أسباب فقر الدم عند الأطفال

فقر الدم من الحالات الصحية الشائعة التي تؤثر على الأطفال بمختلف أعمارهم، ويُعتبر من المشكلات الصحية الهامة التي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم تُعالج بشكل مناسب. ينجم فقر الدم عن نقص كمية خلايا الدم الحمراء أو الهيموغلوبين في الدم، مما يقلل من قدرة الدم على نقل الأكسجين إلى أنسجة الجسم، وبالتالي يؤثر على النمو الطبيعي والوظائف الحيوية للطفل.

في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل الأسباب المتعددة لفقر الدم عند الأطفال، مع التركيز على العوامل الغذائية، المرضية، الوراثية، والبيئية التي تؤدي إلى حدوث هذه الحالة، كما نعرض آليات تطورها وتأثيرها على صحة الطفل.

تعريف فقر الدم عند الأطفال

فقر الدم هو انخفاض تركيز الهيموغلوبين في الدم أو انخفاض عدد خلايا الدم الحمراء عن المعدل الطبيعي. الهيموغلوبين هو البروتين المسؤول عن حمل الأكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم. وعند نقصه، يعاني الجسم من نقص في الأكسجين مما يسبب أعراضاً متعددة منها التعب، ضعف التركيز، وتأخر النمو. تختلف معدلات الهيموغلوبين الطبيعية حسب العمر والجنس، وعادة ما يُعتبر الطفل مصاباً بفقر الدم إذا كان الهيموغلوبين أقل من 11 جم/ديسيلتر.

الأسباب الغذائية لفقر الدم عند الأطفال

1. نقص الحديد

يُعد نقص الحديد السبب الأكثر شيوعاً لفقر الدم عند الأطفال. الحديد هو المكون الأساسي للهيموغلوبين، ونقصه يؤدي إلى انخفاض إنتاج خلايا الدم الحمراء أو إنتاج خلايا دم حمراء ذات حجم صغير وضعف وظيفي. يحدث نقص الحديد غالباً بسبب:

• سوء التغذية: عدم تناول كميات كافية من الأطعمة الغنية بالحديد مثل اللحوم الحمراء، الكبد، الحبوب المدعمة، والخضروات الورقية.

• زيادة الطلب على الحديد: الأطفال في مراحل النمو السريع يحتاجون إلى كميات أكبر من الحديد، وخاصة في السنة الأولى من العمر وفي فترة المراهقة.

• فقدان الحديد: مثل النزيف الناتج عن الإصابة بالديدان المعوية أو مشاكل في الجهاز الهضمي.

2. نقص فيتامين ب12 وحمض الفوليك

فيتامين ب12 وحمض الفوليك ضروريان لتكوين خلايا دم حمراء سليمة، ونقصهما يؤدي إلى فقر دم نوعي يُسمى فقر الدم الضخم الأرومات. قد ينتج هذا النقص عن سوء التغذية أو اضطرابات الامتصاص مثل مرض السيلياك.

3. سوء الامتصاص

تنتج بعض الحالات مثل التهاب الأمعاء المزمن أو عدوى الديدان عن سوء امتصاص الحديد والفيتامينات الضرورية مما يؤدي إلى فقر الدم.

الأسباب المرضية لفقر الدم عند الأطفال

1. الأمراض المزمنة والالتهابات

الأمراض المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، أمراض الكلى المزمنة، والتهابات مزمنة تؤثر على إنتاج خلايا الدم الحمراء من النخاع العظمي من خلال آليات معقدة تشمل اضطراب استقلاب الحديد والتهاب مزمن يؤدي إلى تقليل عمر خلايا الدم الحمراء.

2. أمراض الدم الوراثية

• الثلاسيميا: هي اضطراب وراثي يؤدي إلى إنتاج غير طبيعي للهيموغلوبين، مما يسبب تحلل سريع لخلايا الدم الحمراء ونقصها.

• فقر الدم المنجلي: مرض وراثي يسبب تشوهاً في شكل خلايا الدم الحمراء مما يجعلها أقل قدرة على حمل الأكسجين وأكثر عرضة للتحلل.

