متى ينطق الطفل كلمة ماما؟

متى يبدأ طفلك بقول كلمة “ماما”؟

تُعد مرحلة نطق الطفل لأول كلمة من أهم المحطات في نموه اللغوي والاجتماعي، وكلمة “ماما” تعتبر من أكثر الكلمات التي يحرص الأهل على سماعها في بداية تطور اللغة عند أطفالهم. هذه الكلمة التي تحمل دلالات عاطفية قوية، ليست مجرد لفظ يُتلفظ به بل هي مؤشر على تطور مهارات الطفل في التواصل، الإدراك، والربط بين الأصوات والأشخاص المقربين.

مراحل نمو الطفل اللغوي قبل نطق كلمة “ماما”

يبدأ الطفل رحلة تعلم اللغة منذ ولادته، حيث تعتمد هذه الرحلة على تطور عدة مهارات حركية، حسية وذهنية متداخلة. يمكن تقسيم هذه المراحل إلى:

المرحلة الأولى: البكاء والتواصل الصوتي (من الولادة حتى عمر 2-3 أشهر)

في هذه المرحلة، يعتمد الطفل على البكاء كوسيلة أساسية للتواصل مع العالم من حوله. البكاء يحمل معاني متعددة؛ الجوع، الانزعاج، الألم أو حتى الحاجة إلى الحنان والاهتمام. يبدأ الطفل أيضًا في إصدار أصوات غير مميزة تسمى “التصويت” مثل الهمهمات والخوارب الصوتية التي تعد مدخلًا لتعلم النطق.

المرحلة الثانية: الثرثرة الأولى (من 3 إلى 6 أشهر)

يبدأ الطفل هنا بإصدار مجموعة من الأصوات غير المفهومة (مثل “با-با” أو “دا-دا”) ويكررها باستمرار. هذا النشاط مهم جدًا لأنه يطور قدرته على التحكم في العضلات التي تساعد في النطق، ويشجع الدماغ على الربط بين الصوت والمعنى لاحقًا.

المرحلة الثالثة: التمييز السمعي واللفظي (من 6 إلى 9 أشهر)

يبدأ الطفل في هذه المرحلة بفهم تمييز الأصوات، ويبدأ في تكرار بعض المقاطع الصوتية التي يسمعها من والديه. هذا التكرار ليس مجرد صدفة بل هو محاولة للتفاعل والتقليد. تظهر بداية فهم العلاقة بين الصوت والشخص أو الشيء المرتبط به.

المرحلة الرابعة: أول الكلمات الواضحة (من 9 إلى 12 شهرًا)

في هذه المرحلة يبدأ الطفل في نطق أولى الكلمات التي تكون عادة مرتبطة بالأشخاص المقربين مثل “ماما” أو “بابا”، أو كلمات تدل على أشياء مألوفة مثل “أوب” (للإشارة إلى سقوط شيء). يبدأ الطفل في الربط بين اللفظ والمعنى، وينمو لديه فهم معقد لكيفية استخدام اللغة للتواصل.

متى بالضبط يبدأ الطفل بقول كلمة “ماما”؟

ليس هناك عمر محدد بدقة يمكن من خلاله تحديد متى يبدأ الطفل في نطق كلمة “ماما”، إذ تختلف هذه الفترة من طفل إلى آخر بناءً على عوامل عديدة تشمل:

• العوامل الوراثية: بعض الأطفال يبدؤون الكلام في وقت مبكر من حيث الميلاد، بينما يحتاج آخرون إلى مزيد من الوقت.

• البيئة المحيطة: وجود تواصل مستمر مع الوالدين، الاستماع المستمر لكلمات واضحة، وتشجيع الطفل على التعبير يحفز نطق الكلمات الأولى.

• الصحة السمعية واللغوية: أي تأخر في السمع أو مشاكل في الجهاز الصوتي قد تؤثر على موعد نطق الكلمات الأولى.

