كيف أتعامل مع الطفل كثير الحركة؟
من أبرز التحديات التي قد تواجهها الأمهات والآباء في تربية أطفالهم هو التعامل مع الأطفال كثيري الحركة. هذا النوع من الأطفال قد يشعر الوالدان بالقلق أو الإحباط بسبب تصرفاتهم المتسارعة، والتي قد تكون مزعجة أو غير متوقعة في بعض الأحيان. إن فهم الأسباب التي تقف وراء فرط الحركة وتبني استراتيجيات تربوية فعّالة يمكن أن يساعد في تحويل هذه الطاقة الزائدة إلى سلوكيات إيجابية ومنتجة.
أولًا: ما هي فرط الحركة؟
فرط الحركة هو حالة يتسم فيها الطفل بزيادة ملحوظة في مستوى النشاط البدني مقارنة بالأطفال في مثل سنه. قد يظهر الطفل كثير الحركة في تصرفات مثل الركض المستمر، القفز، اللعب المفرط، والتنقل من مكان لآخر دون توقف. في بعض الحالات، يكون الطفل مصابًا باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، حيث يظهر هذا السلوك بشكل مكثف ويؤثر على الأنشطة اليومية مثل الدراسة، التفاعل الاجتماعي، والراحة النفسية.
لكن من المهم أن نعرف أن جميع الأطفال يظهرون نوعًا من النشاط الزائد في فترات مختلفة من حياتهم، ولا يعني ذلك بالضرورة وجود مشكلة صحية أو سلوكية. هذا النوع من النشاط قد يكون نتيجة للطاقة الطبيعية التي يمتلكها الطفل، أو تعبيرًا عن فضولهم العميق ورغبتهم في استكشاف البيئة من حولهم.
ثانيًا: أسباب فرط الحركة عند الأطفال
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور سلوكيات الحركة الزائدة عند الأطفال، ويمكن تلخيص أهم هذه الأسباب في النقاط التالية:
-
النشاط الطبيعي للأطفال: معظم الأطفال في سن مبكرة يعانون من طاقة مفرطة، وهذا يعد جزءًا طبيعيًا من نموهم. قد يتسم الطفل بهذا السلوك نتيجة لرغبتهم في استكشاف محيطهم والتفاعل مع العالم من حولهم.
-
العوامل الوراثية: تشير الدراسات إلى أن بعض الأطفال قد يرثون هذه السمة من آبائهم أو أقاربهم. إذا كان أحد الوالدين يعاني من فرط النشاط أو اضطرابات مشابهة، قد يكون الطفل أكثر عرضة لهذا السلوك.
-
الاضطرابات النفسية والعصبية: في بعض الحالات، يرتبط فرط الحركة بوجود اضطرابات نفسية أو عصبية مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، الذي يمكن أن يسبب صعوبة في التركيز والانتباه.
-
العوامل البيئية: البيئة التي يعيش فيها الطفل قد تساهم في تعزيز السلوك الحركي الزائد. مثلًا، التوترات العائلية، أو البيئة المدرسية المليئة بالضغوط قد تؤدي إلى تفاقم هذه السلوكيات.
-
التغذية والهرمونات: نقص بعض العناصر الغذائية مثل الزنك والحديد أو الاضطرابات الهرمونية قد تلعب دورًا في فرط الحركة. كما أن تناول السكريات والأطعمة المعالجة قد يؤدي إلى زيادة في مستويات النشاط.
-
التكنولوجيا والتعرض المفرط للشاشات: في عصرنا الحالي، يتعرض الأطفال للعديد من وسائل الترفيه الرقمية مثل الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والألعاب الإلكترونية. هذه الأجهزة قد تؤدي إلى تحفيز مفرط للدماغ، مما يعزز من النشاط الزائد والتشتت.
