أو في حال حدوث نزيف حاد يهدد الحياة، ويُعد حلًا مؤقتًا لرفع عدد الصفائح.

7. علاج السبب الأساسي

في حال كان نقص الصفائح ناتجًا عن مرض آخر مثل الذئبة أو السرطان، يجب معالجة السبب الأساسي لضمان تحسن عدد الصفائح.

المضاعفات المحتملة

إذا لم يُعالج نقص الصفائح بطريقة مناسبة، قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• نزيف داخلي في الدماغ أو الأعضاء الحيوية

• فقر الدم الناتج عن النزيف المستمر

• ضعف القدرة على التئام الجروح

• القلق النفسي لدى الطفل وذويه نتيجة الأعراض المتكررة

التغذية ودورها في دعم الصفائح

تلعب التغذية دورًا مهمًا في الحفاظ على صحة الجهاز الدموي، وينصح بتضمين الأطعمة الغنية بالعناصر الضرورية لإنتاج الصفائح مثل:

• الأطعمة الغنية بحمض الفوليك: مثل السبانخ، الكبد، والعدس

• الأطعمة الغنية بفيتامين B12: مثل اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان

• الأطعمة الغنية بالحديد: مثل الكبد، السبانخ، واللحوم الحمراء

• فيتامين C: لتحسين امتصاص الحديد ودعم المناعة

الدعم النفسي والاجتماعي

لا يمكن إغفال الجانب النفسي في التعامل مع نقص الصفائح عند الأطفال، حيث يعاني الطفل وأسرته من القلق الدائم بسبب النزيف المتكرر أو العلاجات المتعددة. من المهم إشراك الأسرة في خطة العلاج وتثقيفها حول كيفية التعامل مع الحالة، كما يُنصح بوجود دعم نفسي للأطفال الذين يحتاجون إلى علاجات مزمنة أو طويلة الأمد.

الخلاصة

نقص الصفائح الدموية عند الأطفال حالة طبية تستوجب الاهتمام والتقييم الدقيق. في حين أن العديد من الحالات تكون مؤقتة وتتحسن تلقائيًا، إلا أن هناك حالات قد تكون مؤشرًا لحالة مرضية خطيرة تتطلب علاجًا متخصصًا. التشخيص المبكر، المتابعة الدورية، والعلاج المناسب جميعها تساهم في تقليل المضاعفات وتحسين جودة حياة الطفل المصاب. من المهم كذلك دعم الطفل نفسيًا واجتماعيًا، والتأكد من حصوله على تغذية صحية متوازنة تعزز مناعته وتعزز من إنتاج الصفائح.

المراجع:

1. American Society of Hematology. (2023). Thrombocytopenia in Children.

2. National Heart, Lung, and Blood Institute. (2022). Thrombocytopenia.