في ظل كورونا: نصائح للعائلات التي يعاني أحد أفرادها من التوحد
تعتبر جائحة كورونا (COVID-19) من أزمات الصحة العامة التي أثرت بشكل عميق على حياة الأفراد والأسر حول العالم. وفي ظل هذه الأزمة، يواجه الكثير من الناس تحديات كبيرة في التعامل مع الظروف الاستثنائية التي فرضتها القيود والاحتياطات الصحية، حيث تحولت الأنماط اليومية المعتادة إلى حياة مليئة بالتغيرات. ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين تأثرت حياتهم بشكل كبير بسبب الجائحة، العائلات التي يعاني أحد أفرادها من اضطراب طيف التوحد (ASD).
يواجه الأفراد المصابون بالتوحد تحديات خاصة في التكيف مع التغيرات البيئية والاجتماعية. عادةً ما يتطلب هؤلاء الأفراد روتينًا ثابتًا وتوقعات واضحة للأنشطة اليومية من أجل الحفاظ على استقرارهم العاطفي والذهني. مع تفشي كورونا، واجهت الأسر تحديات إضافية في التعامل مع هذه التغيرات المفاجئة. من إغلاق المدارس إلى قلة النشاطات الترفيهية الاجتماعية، وتقييد حرية الحركة، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات خاصة لدعم هؤلاء الأفراد وضمان تلبية احتياجاتهم بطريقة متوازنة وآمنة.
تأثير كورونا على الأشخاص المصابين بالتوحد
يتأثر الأفراد المصابون بالتوحد، مثل غيرهم من الأشخاص، بتداعيات الجائحة، إلا أن تأثيرها عليهم يمكن أن يكون أشد بسبب صعوبة التأقلم مع التغيرات المفاجئة في الروتين والبيئة. يعاني العديد من هؤلاء الأفراد من صعوبة في التعامل مع التغييرات المفاجئة أو غير المتوقعة في حياتهم اليومية، وهو ما يجعل من الضروري أن تتكيف العائلات مع هذه التحديات بطريقة تدعم استقرار أفراد الأسرة المصابين بالتوحد.
أولاً: التغيرات في الروتين اليومي
غالبًا ما يحتاج الأفراد المصابون بالتوحد إلى روتين ثابت للمساعدة في التحكم في مستويات التوتر والقلق. وعندما تتغير هذه الروتينات بسبب الإغلاق أو التباعد الاجتماعي، قد يواجه هؤلاء الأفراد صعوبة في التكيف مع الوضع الجديد. على سبيل المثال، التوقف عن الذهاب إلى المدرسة أو تغير أوقات الطعام والنوم قد يؤثر سلبًا على قدرتهم على التأقلم.
ثانياً: العزلة الاجتماعية
تؤثر العزلة الاجتماعية الناتجة عن التباعد الاجتماعي على العديد من الأشخاص المصابين بالتوحد. هؤلاء الأفراد، الذين قد يواجهون صعوبة في فهم التفاعلات الاجتماعية أو التواصل مع الآخرين، يجدون أنفسهم في حالة من الانقطاع عن الأنشطة الاجتماعية واللعب مع الأقران، مما يزيد من مشاعر العزلة والوحدة.
ثالثاً: القلق والتوتر
من المعروف أن الأشخاص المصابين بالتوحد غالبًا ما يكونون أكثر عرضة للقلق والتوتر بسبب الحساسية المفرطة للبيئة المحيطة. يمكن أن تؤدي التغيرات المفاجئة مثل ارتداء الكمامات، وتغيرات نمط الحياة اليومية، والأخبار السلبية المستمرة حول الجائحة، إلى زيادة مستويات القلق لديهم. كما أن التوتر الناجم عن عدم القدرة على الوصول إلى الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء يمكن أن يسبب مشكلات سلوكية وصحية.
نصائح للعائلات للتعامل مع التوحد في ظل كورونا
يحتاج أفراد الأسر التي يعاني أحد أفرادها من التوحد إلى الاستراتيجيات المدروسة التي تسهم في تقديم الدعم العاطفي والعقلي لهم. في ظل جائحة كورونا، هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لمساعدة هؤلاء الأفراد على التأقلم مع التغيرات.
