التهاب الأسنان: الأسباب، الأعراض، المضاعفات وطرق العلاج والوقاية

يُعد التهاب الأسنان من المشكلات الصحية الشائعة التي تصيب الأفراد في مختلف المراحل العمرية، وهو من أكثر الأسباب التي تدفع الأشخاص لزيارة طبيب الأسنان. يترافق التهاب الأسنان غالبًا بألم شديد قد يمتد إلى الفك والأذن والرقبة، وقد يؤثر بشكل كبير على جودة حياة المريض وقدرته على تناول الطعام والنوم وحتى التركيز في أعماله اليومية. تتنوع أسباب التهاب الأسنان بين العدوى البكتيرية، والتسوس، والإصابات المباشرة، والإهمال في نظافة الفم، وتلعب عوامل كثيرة دورًا في تطور الحالة، بدءًا من الوراثة وحتى النظام الغذائي ونمط الحياة.

تُعتبر معرفة المسببات والعوامل المساهمة في حدوث التهاب الأسنان أمرًا أساسيًا لتجنبه، كما أن فهم تطور المرض ومراحله يمكن أن يساعد على التدخل المبكر والحد من المضاعفات التي قد تشمل فقدان السن أو انتشار العدوى إلى مناطق أكثر خطورة في الجسم. وسنناقش في هذا المقال الطويل والموسّع كافة الجوانب المتعلقة بالتهاب الأسنان، من تعريفه وأنواعه وأسبابه وأعراضه، مرورًا بالمضاعفات المحتملة وخيارات العلاج المختلفة، وصولًا إلى الاستراتيجيات الفعالة للوقاية طويلة الأمد.

أولًا: تعريف التهاب الأسنان

يُعرف التهاب الأسنان (Tooth Inflammation) بأنه تفاعل التهابي يحدث داخل لب السن أو في الأنسجة المحيطة به نتيجة عدوى بكتيرية أو محفزات خارجية أخرى مثل التسوس العميق أو الصدمات الميكانيكية. يُعتبر لب السن هو النسيج الحي الداخلي الذي يحتوي على الأعصاب والأوعية الدموية، وعند تعرضه للعدوى أو الالتهاب، يسبب ألمًا قد يكون حادًا ومزعجًا للغاية.

ينقسم التهاب الأسنان عمومًا إلى نوعين رئيسيين:

• التهاب لب السن (Pulpitis): التهاب يصيب لب السن الداخلي، وقد يكون قابلًا للعلاج في مراحله الأولى أو يتحول إلى حالة لا يمكن علاجها إلا من خلال إزالة اللب (علاج العصب).

• التهاب ما حول الذروة (Periapical inflammation): وهو الالتهاب الذي يحدث عند قاعدة جذر السن، نتيجة امتداد العدوى من لب السن إلى العظام المحيطة.

ثانيًا: الأسباب الرئيسية لالتهاب الأسنان

تتعدد العوامل التي تؤدي إلى التهاب الأسنان، وتشمل ما يلي:

1. تسوس الأسنان العميق

يعد التسوس السبب الأكثر شيوعًا لالتهاب الأسنان، إذ يبدأ كتآكل بسيط في طبقة المينا ثم يمتد إلى طبقة العاج، ومع غياب العلاج يصل إلى لب السن مسببًا التهابًا مباشرًا في الأنسجة العصبية.

2. الصدمات والكسور

الإصابات المباشرة على الأسنان – نتيجة الحوادث أو السقوط أو أثناء ممارسة الرياضة – قد تؤدي إلى انكشاف لب السن أو تلف الأوعية الدموية داخل السن، ما يحفز الالتهاب.

3. الحشوات العميقة غير الدقيقة

في بعض الحالات، قد تؤدي الحشوات التي توضع بطريقة غير مناسبة إلى تسرب البكتيريا أو الضغط على الأعصاب، مما يؤدي إلى حدوث التهاب.

4. أمراض اللثة

التهابات اللثة غير المعالجة قد تمتد إلى الأنسجة المحيطة بالأسنان وتصل إلى الجذر، مسببةً التهابًا في العظم السنخي وأحيانًا تخلخل السن.

5. التغيرات الحرارية المفاجئة

تناول مشروبات أو أطعمة شديدة السخونة تليها مباشرة مواد شديدة البرودة قد يؤدي إلى تهيج العصب داخل السن والتسبب في التهابه.

ثالثًا: الأعراض والعلامات السريرية

تختلف شدة الأعراض باختلاف المرحلة التي وصل إليها الالتهاب، ويمكن تصنيفها كما يلي:

في حالات متقدمة قد تترافق الحالة بارتفاع في درجة الحرارة، تضخم في العقد اللمفاوية تحت الفك، وظهور كيسات صديدية حول الجذر.

رابعًا: أنواع التهاب الأسنان من حيث الحالة الإكلينيكية

1. التهاب لب السن القابل للعلاج (Reversible pulpitis):

حالة التهابية مبكرة يمكن علاجها بإزالة المسبب (كالتسوس) وترميم السن دون الحاجة لعلاج العصب.

2. التهاب لب السن غير القابل للعلاج (Irreversible pulpitis):

حالة متقدمة من الالتهاب تتطلب إزالة اللب بالكامل بسبب موت النسيج العصبي بداخله.

