مظاهر عدل الله في عباده

مظاهر عدل الله بعباده

لقد خُلق الإنسان في أحسن تقويم، وُهب العقل ليهتدي به إلى الحق، وقُدّم له كل السبل التي تمكنه من معرفة خالقه والعمل على مرضاته. ومن أبرز مظاهر الرحمة الإلهية التي تميّزت بها شريعة الإسلام، هو “عدل الله” الذي تجلى في كافة أوامر الله ونواهيه، وفي التعامل مع عباده جميعًا، دون تمييز أو مجاملة. فالعدل الإلهي ليس فقط في توزيع الرزق والأقدار، بل يمتد ليشمل كل ما يتعلق بحياة الإنسان من الأمور الكبيرة إلى الصغيرة.

العدل في الخلق

من أول مظاهر عدل الله هو خلق الإنسان ذاته، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن صورة. كما أن الله جعل للإنسان من القدرات العقلية والجسدية ما يمكنه من التفكر والتعقل، ومنحه القدرة على اكتساب المعرفة والتعلم، مما يجعله قادرًا على فهم الكون والوجود. بل وأكثر من ذلك، فقد خلق الله الكون على توازن عظيم، من حيث السماء والأرض والبحار والجبال، وجعل لكل شيء وظيفة ومهمة في الحفاظ على التوازن الكوني الذي يصب في مصلحة الإنسان والمخلوقات الأخرى.

وفي خلق الله للإنسان، نجد أن كل فرد له خصائصه الفريدة التي تختلف عن الآخرين، ومع ذلك، يبقى الجميع متساوون في القيمة الإنسانية، حيث إن الخلق هو من رحمة الله وعدله الذي لم يميز بين شخص وآخر. فالله لم يفضل إنسانًا على آخر إلا بتقواه، كما قال سبحانه وتعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات: 13).

العدل في التشريع

من أبرز مظاهر عدل الله بعباده هو تشريعاته التي جاء بها الإسلام، حيث أن الشريعة الإسلامية لم تظلم أحدًا ولم تفرق بين الناس حسب جنسهم أو لونهم أو عرقهم. بل جعلت العدل أساسًا للحكم بين الناس، وجعلت من الحقوق والواجبات مشروعة للجميع دون أي استثناء. فالله سبحانه وتعالى فرض العدل في المعاملات، وأمر برعاية حقوق الناس في البيع والشراء، في العقوبات، وفي كافة الأمور الحياتية.

ومن أبرز ما يتجلى فيه العدل الإلهي في التشريع هو مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات. فالمرأة، على سبيل المثال، في الإسلام لها حقوق كاملة سواء في مجال العمل أو الميراث أو المعاملة، بل هي مكلفة بما تقدر عليه من الواجبات، ويُحسن الله إليها بالعطاء والكرامة. كما أن الرجل مكلف بما يليق به من المسؤوليات، وهذه المساواة العادلة لا تقتصر على العلاقات بين الجنسين فحسب، بل تشمل جميع أفراد المجتمع.

العدل في الأقدار

من أروع مظاهر عدل الله بعباده هو العدل في توزيع الأقدار. ففي حين أن الإنسان قد يظن في بعض الأحيان أن بعض الأقدار هي قسوة أو ظلم، إلا أن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون هي أن هذه الأقدار هي جزء من خطة الله المحكمة والتي تحقق للإنسان أسمى أهدافه، وتعلمه الصبر والرضا.

الله سبحانه وتعالى قد قسم الأرزاق والأقدار بين عباده بالعدل المطلق، فلا تظلم نفس بقدرها، ولا يُظلم أحد فيما قسم له. قد يظن البعض أن قلة المال أو ضيق الرزق أو العيش في فقر يعتبر ظلمًا، ولكن العدل الإلهي يظهر في أن الله يوزع الأرزاق بقدر ما يحتاجه كل فرد لتحقيق الأهداف التي وضعها الله له، وبما يعلمه من حكمة أن ذلك قد يكون خيرًا له في دنياه وآخرته.

