نقصان عقل ودين النساء

عنوان المقال:

نقصان عقل ودين النساء: الفهم الصحيح

مقدمة

من أكثر الأحاديث النبوية التي أثارت جدلاً في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية هو ما ورد في صحيح البخاري عن النبي محمد ﷺ أنه قال: “ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن”، وهو حديثٌ صحيح وثابت عن النبي، لكن الفهم الخاطئ له قاد كثيرًا من الناس إلى تبني تصورات ظالمة ومنقوصة بحق المرأة في الإسلام، حتى أصبح يُستَخدم في بعض البيئات لتبرير الانتقاص من المرأة، أو التقليل من قدراتها العقلية والدينية. غير أن التدقيق العلمي والشرعي يُظهر معاني أعمق وأوسع لهذا الحديث، تتجاوز الفهم السطحي القائم على الاجتزاء أو التقليل من شأن المرأة.

النص النبوي وسياقه الكامل

الحديث النبوي الذي يُستند إليه عادةً في هذا السياق ورد في صحيح البخاري ومسلم، وجاء ضمن حديث طويل في مناسبة خطب فيها النبي صلى الله عليه وسلم النساء يوم عيد، فقال:

«يا معشر النساء، تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: ولم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن.»

والحديث لا يمكن فهمه دون النظر في السياق العام الذي قيل فيه، ولا دون الرجوع إلى شروح العلماء والفقهاء الذين أوضحوا المراد من “نقصان العقل والدين” في هذا الحديث.

المعنى اللغوي والشرعي لـ”نقصان العقل”

العقل في اللغة والشرع يُستخدم بمعانٍ متعددة، منها ما يشير إلى القدرة على ضبط الأمور والتدبير، ومنها ما يُشير إلى إدراك المصالح والمفاسد. لكن في سياق الحديث، فالعقل المقصود هو عقل الشهادة، والدليل على ذلك ما ورد في صحيح البخاري نفسه عن النبي ﷺ أنه قال:

“أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قالوا: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها.”

فالحديث يربط نقصان العقل بمسألة الشهادة، لا بالذكاء أو القدرة العقلية العامة. والسبب في أن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل هو أن المرأة في كثير من الأحوال، خاصة في زمن الرسالة، لم تكن منخرطة في الشؤون العامة والمالية كما الرجل، وكانت تغلب عليها العاطفة، ما قد يؤثر في دقة التذكر في بعض القضايا، فجاء الشرع ليراعي هذا بإضافة امرأة ثانية تُذَكِّر الأخرى، كما جاء في آية الدَّين من سورة البقرة: “أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى”.

هذا ليس طعناً في عقل المرأة بمعناه العام أو المعرفي أو العقلي المجرد، بل هو توصيف لحالة جزئية محددة تتعلق بموقف من مواقف الشهادة.

المعنى الشرعي لـ”نقصان الدين”

أما نقصان الدين، فالمقصود به هنا هو التخفيف الشرعي عن المرأة في بعض الفرائض التعبدية، مثل الصلاة والصيام، لا تقصيراً منها ولا ذنبًا تُؤاخذ عليه.

فالمرأة تُمنَع من الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس، ولا تُطالَب بقضائها إلا في حالة الصيام، بينما لا تقضي الصلاة، وهذا نقص بالمعنى العددي للأعمال التعبدية، وليس نقصًا في الإيمان أو في درجة الدين.

قال الإمام النووي في شرحه لحديث نقصان الدين:

“وأما نقصان دينها، فهو تركها الصلاة أيام حيضها، وعدم صيامها في رمضان، وعدم قضاء الصلاة، وهو ليس نقصًا مذمومًا في الحقيقة، لأنه بأمر الشرع، وليس من فعلها.”

وهذا المعنى الشرعي الدقيق يبين أن النقص هنا ليس نقصًا تقصيريًا، بل هو نوع من الرخصة الشرعية التي راعت طبيعة المرأة وحاجتها الفسيولوجية، وهو من مظاهر رحمة الإسلام بها، لا تمييزًا ضدها.

