نظام الحكم في الجزائر

تعد الجزائر من الدول التي تتمتع بنظام حكم جمهوري، حيث تنص الدساتير المتعاقبة منذ الاستقلال عام 1962 على أن الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة، وشعبها هو مصدر كل سلطة. يُعتبر النظام السياسي الجزائري مركّباً من حيث البنية، إذ يتداخل فيه البعد الرئاسي القوي مع بعض مظاهر التعددية السياسية التي تعززت منذ نهاية الثمانينيات. ومع أن النظام يعلن عن نفسه كديمقراطي، إلا أن الواقع العملي يكشف عن تمركز كبير للسلطة في يد رئيس الجمهورية، مع أدوار متفاوتة لباقي المؤسسات.

في هذا المقال سيتم استعراض مكونات النظام السياسي الجزائري وبنيته الدستورية والقانونية، وطبيعة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، مع التركيز على العلاقة بين المؤسسات، وطبيعة الحياة السياسية، والأحزاب، ومكانة الجيش، ومدى تفاعل الدولة الجزائرية مع مقتضيات الحكم الرشيد وفصل السلطات.

الخلفية الدستورية لنظام الحكم

يعتمد النظام السياسي الجزائري على دستور هو المرجعية القانونية الأعلى في البلاد. وقد شهدت الجزائر عدة تعديلات دستورية مهمة منذ الاستقلال، أبرزها تلك التي جرت في أعوام 1976، 1989، 1996، 2008، 2016، وأخيرًا 2020. وتُظهر هذه التعديلات تطوراً في بنية النظام السياسي وتفاعلاً مع المستجدات السياسية الداخلية والخارجية.

ينص الدستور الحالي (تعديل 2020) على أن الجزائر جمهورية ديمقراطية ذات سيادة، تقوم على احترام الحريات وحقوق الإنسان والتعددية السياسية وفصل السلطات. كما يحدد الدستور شكل النظام الجمهوري ويمنع تغييره، ويؤكد أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، مع الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية ورسمية أيضًا.

السلطة التنفيذية

رئيس الجمهورية

رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، وهو المنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، حسب دستور 2020. يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة تجعل من النظام أقرب إلى النظام الرئاسي، رغم وجود بعض عناصر النظام البرلماني.

من أبرز صلاحيات رئيس الجمهورية:

• تعيين الوزير الأول أو رئيس الحكومة.

• تعيين الوزراء بعد التشاور مع الوزير الأول أو رئيس الحكومة.

• تولي القيادة العليا للقوات المسلحة.

• رئاسة المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء.

• إمكانية حل البرلمان.

• إصدار الأوامر والمراسيم الرئاسية.

• الدعوة إلى الاستفتاء الشعبي.

• إعلان حالة الطوارئ أو الحصار أو حالة الاستثناء بعد استشارة المؤسسات الدستورية.

ويجدر بالذكر أن رئيس الجمهورية يملك كذلك سلطة تعيين كبار المسؤولين في الدولة، ومن ضمنهم الولاة والسفراء ورؤساء المؤسسات الكبرى.

الحكومة

تتكون الحكومة من الوزير الأول (أو رئيس الحكومة حسب طبيعة الأغلبية البرلمانية)، والوزراء وكتاب الدولة. وتعد مسؤولة عن تنفيذ السياسات العامة للدولة، وهي مسؤولة أمام رئيس الجمهورية وأمام البرلمان.

في حال كانت الأغلبية البرلمانية موالية للرئيس، يعين وزير أول. وإذا كانت معارضة، يُعيّن رئيس حكومة من الأغلبية. ويقدم الوزير الأول أو رئيس الحكومة برنامجه أمام المجلس الشعبي الوطني لنيل الثقة، وفي حال الرفض يقدم استقالته ويتم تشكيل حكومة جديدة.

السلطة التشريعية

تتمثل السلطة التشريعية في البرلمان الوطني الذي يتكون من غرفتين:

المجلس الشعبي الوطني

يُنتخب أعضاؤه بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، ويضم 407 عضواً. يمارس المجلس الشعبي الوطني مهام التشريع والمراقبة السياسية، وله الحق في اقتراح القوانين ومناقشتها والتصويت عليها، كما يشارك في مناقشة السياسة العامة للدولة.

