نقص الحديد وأثره على الصحة

سيدتي… انتبهي من نقص الحديد

يُعدّ الحديد أحد العناصر المعدنية الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان لأداء وظائفه الحيوية بكفاءة، ولا سيّما لدى النساء، حيث تتعرض النساء بشكل خاص لخطر الإصابة بنقص الحديد نتيجة لفقدان الدم خلال الحيض، والحمل، والرضاعة، والأنظمة الغذائية غير المتوازنة. يُعتبر نقص الحديد من أكثر أنواع نقص المغذيات شيوعًا في العالم، وتكمن خطورته في آثاره الممتدة على الصحة العامة، بدءًا من الشعور بالإرهاق المزمن، وصولًا إلى تدهور في القدرات الإدراكية والمناعية. لذا، يُعدّ الوعي بأهمية الحديد والوقاية من نقصه ضرورة صحية ومجتمعية.

أهمية الحديد في جسم الإنسان

الحديد هو المكوّن الرئيسي للهيموغلوبين، البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء والمسؤول عن نقل الأكسجين من الرئتين إلى أنسجة الجسم. كما يُساهم الحديد في تركيب الميوغلوبين الذي يخزن الأكسجين في العضلات، ويشارك في العديد من التفاعلات الإنزيمية داخل الجسم، بالإضافة إلى دوره في نمو الخلايا ووظيفة الجهاز المناعي.

بدون كميات كافية من الحديد، تقل قدرة الجسم على إنتاج خلايا دم حمراء سليمة، مما يؤدي إلى ما يُعرف بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد، وهو من أكثر المشكلات التغذوية شيوعًا لدى النساء في سن الإنجاب.

العوامل التي تزيد من حاجة المرأة للحديد

1. الدورة الشهرية

فقدان الدم الشهري يجعل النساء أكثر عرضة لفقدان الحديد. وكلما كانت الدورة أكثر غزارة، زادت حاجة الجسم إلى تعويض الفاقد من الحديد.

2. الحمل

خلال الحمل، تتضاعف الحاجة للحديد لتلبية احتياجات الجنين، والمشيمة، وزيادة حجم الدم لدى الأم. عدم كفاية الحديد خلال هذه المرحلة قد يؤدي إلى الولادة المبكرة، وانخفاض وزن المولود، وزيادة خطر الوفاة أثناء الولادة.

3. الرضاعة الطبيعية

في فترة الرضاعة، تستمر حاجة المرأة للحديد لدعم إنتاج الحليب، بالإضافة إلى تعويض ما فقدته أثناء الحمل والولادة.

4. النظام الغذائي النباتي أو السيئ

النساء اللواتي يعتمدن على أنظمة غذائية نباتية بدون تخطيط مناسب، أو من يتبعن حميات غير متوازنة، قد يفتقرن لمصادر الحديد الكافية.

5. التمارين الرياضية المكثفة

النساء النشيطات بدنيًا والرياضيات المحترفات يحتجن لكميات أكبر من الحديد بسبب زيادة التعرّق والتحلل الدموي الناتج عن التمارين المكثفة.

أعراض نقص الحديد

يُعتبر فقر الدم الناتج عن نقص الحديد من الحالات التي تتطور تدريجيًا، حيث قد لا تظهر أعراضه في المراحل الأولى، لكن مع تفاقم النقص، تبدأ مجموعة من الأعراض المقلقة في الظهور، أبرزها:

• إرهاق شديد وضعف عام

• شحوب الجلد والشفتين

• ضيق في التنفس عند بذل مجهود بسيط

• صداع ودوار

• تسارع ضربات القلب

• برودة في اليدين والقدمين

• تكسر الأظافر وتساقط الشعر

• رغبة غير طبيعية في تناول أشياء غير غذائية مثل الثلج أو التراب (البيكا)

• صعوبة في التركيز وضعف في الذاكرة

المضاعفات الصحية لنقص الحديد

إذا لم يُعالج نقص الحديد في الوقت المناسب، فإنه قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، منها:

• فقر الدم المزمن

• ضعف جهاز المناعة وزيادة القابلية للعدوى

• مشكلات في الحمل مثل الولادة المبكرة

• تأخر النمو الذهني والجسدي عند الأطفال

• ضعف الأداء الدراسي والوظيفي

• تفاقم أمراض القلب لدى المصابين بها

تشخيص نقص الحديد

يعتمد التشخيص على التاريخ الطبي والفحص السريري واختبارات الدم، مثل:

• تحليل تعداد الدم الكامل (CBC)

• مستوى الفيريتين (بروتين مخزن للحديد)

• مستوى الحديد في الدم

• قدرة ربط الحديد الكلية (TIBC)

من المهم إجراء الفحوصات عند الشك في وجود نقص، خاصة عند ظهور الأعراض أو وجود عوامل خطر.