العدل في الحساب والجزاء

لا شك أن العدالة الإلهية تظهر جليًا في يوم القيامة، حيث يجازي الله كل شخص بما عمل في الدنيا. فيوم الحساب هو اليوم الذي يُعرض فيه كل شخص أمام الله، حيث لا ظلم في هذا اليوم، بل يتم حساب كل عبد بما كسبت يداه من خير أو شر. يقول الله في كتابه الكريم: “وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ” (فصلت: 46).

وفي هذا السياق، نجد أن الله سبحانه وتعالى لن يظلم أحدًا مهما كانت أعماله، فكل شخص سيجد جزاء أعماله بدقة كاملة. من عمل خيرًا فسيجزى به، ومن عمل سوءًا فسيلاقي جزاءه من غير ظلم أو نقص. بل أن الله يعد العبد المؤمن الذي يواجه صعاب الدنيا بصبر واحتساب بالثواب العظيم في الآخرة. ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أصاب المؤمن همٌّ أو غمٌّ أو مرضٌ أو مكروهٌ، فإن الله يكتب له بذلك الأجر إذا صبر”.

العدل في التوبة والمغفرة

من مظاهر عدل الله بعباده أيضًا هو باب التوبة الذي فتحه الله لعباده بعد أن يخطئوا. إن الله سبحانه وتعالى غني عن عباده، وهو العادل الذي لا يظلم أحدًا، لكنه مع ذلك، يغفر لعباده ويسامحهم إذا تابوا إليه بصدق. ويفتح أمامهم باب التوبة طالما كانت حياتهم في الدنيا قائمة، ولا يوجد من هو خارج عن رحمته إذا استغفر وتاب.

هذه العدالة تُظهر كم هو عادل الله في تقدير الأمور؛ إذ رغم أن الإنسان قد يخطئ ويفعل السوء، إلا أن الله يفتح له باب التوبة ويمنحه فرصة للعودة إلى صراطه المستقيم. هذه العدالة هي التي تمنح الأمل لكل عبد في رحمة الله، مهما كانت المعاصي التي ارتكبها.

العدل في إعطاء الفرص

من مظاهر عدل الله أيضًا، هو إعطاء الفرص للجميع، دون تمييز. ففي حياة الإنسان، سواء كان غنيًا أو فقيرًا، قويًا أو ضعيفًا، الله يتيح له الفرصة الكاملة للتوبة والتغيير. ليس هناك من يُحرم من رحمة الله إلا من أصر على الكبرياء أو الظلم. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يغلق باب التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها” (رواه مسلم).

وهذا يجعل الإنسان يعيش في حالة من الأمل المستمر؛ لأن العدالة الإلهية تضمن له دائمًا فرصة جديدة لتغيير مصيره، وبالتالي تحقيق الخير والبر.

العدل في الجزاء على النية

أحد أروع تجليات عدل الله هو النظر إلى نية الإنسان في كل ما يقوم به، بل إن الجزاء يتفاوت بناءً على ما في قلب العبد من إخلاص أو رياء. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” (رواه البخاري ومسلم). فهذا الحديث يُبين أن الله عز وجل لا يوزع الأجر أو العقاب فقط بناءً على العمل المادي الظاهر، بل على نية العبد. وبالتالي، فإن من يعمل بصدق في قلبه، وإن كان عمله صغيرًا، يُجزى عليه جزاءً عظيمًا.

العدل في تقدير الابتلاءات

الابتلاءات جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، وبدون شك هي جزء من عدل الله في اختباره لعباده. فالله سبحانه وتعالى يبتلي العبد، لكنه لا يضعه في اختبار إلا بما يطيق. ومن هنا تظهر عدالة الله في أن ابتلاءاته لا تكون فوق طاقة الإنسان، بل تأتي بما يتناسب مع قدرته على التحمل. الله لا يبتلي عبدًا بما ليس في استطاعته، بل يُقدّر له ما يمكنه من الصبر والتعلم والنمو.