• فقر الدم الانحلالي الوراثي: حالات وراثية تؤدي إلى تدمير خلايا الدم الحمراء بشكل أسرع من إنتاجها.

3. النزيف

النزيف الحاد أو المزمن، سواء كان داخل الجسم أو خارجه، يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من الدم، مما يسبب نقصاً حاداً في خلايا الدم الحمراء. النزيف قد يكون نتيجة إصابات، أو أمراض مثل القرحة المعدية، أو نزيف الجهاز الهضمي بسبب الديدان الطفيلية.

4. نقص إنتاج خلايا الدم الحمراء

قد يحدث بسبب اضطرابات في نخاع العظم مثل فقر الدم اللاتنسجي، أو سرطان الدم (اللوكيميا) حيث يقل إنتاج خلايا الدم الحمراء السليمة.

5. العدوى

بعض العدوى مثل الملاريا تسبب تحلل خلايا الدم الحمراء، مما يؤدي إلى فقر الدم. كما أن بعض العدوى الفيروسية أو البكتيرية قد تؤثر على نخاع العظم وتقلل من إنتاج خلايا الدم.

العوامل البيئية والاجتماعية

• سوء التغذية الناجم عن الفقر أو قلة الوعي الغذائي.

• التعرض للملوثات مثل الرصاص والذي يؤثر على إنتاج خلايا الدم.

• نقص الرعاية الصحية يؤدي إلى تأخر تشخيص وعلاج الأمراض المسببة لفقر الدم.

• الديدان المعوية والتي تسبب نزيفاً داخلياً وتفتت خلايا الدم الحمراء.

الأعراض السريرية لفقر الدم عند الأطفال

الأعراض تختلف حسب شدة فقر الدم وسببه، ومن أبرزها:

• شحوب الجلد والوجه.

• التعب المستمر والضعف العام.

• ضيق التنفس مع أقل مجهود.

• ضعف الشهية وتأخر النمو.

• تسارع ضربات القلب.

• اضطرابات في التركيز والتعلم.

التشخيص

يتم التشخيص بفحص تعداد الدم الكامل الذي يقيس مستوى الهيموغلوبين وعدد خلايا الدم الحمراء وحجمها، بالإضافة إلى فحوصات الحديد والفيتامينات. وقد تتطلب بعض الحالات فحوصات متقدمة مثل فحوصات نخاع العظم أو فحوصات جينية للأمراض الوراثية.

العلاج

يرتكز العلاج على معالجة السبب الأساسي:

• المكملات الغذائية: مثل الحديد وفيتامين ب12 وحمض الفوليك.

• معالجة الأمراض المزمنة: السيطرة على الالتهابات أو الأمراض المزمنة المسببة.

• علاج أمراض الدم الوراثية: يتطلب متابعة متخصصة وربما نقل دم منتظم أو علاجات دوائية.

• علاج الديدان المعوية: باستخدام أدوية مضادة للطفيليات.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أبرز أنواع فقر الدم عند الأطفال من حيث السبب، الأعراض، وطرق العلاج:

الخلاصة

فقر الدم عند الأطفال هو حالة صحية معقدة ترتبط بمجموعة متنوعة من الأسباب الغذائية، المرضية، الوراثية، والبيئية. تتطلب الحالة فهماً دقيقاً للعوامل المؤثرة من أجل التشخيص الصحيح والعلاج الفعال. اهتمام الأهل ومقدمي الرعاية بتغذية الطفل الجيدة والمتوازنة، إلى جانب الكشف المبكر عن أي أمراض مزمنة أو وراثية، يعد من الركائز الأساسية في الوقاية من فقر الدم ومضاعفاته. كما أن تحسين الظروف الصحية والاجتماعية يسهم بشكل كبير في الحد من انتشار هذه المشكلة وتحسين جودة حياة الأطفال.

المراجع:

1. World Health Organization (WHO). “Iron Deficiency Anaemia: Assessment, Prevention, and Control.” A guide for programme managers, 2001.

2. Kumar, Vinay, Abbas, Abul K., and Aster, Jon C. “Robbins Basic Pathology.” 10th Edition, Elsevier, 2017.