3. التهاب ما حول الذروة (Apical periodontitis):

يحدث عندما تصل العدوى إلى نهاية الجذر وتبدأ في التأثير على العظم السنخي المحيط به.

4. خراج الأسنان (Dental abscess):

وهو تجمع صديدي ناتج عن تفاعل الجسم مع البكتيريا في نهاية جذر السن أو في اللثة المجاورة.

خامسًا: المضاعفات المحتملة لالتهاب الأسنان غير المعالج

الإهمال في علاج التهاب الأسنان قد يؤدي إلى تطورات خطيرة، تشمل:

• انتشار العدوى إلى العظم السنخي مسببة التهاب عظم الفك (Osteomyelitis)

• تكوّن خراجات كبيرة قد تمتد إلى الوجه أو الرقبة

• التسبب في تقيح تحت الجلد (Cellulitis) حول الوجه

• التهاب الجيوب الأنفية خاصة في الأسنان الخلفية العلوية

• مضاعفات جهازية مثل التهاب الشغاف القلبي أو العدوى الدموية (Sepsis)

سادسًا: تشخيص التهاب الأسنان

يعتمد التشخيص على عدة وسائل:

• الفحص السريري: يتم تقييم موقع الألم، وفحص تجاويف التسوس، وتورم اللثة أو وجود فتحات لصرف الصديد.

• اختبارات الحرارة والبرودة: للكشف عن مدى تفاعل العصب.

• التصوير بالأشعة السينية: للكشف عن مدى انتشار العدوى إلى الجذر أو العظم.

• اختبارات القرع: لتحديد حساسية السن عند الضغط.

• اختبارات العصب الكهربائي: لقياس استجابة العصب للتيار.

سابعًا: خيارات العلاج المتاحة

يعتمد العلاج على مرحلة الالتهاب ونوعه، وتشمل الخيارات العلاجية:

1. إزالة التسوس وحشو السن

في الحالات المبكرة التي يكون فيها الالتهاب قابلًا للارتجاع، يمكن إزالة الجزء المصاب من السن وتغطيته بحشوة مناسبة.

2. علاج العصب (Root Canal Treatment)

يُعد العلاج الأكثر شيوعًا في حالات التهاب اللب غير القابل للعلاج، حيث يتم إزالة اللب المصاب وتنظيف القنوات الجذرية ثم حشوها بمادة خاصة.

3. خلع السن

عندما تكون حالة السن متدهورة وغير قابلة للإصلاح أو في حال وجود كسر جذري معقد، يتم اللجوء لخلع السن.

4. علاج الخراج

يتضمن تصريف الصديد سواء عن طريق فتحة في السن أو اللثة، مع إعطاء المضادات الحيوية في الحالات المصحوبة بعدوى جهازية.

5. استخدام المضادات الحيوية

يُوصى بها فقط في حالات العدوى الشديدة أو انتشار التورم، ولا تُعتبر علاجًا أساسيًا بحد ذاتها.

ثامنًا: طرق الوقاية الفعالة من التهاب الأسنان

1. العناية اليومية بنظافة الفم

يشمل ذلك تنظيف الأسنان مرتين يوميًا باستخدام معجون يحتوي على الفلورايد، واستخدام خيط الأسنان مرة يوميًا لإزالة بقايا الطعام بين الأسنان.

2. مراجعة دورية لطبيب الأسنان

زيارة الطبيب كل 6 أشهر تساعد على الكشف المبكر عن التسوس أو المشاكل اللثوية قبل تطورها.

3. تقليل استهلاك السكريات

تناول السكريات بشكل مفرط يؤدي إلى تراكم الأحماض المسببة للتسوس، مما يرفع خطر التهاب الأسنان.

4. استخدام غسول فموي مطهر

يساهم في تقليل نمو البكتيريا الفموية ويقلل من الالتهابات.

5. حماية الأسنان من الصدمات

ارتداء واقي الفم أثناء ممارسة الرياضات القتالية أو الرياضات التي تنطوي على مخاطر سقوط أو ضربة مباشرة.

تاسعًا: الفرق بين التهاب الأسنان وألم الأسنان الناتج عن أسباب أخرى

من المهم التمييز بين الألم الناتج عن التهاب الأسنان والألم الناتج عن أسباب أخرى مثل:

عاشرًا: الاتجاهات الحديثة في علاج التهاب الأسنان

شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في وسائل علاج التهاب الأسنان، حيث تم إدخال تقنيات مثل:

• العلاج بالليزر: لإزالة البكتيريا وتعقيم الجذور بدقة أكبر.

• التحكم في الألم دون بنج تقليدي: باستخدام أجهزة ذكية تُقلل من الحاجة للحقن.

• الميكروسكوب الجراحي: الذي يوفر رؤية دقيقة لجذور الأسنان أثناء علاج العصب.

• المواد الحيوية المستخدمة في الحشو: تطور ملحوظ في استخدام مواد بيولوجية غير سامة تعزز التئام الأنسجة حول الجذر.

المصادر

1. American Association of Endodontists. “Understanding Inflammation of the Dental Pulp.” https://www.aae.org

2. Mayo Clinic. “Tooth Abscess – Symptoms and Causes.” https://www.mayoclinic.org