مجلس الأمة

يتكون من أعضاء يُنتخب ثلثاهم من بين ممثلي المجالس المحلية، ويُعين الثلث الباقي من قبل رئيس الجمهورية. يتمتع بصلاحيات أقل من المجلس الشعبي الوطني، ويمارس دوره في مراجعة مشاريع القوانين المصادق عليها من طرف المجلس الشعبي.

البرلمان الجزائري يتمتع بصلاحيات تشريعية مهمة، لكن ممارسته الفعلية لهذه الصلاحيات تتأثر بتمركز السلطة في يد رئيس الجمهورية وهيمنة الجهاز التنفيذي.

السلطة القضائية

ينص الدستور على استقلالية القضاء، ويُعتبر المجلس الأعلى للقضاء الهيئة العليا التي تشرف على شؤون القضاة، ويرأسه رئيس الجمهورية بصفته الضامن لاستقلال القضاء.

تتكون السلطة القضائية من محاكم ابتدائية، ومحاكم الاستئناف، ومجالس قضائية، إضافة إلى المحكمة العليا ومجلس الدولة. كما يوجد أيضًا المحكمة الدستورية التي أنشئت بموجب تعديل 2020 لتحل محل المجلس الدستوري، وتُعنى بمراقبة دستورية القوانين والانتخابات.

رغم التنصيص الدستوري على الاستقلالية، فإن السلطة القضائية ما زالت تواجه تحديات تتعلق بالضغوط السياسية، وغياب ضمانات كافية لحماية القضاة من تدخلات السلطة التنفيذية.

الأحزاب السياسية والنظام الانتخابي

شهدت الجزائر تعددية حزبية منذ إقرار دستور 1989، الذي أنهى نظام الحزب الواحد بقيادة جبهة التحرير الوطني. وتأسست عشرات الأحزاب السياسية منذ ذلك الحين، مع اختلاف في مدى تأثيرها وقدرتها على الوصول إلى السلطة.

من أبرز الأحزاب السياسية:

• جبهة التحرير الوطني (FLN): الحزب الحاكم تاريخيًا.

• التجمع الوطني الديمقراطي (RND): حزب موالٍ للسلطة، أسس عام 1997.

• حركة مجتمع السلم (حمس): ذات توجه إسلامي معتدل.

• جبهة القوى الاشتراكية (FFS) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (RCD): أحزاب علمانية معارضة.

• حزب العمال وحركة البناء الوطني وغيرهم.

النظام الانتخابي يعتمد التمثيل النسبي، وتُجرى الانتخابات بإشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أُنشئت في 2019 في إطار الإصلاحات بعد الحراك الشعبي.

رغم التعدد الحزبي، فإن هيمنة أحزاب الموالاة، وضعف استقلالية المؤسسات، وتهميش المعارضة السياسية، تحدّ من فعالية الحياة الحزبية.

الحراك الشعبي وإصلاحات ما بعد 2019

في فبراير 2019، اندلعت حركة احتجاجية سلمية عارمة سُميت بـ”الحراك الشعبي”، رافضة ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. وقد تمكن الحراك من فرض تغييرات سياسية كبيرة، أبرزها استقالة بوتفليقة وتعديل الدستور.

أبرز الإصلاحات التي تلت الحراك:

• اعتماد دستور جديد في نوفمبر 2020.

• تقليص عدد الولايات للعهدات الرئاسية.

• إنشاء المحكمة الدستورية بدلاً من المجلس الدستوري.

• تعزيز استقلالية القضاء.

• فرض قيود على ازدواجية الجنسية في مناصب المسؤولية العليا.

• تعيين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية في حال عدم توافقها مع الرئيس.

رغم هذه الإصلاحات، يرى كثير من المراقبين أنها لم تمس جوهر النظام السياسي الذي ما زال يرتكز على سلطة رئاسية قوية، مع استمرار نفوذ المؤسسة العسكرية ومحدودية التعددية السياسية الحقيقية.