ثالثًا: استراتيجيات التعامل مع الطفل كثير الحركة
-
الاستماع الجيد والتفاعل معه:
في البداية، من المهم أن يستمع الوالدان إلى طفلهم بعناية ويحاولان فهم احتياجاته وأسبابه وراء سلوكه. إذا كانت الحركة الزائدة ناتجة عن رغبة في اللعب أو الاستكشاف، فيجب على الأهل توفير بيئة آمنة تشجع الطفل على النشاط ولكن بشكل متوازن. على سبيل المثال، توفير وقت للعب في الهواء الطلق أو الأنشطة البدنية التي تشبع طاقته. -
تحديد الروتين اليومي:
إن وجود روتين يومي منظم يساعد الطفل على فهم التوقعات والحدود التي يجب أن يتبعها. الروتين المنتظم يساهم في تهدئة الطفل وتقليل شعوره بالاضطراب. كما أن الروتين يمنح الطفل شعورًا بالأمان والاستقرار، مما يساعده في تقليل التصرفات العشوائية. -
تحفيز النشاط البدني:
من الضروري أن يجد الطفل منفذًا لطاقة الجسم الزائدة. يُفضل تخصيص وقت يومي لممارسة الأنشطة الرياضية مثل الجري، السباحة، أو الألعاب الجماعية. يمكن أن تساعد هذه الأنشطة في تقليل فرط الحركة وتحسين التركيز. -
تعليم مهارات التحكم في النفس:
يمكن للأطفال تعلم كيفية التحكم في نشاطهم الزائد من خلال تقنيات التنفس العميق أو الاسترخاء. تعليم الطفل كيفية التنفس بعمق عندما يشعر بالإثارة يمكن أن يساعده في تهدئة نفسه. كما يمكن أن تكون تقنيات التأمل أو اليوغا مفيدة في بعض الحالات. -
استخدام أسلوب التعزيز الإيجابي:
من الأفضل تعزيز السلوكيات الجيدة بدلاً من التركيز فقط على السلوكيات السلبية. عندما يظهر الطفل سلوكًا هادئًا أو يتبع التعليمات، يجب تقديم المكافآت والتشجيع. يمكن أن تكون المكافآت بسيطة مثل المديح أو وقت إضافي للعب. -
الحد من المثيرات البيئية:
في بعض الأحيان، تكون البيئة المليئة بالمثيرات مثل الأصوات العالية، الشاشات المضيئة، أو الضغوطات اليومية، من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة نشاط الطفل. لذا، من المفيد تقليل المثيرات المحيطة به وتوفير بيئة هادئة تساعده على الاسترخاء. -
العمل مع المتخصصين:
في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر مساعدة متخصصين في علم النفس أو التربية. يساعد الأطباء والمعالجون النفسيون في تشخيص الاضطرابات المحتملة مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) وتقديم العلاجات المناسبة. قد يشمل العلاج سلوكيات تعديل السلوك، أو استخدام الأدوية في الحالات الشديدة. -
التحلي بالصبر والتفاهم:
التحلي بالصبر والتفاهم مع الطفل هو جزء أساسي من التعامل مع فرط الحركة. الأطفال كثيرو الحركة قد يعانون من صعوبة في السيطرة على أنفسهم أو قد يشعرون بالإحباط نتيجة للعواقب التي يواجهونها. من المهم أن يتعامل الوالدان معهم بحب واحتواء، وتجنب العقوبات القاسية.
رابعًا: تأثير فرط الحركة على الحياة اليومية
قد يؤثر فرط الحركة على جوانب عدة من حياة الطفل اليومية، سواء في المدرسة أو في التفاعلات الاجتماعية أو في الأنشطة العائلية. على سبيل المثال، قد يواجه الطفل صعوبة في التركيز في الفصل الدراسي، مما يؤثر على تحصيله الأكاديمي. كما قد يعاني من صعوبة في بناء علاقات مع أقرانه نتيجة لتصرفاته المفرطة. من ناحية أخرى، قد تؤدي سلوكيات فرط الحركة إلى توتر في العلاقات العائلية بسبب التحديات المستمرة في التعامل مع هذا النشاط الزائد.
ومع ذلك، إذا تم التعامل مع فرط الحركة بشكل صحيح، يمكن أن تكون هذه الطاقة الزائدة مصدراً للنجاح إذا تم توجيهها بشكل إيجابي. فالطفل الذي يمتلك مستوى عالٍ من النشاط قد يصبح في المستقبل قائدًا، رياضيًا، أو مبتكرًا إذا تمت تنمية هذه الطاقة في الاتجاه الصحيح.
خامسًا: خلاصة
التعامل مع الطفل كثير الحركة يتطلب فهماً عميقاً لاحتياجاته ومتطلباته. من خلال تبني استراتيجيات تربوية مرنة ومناسبة، يمكن للوالدين مساعدة طفلهم على تنمية مهارات التحكم في النفس، وتحقيق توازن بين النشاط والراحة. التعامل مع هذه الحالة بوعي وحب يوفر بيئة مثالية للنمو العقلي والبدني للطفل، مما يسهم في بناء شخصية مستقرة ومتوازنة في المستقبل.