• الشخصية والقدرات الفردية للطفل: بعض الأطفال يكونون أكثر اجتماعية ويبدأون الكلام مبكرًا، بينما قد يميل آخرون إلى الصمت أكثر لفترات أطول.

غالبًا يبدأ معظم الأطفال بقول “ماما” أو كلمات مشابهة بين عمر 9 إلى 12 شهرًا، ولكن يمكن أن تتراوح هذه الفترة من 6 أشهر حتى 15 شهرًا. في هذه المرحلة، تكون الكلمات الأولى مكررة وبسيطة، وغالبًا ما يستخدم الطفل الأصوات المتكررة التي يمكنه التحكم بها بسهولة مثل “ما” أو “با”.

الأسباب التي تجعل كلمة “ماما” من أولى كلمات الطفل

يرتبط لفظ “ماما” بعدة عوامل تجعلها من الكلمات الأولى التي يتقنها الطفل:

1. سهولة النطق: كلمة “ماما” تتكون من مقطعين صوتيين متكررين ومن السهل على الطفل نطقها نظراً لترتيب الحروف الساكنة والمتحركة فيها.

2. القيمة العاطفية: الطفل يسمع هذه الكلمة باستمرار من الأم وأفراد الأسرة، ويربطها مباشرة بشخص يعتني به ويشعر بالأمان معه.

3. التكرار المستمر: الأم أو الوالدين يشجعون الطفل على قول الكلمة باستمرار، مما يساعد على ترسيخها في ذهن الطفل وربطها بالشخص.

كيف يؤثر نطق “ماما” على نمو الطفل؟

نطق أول الكلمات له تأثيرات إيجابية كثيرة على نمو الطفل، منها:

• تنمية مهارات التواصل: يصبح الطفل قادرًا على التعبير عن احتياجاته وأحاسيسه بطريقة أكثر وضوحًا.

• تقوية الروابط العاطفية: نطق كلمة “ماما” يعزز العلاقة بين الطفل والأم أو الأم البديلة ويزيد من الألفة والحنان.

• تعزيز الثقة بالنفس: كلما نطق الطفل كلمات واضحة، يزداد شعوره بالإنجاز والقدرة على التعبير.

• تطوير المهارات المعرفية: تعلم اللغة يعزز الوظائف الذهنية المتعلقة بالذاكرة، الانتباه، وربط المفاهيم.

كيف يمكن دعم الطفل لتشجيعه على نطق كلمة “ماما”؟

يتطلب تحفيز الطفل على نطق كلماته الأولى جهودًا متكاملة من الوالدين ومقدمي الرعاية، حيث يمكن اتباع عدة أساليب داعمة:

• التحدث المستمر للطفل: استخدام لغة واضحة وبسيطة، وتكرار الكلمات الأساسية مثل “ماما” بطريقة تشجع الطفل على تقليدها.

• الاستجابة السريعة لصوت الطفل: عندما يصدر الطفل أي صوت يشبه “ما” أو “ماما”، يجب الرد عليه بحماس وتشجيع لتعزيز المحاولة.

• القراءة اليومية: قصص الأطفال التي تحتوي على كلمات متكررة تساعد في بناء المفردات.

• استخدام الإشارات والتعابير الوجهية: ربط الكلمات بالإشارات والوجوه التعبيرية يسهل على الطفل فهم المعنى.

• خلق بيئة مليئة بالحب والأمان: الطفل الذي يشعر بالأمان والراحة يتقدم بشكل أفضل في التعلم اللغوي.

التأخر في نطق كلمة “ماما”: متى يكون مقلقًا؟

في بعض الحالات قد يتأخر الطفل في نطق كلمته الأولى لأسباب مختلفة، ويجب مراقبة بعض العلامات التي قد تدل على تأخر لغوي يستدعي التدخل:

• عدم إصدار أي أصوات أو محاولات لفظية حتى عمر 12 شهرًا.

• عدم الاستجابة للأصوات أو التحدث حتى عمر 9 أشهر.

• عدم استخدام تعابير وجهية أو لغة جسدية للتواصل.