الوقاية من نقص الحديد

1. التغذية السليمة

الحصول على الحديد من المصادر الغذائية هو الخطوة الأولى للوقاية من نقصه. هناك نوعان من الحديد الغذائي:

• الحديد الهيمي (Heme Iron): يوجد في المصادر الحيوانية مثل اللحوم الحمراء والكبد والدواجن والأسماك، ويُمتص بسهولة أكبر من قبل الجسم.

• الحديد غير الهيمي (Non-Heme Iron): يوجد في المصادر النباتية مثل العدس، والفاصولياء، والسبانخ، والبذور، والمكسرات، ولكنه أقل امتصاصًا.

2. تعزيز امتصاص الحديد

بعض العوامل تُساعد على زيادة امتصاص الحديد، مثل:

• تناول فيتامين C مع الوجبة (مثل البرتقال أو الفلفل الأحمر).

• تجنّب شرب الشاي أو القهوة أثناء الوجبة لأنهما يحتويان على التانينات التي تعيق امتصاص الحديد.

• تجنّب تناول مكملات الكالسيوم مع الحديد في الوقت نفسه.

3. تناول مكملات الحديد عند الحاجة

بناءً على التقييم الطبي، قد يُنصح باستخدام مكملات الحديد، خاصة أثناء الحمل أو بعد الولادة أو بعد العمليات الجراحية أو في حال التشخيص بنقص الحديد المؤكد.

دور الحديد في الصحة النفسية والإدراكية

تشير الدراسات إلى أن نقص الحديد لا يؤثر فقط على الصحة الجسدية، بل يمتد ليشمل الصحة النفسية والعقلية، حيث يرتبط بانخفاض مستويات الطاقة، والاكتئاب، واضطرابات النوم، وتراجع في الأداء الذهني.

وتُعتبر النساء العاملات، وطالبات الجامعات، والأمهات الجديدات من أكثر الفئات عرضة لهذا النوع من التأثير، ما يُبرز الحاجة للانتباه المبكر للنقص والتدخل الغذائي أو الطبي في الوقت المناسب.

جدول يوضح مصادر الحديد الهامة ومحتواها التقريبي:

الفئات الأكثر حاجة للمراقبة

– النساء في سن الإنجاب: بسبب الحيض والحمل.

– النساء الحوامل والمرضعات: لأن احتياج الجسم للحديد يتضاعف.

– النساء المصابات بأمراض مزمنة: مثل أمراض الكلى أو مشاكل الجهاز الهضمي التي تؤثر على الامتصاص.

– النساء النباتيات: لافتقار النظام النباتي للحديد الهيمي.

– النساء اللاتي تبرعن بالدم باستمرار: ما يزيد من خسارة الحديد.

الخاتمة

نقص الحديد ليس مجرد حالة صحية بسيطة يمكن تجاهلها، بل هو تهديد صامت يتسلل بصمت ويؤثر على كل زاوية من زوايا الصحة الجسدية والنفسية للمرأة. وعي المرأة بدورها في حماية صحتها يبدأ من الاهتمام بتغذيتها، والتفاعل الواعي مع إشارات جسمها، والتوجه للفحوصات الطبية عند الحاجة. التغذية المتوازنة ليست رفاهية، بل هي ضرورة وجودية لضمان العافية والقدرة على الاستمرار في أداء الأدوار المتعددة التي تقوم بها المرأة في حياتها اليومية.

المراجع:

1. World Health Organization (WHO), “Iron Deficiency Anaemia: Assessment, Prevention and Control”, 2001.

2. National Institutes of Health (NIH), Office of Dietary Supplements – Iron Fact Sheet for Health Professionals.