نصائح لرعاية صحتك العقلية في ظل انتشار فيروس كورونا
مقدمة
في عام 2020، دخل فيروس كورونا المستجد (COVID-19) حياة البشر بطريقة غير مسبوقة، محوّلاً العالم إلى ساحة من التحديات الصحية، الاجتماعية، والاقتصادية. كانت الاستجابة لذلك الوباء تتطلب تغييراً جذرياً في طريقة حياتنا اليومية، بما في ذلك تكييف أنفسنا مع قيود جديدة، مثل العزل الاجتماعي، والحجر الصحي، وفرض قيود على السفر. لكن إلى جانب هذه التغيرات، كان هناك تحدي آخر يجب مواجهته، وهو التأثير العميق الذي أحدثه هذا الوباء على الصحة العقلية.
الضغوط النفسية الناجمة عن فيروس كورونا يمكن أن تشمل القلق، والاكتئاب، والتوتر المزمن، مما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات فعّالة لتحسين صحة العقل والتعامل مع الضغوطات. في هذا المقال، سنتناول نصائح مهمة لرعاية صحتك العقلية خلال هذه الفترة الصعبة وكيفية تعزيز مرونتك النفسية في ظل هذه الظروف غير المألوفة.
1. التكيف مع الواقع الجديد والقبول بالتغيرات
إن التغيرات المفاجئة التي فرضتها جائحة كورونا، مثل العمل من المنزل، والحجر الصحي، والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، قد تكون مؤلمة للبعض. لكن أول خطوة نحو العناية بالصحة العقلية هي القبول بالواقع الحالي. القبول لا يعني الاستسلام، بل هو عملية تهدف إلى تقبّل الظروف كما هي، مع العلم أن العالم يعيش فترة صعبة وغير مألوفة.
التكيف مع التغيير يتطلب منك أن تكون أكثر مرونة في التفكير، وتحاول إيجاد فرص جديدة لتعلم مهارات جديدة، مثل تعلم كيفية استخدام تقنيات الاتصال الحديثة أو تحسين قدراتك في مجال العمل عن بعد.
2. إنشاء روتين يومي
في أوقات الأزمات، يمكن أن تشعر أن حياتك أصبحت فوضوية وغير منظمة. من أجل الحفاظ على صحة عقلية جيدة، من المفيد جدًا أن تضع لنفسك روتينًا يوميًا. إن تحديد ساعات ثابتة للعمل، وممارسة الرياضة، وتخصيص وقت للراحة، يساعد على تقليل الشعور بالتشتت والقلق.
أحد الجوانب الأساسية لإنشاء روتين يومي صحي هو الاهتمام بالنوم. حاول أن تحصل على نوم كافٍ ومنتظم، لأن النوم الجيد له تأثير كبير على صحتك العقلية والبدنية. تجنب السهر لساعات متأخرة أو قضاء وقت طويل أمام الشاشات قبل النوم، حيث يؤثر ذلك سلباً على جودة النوم.
3. ممارسة النشاط البدني
من المعروف أن الرياضة لها فوائد عديدة للجسم والعقل. عندما نتحدث عن تأثير الرياضة على الصحة العقلية، فإن ممارسة النشاط البدني بانتظام تعد من أفضل الطرق للتخفيف من التوتر والقلق. خلال جائحة كورونا، كانت ممارسة التمارين الرياضية داخل المنزل أو في الهواء الطلق (مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة) وسيلة فعّالة لتحسين المزاج وزيادة الطاقة.
حاول ممارسة تمارين بسيطة مثل اليوغا أو التمدد، أو حتى المشي في الهواء الطلق، إن أمكن. تشير الدراسات إلى أن النشاط البدني يساعد على تحفيز إفراز الإندورفين، وهي الهرمونات التي تحسن المزاج وتقلل من الشعور بالاكتئاب والقلق.
4. التواصل مع الآخرين
في ظل التباعد الاجتماعي، قد يشعر العديد من الأشخاص بالعزلة. لكن التواصل مع الآخرين يمكن أن يكون له تأثير عميق على صحتك العقلية. إن الحديث مع الأصدقاء والعائلة عبر مكالمات الفيديو أو حتى الرسائل النصية يساعد على تقليل الشعور بالوحدة ويساهم في رفع الروح المعنوية.
قد تكون هناك أيضاً مجموعات دعم عبر الإنترنت يمكن أن تساعدك في التحدث مع أشخاص يمرون بتجارب مشابهة. في بعض الأحيان، مجرد التحدث عن مشاعرك ومخاوفك مع الآخرين قد يكون كافياً لتخفيف الحمل النفسي.
5. مراقبة الأخبار وتقليل التعرض للوسائل الإعلامية
في ظل انتشار الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا على مدار الساعة، من السهل الانغماس في الأخبار السلبية والشائعات. هذه المعلومات قد تزيد من مستويات القلق والتوتر. لذا، من المهم أن تحد من تعرضك للأخبار وتخصص وقتًا محددًا يوميًا للاطلاع على المعلومات ذات الصلة من مصادر موثوقة. تجنب متابعة الأخبار طوال اليوم، خاصة إذا كنت تشعر أنها تؤثر سلبًا على مزاجك.