1. الحفاظ على روتين يومي ثابت
يجب أن يظل الروتين اليومي ثابتًا قدر الإمكان. يمكن أن يشمل ذلك تحديد أوقات ثابتة للنوم، والوجبات، والدراسة أو الأنشطة المنزلية، وأوقات الفراغ. من المفيد إنشاء جداول مرئية توضح الأنشطة اليومية، مما يساعد الشخص المصاب بالتوحد على فهم ما سيحدث خلال اليوم. التأكد من تضمين فترات راحة، وأوقات للأنشطة الترفيهية، والأوقات المخصصة للتواصل العائلي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على مزاجهم وسلوكهم.
2. توضيح التغيرات بشكل مبسط
قد تكون التغيرات المفاجئة محيرة ومرهقة بالنسبة للأفراد المصابين بالتوحد، لذلك يجب شرح التغييرات في بيئتهم بأسلوب بسيط وواضح. على سبيل المثال، إذا كان من الضروري ارتداء الكمامة عند الخروج أو إذا كانت المدارس مغلقة، يجب توضيح الأسباب وراء ذلك بطريقة مريحة لهم. من الممكن استخدام صور أو قصص مصورة للمساعدة في شرح هذه التغييرات.
3. توفير فرص للتفاعل الاجتماعي
في ظل العزلة الاجتماعية التي تفرضها الجائحة، لا بد من إيجاد طرق مبتكرة لدعم التفاعل الاجتماعي. قد تشمل هذه التفاعلات عبر الإنترنت مع الأصدقاء أو الأقارب، مثل مكالمات الفيديو أو الألعاب المشتركة. يمكن أيضًا تنظيم اجتماعات صغيرة في المنزل مع أفراد الأسرة المقربين الذين يشعرون بالأمان.
4. استخدام تقنيات الاسترخاء والتعامل مع القلق
من المهم دمج تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، والتأمل، أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة لتقليل التوتر. يمكن أن تساعد هذه الأنشطة في تهدئة الشخص المصاب بالتوحد وتحسين القدرة على التعامل مع مشاعر القلق. كما يُنصح بدمج الأنشطة الحركية الخفيفة مثل المشي في الهواء الطلق، إذا كان ذلك آمنًا ومتاحًا، لتعزيز الصحة البدنية والنفسية.
5. تعزيز التواصل الواضح
التواصل الواضح والمباشر أساسي في دعم الأفراد المصابين بالتوحد خلال هذه الفترة. يمكن استخدام لغة جسد مفهومة، أو وسائط بصرية مثل الصور والرسوم البيانية، لتوضيح الأمور. بعض الأشخاص قد يحتاجون إلى تعليمات شفهية وبصرية في آن واحد لضمان الفهم الكامل.
6. تخصيص وقت لتقدير الجهود والتشجيع
من المهم أن يشعر الشخص المصاب بالتوحد بالتقدير والدعم، خاصة في وقت الأزمات. يمكن أن يكون التشجيع والمكافآت الصغيرة خطوة مهمة لتعزيز السلوكيات الإيجابية والحفاظ على استقرارهم العاطفي. يمكن أن تشمل المكافآت أنشطة مفضلة أو تحفيزات بسيطة تكون ذات قيمة للشخص.
7. طلب الدعم من المتخصصين
قد تحتاج بعض الأسر إلى مساعدة من المتخصصين مثل الأطباء النفسيين أو الأطباء النفسيين المتخصصين في اضطراب طيف التوحد. يمكن أن يساعد المتخصصون في تقديم استراتيجيات علاجية إضافية مثل جلسات العلاج السلوكي أو الاستشارات النفسية التي تتناسب مع احتياجات الفرد.
8. الحرص على الصحة الجسدية
تعد الصحة الجسدية أساسية لتحسين الحالة النفسية. يجب ضمان حصول الأفراد المصابين بالتوحد على التغذية السليمة والنوم الكافي، بالإضافة إلى ممارسة النشاط البدني بطرق تناسبهم. إن ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن تساعد على تخفيف التوتر وتعزيز الإحساس بالراحة والهدوء.
الختام
في ظل جائحة كورونا، أصبح من الضروري أن تولي الأسر اهتمامًا خاصًا لدعم أفرادها الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد، حيث يتطلب ذلك استراتيجيات مدروسة ودعماً مستمراً للتعامل مع التحديات التي فرضتها الجائحة. من خلال الحفاظ على روتين ثابت، واستخدام وسائل التواصل الواضحة، وتعزيز التفاعل الاجتماعي، يمكن لهذه الأسر أن تسهم في تعزيز رفاهية أفرادها المصابين بالتوحد، مما يساهم في تمكينهم من التكيف مع الظروف الاستثنائية بشكل أفضل.