• تأخر في المهارات الحركية المرتبطة بالنطق مثل التحكم في الفم واللسان.

في حال وجود هذه العلامات، من المهم استشارة طبيب مختص أو أخصائي لغة ونطق لتقييم حالة الطفل بشكل دقيق ووضع خطة علاجية مناسبة.

عوامل بيئية تساعد على تسريع نطق الطفل لكلمة “ماما”

توجد عوامل بيئية هامة تلعب دوراً كبيراً في تحديد سرعة تطور اللغة عند الطفل، منها:

• التعرض المستمر للغة: الطفل الذي يعيش في بيئة مليئة بالحوار والتفاعل مع الكبار والأطفال الآخرين يكون أسرع في اكتساب اللغة.

• نوعية التفاعل: استخدام الوالدين تعابير الوجه، النغمات الصوتية المختلفة، واللعب التفاعلي يزيد من رغبة الطفل في التواصل.

• القراءة المستمرة: تعرض الطفل للقصص والأغاني البسيطة يعزز من مخزونه اللغوي ويشجعه على نطق الكلمات.

• التقليل من استخدام الأجهزة الإلكترونية: الإفراط في مشاهدة الشاشات يقلل من فرص التفاعل المباشر مع الناس وبالتالي يؤخر تطور اللغة.

الجوانب العلمية لنطق الطفل لكلمة “ماما”

من الناحية العلمية، يُعتبر نطق الطفل لأول كلمة فعلًا معقدًا يشمل عدة أنظمة في الدماغ تعمل معًا:

• المراكز اللغوية في الدماغ: مثل منطقة بروكا في الفص الجبهي ومنطقة فيرنيك في الفص الصدغي، وهي المسؤولة عن إنتاج وفهم اللغة.

• النظام السمعي: استقبال الأصوات وتمييزها ضروري لفهم الكلمات وتقليدها.

• الجهاز الحركي للفم: يشمل الشفتين، اللسان، الحلق، والفك، التي يجب تنسيقها بدقة لإصدار الأصوات بشكل صحيح.

• الذاكرة العاملة: تساعد الطفل على تذكر الكلمات والأصوات التي يسمعها وتكرارها.

يرتبط تعلم نطق “ماما” أيضًا بتطور الإدراك الاجتماعي، إذ يبدأ الطفل بفهم أن هذه الكلمة ترتبط بشخص معين له دور خاص في حياته.

مقارنة بين كلمة “ماما” وكلمات أولى أخرى

كلمة “ماما” ليست الكلمة الوحيدة التي ينطقها الطفل مبكرًا، إذ توجد كلمات أخرى مثل:

• بابا: التي تعني الأب، وهي شائعة جدًا أيضًا.

• نعم/لا: كلمات بسيطة تستخدمها بعض الأطفال في وقت مبكر.

• أسماء أشياء مألوفة: مثل “مي” (ماء)، “بو” (للعبوة)، “نا نا” (للأكل).

لكن كلمة “ماما” تظل مميزة نظرًا لعلاقتها القوية بالارتباط العاطفي مع الأم، مما يجعلها أكثر تكرارًا وشيوعًا في نطق الأطفال.

جدول يوضح مراحل تطور نطق الطفل وأمثلة الكلمات المتوقعة

المصادر والمراجع

1. كتاب “تطور اللغة عند الأطفال” – تأليف د. ناديا محمد، دار الفكر العربي، 2018.

2. مقالة علمية من مجلة “Journal of Child Language” حول مراحل نمو اللغة في الطفولة المبكرة، 2020.

يشكل نطق الطفل لأول كلمة “ماما” بداية مشرقة لمسيرته في التعلم والتواصل، ويعكس تفاعلًا معقدًا بين العوامل الوراثية، البيئية، والحسية. يتطلب دعم هذا التطور فهمًا دقيقًا للمراحل المختلفة، وبيئة محفزة توفر الحب، الأمان، والتفاعل المستمر.