رد على المفاهيم المغلوطة حول الحديث

لقد استُخدم هذا الحديث من قِبل بعض المناوئين للإسلام للتدليل على “تمييز” الإسلام ضد المرأة، وهو استخدام مضلل يتجاهل السياق الشرعي الكامل للنصوص. فالحديث لم يأتِ في معرض التحقير أو الإهانة، بل في سياق دعوي توجيهي هدفه تشجيع النساء على التصدق والعمل الصالح، وجاء بلغة تتضمن ما يسمى بالمجاز العقلي أو البلاغي.

كذلك فإن العلماء الذين شرحوا الحديث أجمعوا على أن المقصود بنقصان العقل والدين ليس ذماً للنساء، بل وصف لحالتهن وفقًا لما راعاه الشرع من طبيعة الخلق والتكليف، دون أن يُنقص من مكانتهن أو قيمتهن.

كما أن الإسلام في المقابل رفع من شأن المرأة في مواضع كثيرة، وأعطاها حقوقًا لم تكن تُمنح لها في أي منظومة اجتماعية معاصرة في ذلك العصر، بل جعل من النساء عالمات ومربيات وفقيهات، وشاركن في ميادين الحياة المختلفة، وهو ما يُفنّد أي دعوى بأن هذا الحديث كان سببًا في تقييد دور المرأة أو تهميشها.

تفسير كبار العلماء لهذا الحديث

جاء في “فتح الباري” لابن حجر العسقلاني:

“نقصان عقلها من جهة عدم ضبطها للشهادة؛ وذلك من أجل غلبة العاطفة وضعف التجربة، ونقصان دينها من جهة عدم صلاتها وصومها في أيام الحيض، وليس المراد نقصًا في ذاتها أو تقصيرًا منها، بل هو بحكم الطبيعة والتكليف.”

أما الإمام ابن تيمية فبيّن في “مجموع الفتاوى” أن:

“المرأة ليست أنقص عقلاً على وجه الإطلاق، بل في بعض المواضع؛ ولذلك نجد كثيرًا من النساء يفوقن الرجال في الذكاء والفطنة، ولكن الشارع راعى الغالب، فجعل شهادتها على النصف.”

المرأة في ضوء الشريعة الإسلامية

لا يمكن الحكم على مكانة المرأة في الإسلام من حديث واحد دون فهم باقي المنظومة الشرعية المتكاملة. فالمرأة في الإسلام:

• شريكة للرجل في التكليف والجزاء (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).

• لها الحق في العلم والتعليم، كما كانت الصحابيات يطلبن العلم من النبي ﷺ.

• لها ذمة مالية مستقلة، ولها حق الإرث والتملك والبيع والشراء.

• تُكرم زوجة وأمًّا وبنتًا، بل جعل النبي ﷺ “أمك ثم أمك ثم أمك” في البر قبل الأب.

• كانت النساء يشاركن في الحياة الاجتماعية والسياسية كما في قصة البيعة والمشورة.

إذاً، تصوير الإسلام على أنه يصف المرأة بالنقص والضعف الذاتي هو تصوير معكوس وخاطئ للحقائق، لا يستند إلى فقه النصوص، بل إلى اجتزاء مغرض.

جدول يوضح الفرق بين نقصان العقل والدين في المعنى الشرعي

خاتمة

الحديث الشريف عن نقصان عقل ودين النساء لا يُفهم إلا بفهم شمولي لنصوص الشريعة وسياقاتها، ومقاصد التشريع، ومن خلال شرح العلماء الراسخين في العلم الذين بيّنوا أنه لا يعني الانتقاص من كرامة المرأة ولا عقلها، وإنما هو توصيف واقعي لحالات جزئية، روعيت فيها طبيعة المرأة واختصاصاتها. وما دام الإسلام قد ساوى بين الرجال والنساء في الكرامة الإنسانية، والتكليف الشرعي، والثواب الأخروي، فإن أي تأويل للنصوص ينتقص من المرأة أو يسيء إليها هو تأويل منقوص غير منصف.

المراجع

1. صحيح البخاري – كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم.

2. فتح الباري شرح صحيح البخاري – ابن حجر العسقلاني.