دور الجيش في السياسة

الجيش الوطني الشعبي يُعتبر لاعبًا أساسيًا في النظام السياسي الجزائري منذ الاستقلال. وقد لعب دورًا بارزًا في صنع القرار السياسي، بدءًا من دعم وصول بومدين إلى السلطة، مرورًا بإلغاء المسار الانتخابي في 1992، وانتهاءً بدوره في استقالة بوتفليقة عام 2019.

رغم النصوص التي تؤكد مهنية الجيش وابتعاده عن السياسة، فإن الواقع يعكس تأثيرًا قويًا للمؤسسة العسكرية في التوجيه السياسي، والتأثير في اختيار الرؤساء، وفي التعامل مع الأزمات الكبرى. ويُنظر إلى الجيش على أنه الضامن الأول لاستقرار النظام.

الإدارة المحلية والحكم اللامركزي

يتكون التنظيم الإداري في الجزائر من ولايات (58 ولاية حاليًا)، ودوائر، وبلديات. وتُعتبر البلدية والولاية وحدتين أساسيتين في الحكم المحلي، حيث يتم انتخاب المجالس البلدية والولائية عبر اقتراع شعبي مباشر.

ومع أن الدستور ينص على اللامركزية والتمكين المحلي، فإن الصلاحيات الممنوحة للمنتخبين المحليين تبقى محدودة، بسبب مركزية القرار في يد الدولة والسلطات الإدارية المعينة، خصوصًا الولاة الذين يتم تعيينهم من طرف رئيس الجمهورية.

الإعلام والمجتمع المدني

شهد الإعلام في الجزائر تطورًا منذ بداية التسعينيات، خاصة بعد السماح بظهور صحف مستقلة. إلا أن الدولة لا تزال تمارس رقابة صارمة، ويسيطر النظام على الإعلام العمومي، في حين تعاني وسائل الإعلام الخاصة من الضغوط والقيود.

المجتمع المدني يواجه عراقيل كثيرة، إذ تخضع الجمعيات لترخيص مسبق، ويُقيد نشاطها، خصوصًا في ما يتعلق بالقضايا السياسية أو الحقوقية. رغم ذلك، أظهر الحراك الشعبي حيوية المجتمع الجزائري وقدرته على التنظيم والتعبير عن مطالبه.

التحديات المستقبلية لنظام الحكم

يواجه النظام السياسي الجزائري تحديات بنيوية تتعلق بغياب الثقة بين الشعب والسلطة، وضعف الأداء الاقتصادي، والفساد، وعدم فعالية مؤسسات الرقابة. وتُطالب قطاعات واسعة من الشعب بتعزيز استقلالية القضاء، وتكريس مبدأ فصل السلطات، وضمان نزاهة الانتخابات، وحرية التعبير.

التحول نحو نظام ديمقراطي فعلي يتطلب إصلاحات عميقة تمس جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتمكين الأحزاب السياسية، وضمان مشاركة فعلية للمواطنين في الشأن العام.

جدول مقارنة بين السلطات في النظام السياسي الجزائري

الخلاصة

يعكس نظام الحكم في الجزائر مزيجًا من الرئاسية والبرلمانية، حيث تحتل السلطة التنفيذية، وخصوصًا رئاسة الجمهورية، موقعًا مهيمنًا على باقي السلطات. وعلى الرغم من التعديلات الدستورية التي تهدف إلى تعزيز الفصل بين السلطات وتكريس التعددية السياسية، فإن الممارسة الواقعية تكشف عن استمرار الطابع المركزي والعمودي للسلطة.

التحديات السياسية، والمطالب الشعبية المتصاعدة بعد الحراك، تدفع النظام إلى مراجعة خياراته، غير أن الطريق نحو تكريس ديمقراطية حقيقية في الجزائر ما يزال طويلاً ويحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وإصلاحات هيكلية واسعة.

المراجع:

1. دستور الجمهورية الجزائرية (تعديل 2020)، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية.

2. بن يوسف، أحمد (2021). النظام السياسي الجزائري بين النظرية والممارسة. دار خلدون للنشر، الجزائر.