إضافةً إلى ذلك، حاول اختيار مصادر أخبار إيجابية تركز على الحلول والمبادرات المجتمعية لمكافحة الوباء، بدلاً من التركيز فقط على الحالات السلبية.
6. العناية بتغذيتك
العلاقة بين الغذاء والصحة العقلية هي علاقة وثيقة ومعقدة. التأثيرات النفسية مثل القلق والاكتئاب قد تتفاقم بسبب التغذية غير السليمة. لذلك، من الضروري أن تحرص على تناول غذاء متوازن يحتوي على الفيتامينات والمعادن اللازمة لتعزيز صحة عقلك. تشمل الأطعمة المفيدة للمخ الأسماك الدهنية، مثل السلمون، المكسرات، والبذور، والفواكه والخضروات الطازجة.
في نفس الوقت، حاول الحد من تناول الأطعمة التي قد تزيد من مشاعر القلق والتوتر مثل الكافيين والسكريات. أيضًا، تأكد من شرب كمية كافية من الماء طوال اليوم.
7. تعلم تقنيات التنفس والاسترخاء
التوتر النفسي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الجسم والعقل. لذلك، من المفيد أن تتعلم تقنيات التنفس العميق والاسترخاء للمساعدة في تهدئة ذهنك. تمارين التنفس البطيء، مثل التنفس باستخدام الحجاب الحاجز، أو تمارين التأمل (الميديتيشن)، يمكن أن تساعد على تهدئة الأعصاب وتحسين التركيز.
يُعتبر التأمل في الطبيعة أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة من الطرق الفعّالة لتقليل التوتر ورفع الروح المعنوية. إن ممارستك اليومية لهذه التقنيات يمكن أن تحسن من قدرتك على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية.
8. تحديد أهداف يومية صغيرة
من الأمور التي قد تؤدي إلى الشعور بالإرهاق في فترات الأزمات هي تراكم المهام التي تبدو صعبة أو غير قابلة للتحقيق. لذلك، يمكن أن يكون تحديد أهداف يومية صغيرة وقابلة للتحقيق وسيلة فعّالة لتقليل القلق وتحقيق النجاح تدريجياً. يمكن أن تكون هذه الأهداف بسيطة، مثل تنظيف المنزل أو إتمام مهمة عمل معينة أو حتى تخصيص وقت للراحة.
عندما تحقق أهدافك الصغيرة، تشعر بإنجاز مما يعزز شعورك بالتحكم في حياتك ويقلل من مستويات التوتر.
9. طلب المساعدة النفسية
إذا كنت تشعر بأنك غير قادر على التعامل مع التوتر أو القلق بمفردك، فلا تتردد في طلب المساعدة المهنية. هناك العديد من الأطباء النفسيين والمتخصصين في الصحة العقلية الذين يقدمون الاستشارات عن بُعد في ظل الوضع الراهن. العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، يمكن أن يكون أداة فعالة في مساعدة الأفراد على التعامل مع مشاعرهم السلبية والتحكم في القلق والاكتئاب.
لا يجب أن تشعر بالخجل أو العار عند البحث عن الدعم النفسي. الصحة العقلية هي جزء مهم من صحة الإنسان العامة.
10. تحديد الوقت للراحة والابتعاد عن العمل
من السهل جداً أن يقع الشخص في فخ العمل المستمر، خاصة عندما يكون المنزل هو مكان العمل، مما يؤدي إلى إجهاد ذهني وجسدي. لتجنب الإرهاق الذهني، يجب أن تخصص وقتاً للراحة بعيداً عن العمل. يمكن أن يكون هذا الوقت مخصصاً للأنشطة التي تحبها مثل القراءة أو مشاهدة فيلم أو حتى الاستماع إلى البودكاست.
إن أخذ فترات راحة منتظمة يساعد على تجديد طاقتك وزيادة إنتاجيتك على المدى الطويل، كما يعزز من صحتك العقلية ويمنحك فرصة للاسترخاء.
الختام
لقد أثبتت جائحة فيروس كورونا أنها تحدٍّ صعب على الجميع، ولكن من خلال تبني استراتيجيات فعّالة لرعاية صحتك العقلية، يمكنك الحفاظ على توازن عقلي جيد وسط هذه الأزمة العالمية. إن الاهتمام بالنوم، التغذية السليمة، النشاط البدني، والراحة النفسية جميعها عناصر أساسية للنجاح في الحفاظ على صحة عقلية جيدة خلال الأوقات العصيبة. تذكر أن صحتك العقلية هي جزء لا يتجزأ من صحتك العامة، ومن خلال اتخاذ خطوات بسيطة، يمكنك تحسين نوعية حياتك والتمتع بحياة أكثر توازناً وسعادة.
