نصائح رياضية لمرضى الروماتويد

يُعد التهاب المفاصل الروماتويدي (RA) أحد أمراض المناعة الذاتية المزمنة التي تسبب التهابًا وألمًا وتيبسًا في المفاصل، وقد يؤثر على جودة الحياة اليومية بشكل كبير إذا لم يُدار بالشكل الصحيح. رغم أن فكرة ممارسة الرياضة قد تبدو مرهقة أو حتى غير ممكنة لمن يعانون من هذا المرض، إلا أن الأبحاث والدراسات الحديثة تؤكد أن النشاط البدني المنتظم يُعد جزءًا أساسيًا من العلاج، بل وقد يكون أداة فعالة لتقليل الالتهاب وتحسين وظائف المفاصل وتعزيز جودة الحياة العامة للمصابين.

ممارسة الرياضة ليست مجرد نشاط ترفيهي أو وسيلة لإنقاص الوزن، بل هي ضرورة صحية وعلاجية للمصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي، شريطة أن تُمارَس بطريقة صحيحة ومدروسة، تراعي حدود الجسم وتوازن بين الجهد والراحة. فيما يلي نقدم خمس نصائح أساسية لممارسة الرياضة بأمان وفعالية لمرضى الروماتويد، مدعومة بالتوصيات العلمية وأفضل الممارسات الطبية.

1. اختيار التمارين منخفضة التأثير

من أهم الأمور التي ينبغي على مريض الروماتويد مراعاتها عند ممارسة الرياضة هو تجنّب التمارين ذات التأثير العالي، التي قد تُفاقم ألم المفاصل أو تتسبب في التهابات إضافية. التمارين منخفضة التأثير (Low-impact exercises) هي الخيار الأمثل، لأنها تقلل الضغط على المفاصل وتمنح المريض فرصة لتحريك الجسم بدون إلحاق ضرر إضافي.

أمثلة على التمارين منخفضة التأثير:

التركيز على هذه التمارين يتيح للمريض الاستفادة من فوائد النشاط البدني دون التعرّض للمخاطر المرتبطة بالحركة العنيفة.

2. اعتماد مبدأ التدرّج والاعتدال

من الأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها البعض هو البدء بممارسة الرياضة بشكل مفاجئ أو مفرط، مما يؤدي إلى إجهاد المفاصل وزيادة الشعور بالألم. ينبغي على المريض اتباع مبدأ التدرّج، أي البدء بتمارين بسيطة ولمدد قصيرة، ثم زيادة المدة والشدة تدريجيًا بحسب استجابة الجسم.

التوصيات الحديثة من الكلية الأمريكية لأمراض الروماتيزم (ACR) تنصح بتقسيم التمارين على مدار الأسبوع، بحيث تشمل:

• 150 دقيقة أسبوعيًا من النشاط الهوائي منخفض الشدة (مثل المشي أو السباحة).

• جلستان أسبوعيًا من تمارين تقوية العضلات.

• تمارين التوازن والمرونة مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا.

اتباع هذا التدرّج يُقلل خطر الإصابات ويزيد فرص الاستمرارية على المدى الطويل.

3. الاستماع للجسم وتجنب الألم

القاعدة الذهبية في رياضة مرضى الروماتويد هي أن التمرين يجب ألا يُسبب الألم. من الطبيعي أن يشعر المريض ببعض الانزعاج العضلي أو التعب بعد النشاط، لكن الألم الحاد أو المفاجئ هو علامة خطر يجب الانتباه لها والتوقف فورًا عند حدوثه.

من العلامات التي تشير إلى أن التمرين غير مناسب:

• ألم يستمر لأكثر من ساعتين بعد الانتهاء.

• زيادة واضحة في تورم المفاصل.

• ارتفاع الحرارة الموضعية أو احمرار المفصل.

• صعوبة في أداء الأنشطة اليومية بعد التمرين.

في مثل هذه الحالات، يُفضّل مراجعة الطبيب أو أخصائي العلاج الطبيعي لتعديل البرنامج الرياضي أو استبداله بتمارين أكثر ملاءمة.

4. الاستعانة بالعلاج الطبيعي والإشراف المهني

لكل مريض روماتويد خصائص فريدة من حيث مدى تأثر المفاصل، والأعراض، والمضاعفات، لذا لا توجد وصفة رياضية واحدة تناسب الجميع. الاستعانة بأخصائي علاج طبيعي أو مدرّب مؤهل في أمراض المفاصل يُعد خطوة محورية في تصميم برنامج رياضي آمن وفعّال.

الفوائد الرئيسية للإشراف المهني:

• تحديد الوضعية الصحيحة لكل تمرين لتفادي الإجهاد.

• تصميم تمارين خاصة لكل مفصل متأثر.

• تعديل البرنامج بحسب نوبات النشاط أو التفاقم.

• تقديم نصائح حول الأجهزة المساعدة مثل العصا أو الأحذية الطبية.

كما يُوصى بعمل تقييم شامل لحالة المفاصل قبل بدء أي برنامج رياضي، لتحديد نقاط الضعف والقوة، وتحديد أهداف التدريب بشكل دقيق.

5. دمج الرياضة في نمط الحياة اليومي

الاستفادة القصوى من الرياضة لا تتحقق فقط بالتمارين المنظمة، بل أيضًا من خلال دمج الحركة والنشاط في الحياة اليومية. يمكن للمريض أن يحافظ على لياقته ويعزز مرونة مفاصله من خلال تغييرات بسيطة في الروتين، مثل:

• استخدام السلالم بدلًا من المصعد (إذا كانت الحالة تسمح).

• القيام بتمارين تمدد خفيفة أثناء مشاهدة التلفاز.

• القيام بالمشي خلال المكالمات الهاتفية.

• أداء الأعمال المنزلية البسيطة كجزء من النشاط البدني.

هذه الأنشطة اليومية تُكمل البرنامج الرياضي وتعزز الحركة الدائمة التي تحمي المفاصل من التصلب المزمن.

خاتمة: التوازن هو الأساس

في النهاية، ممارسة الرياضة لمرضى التهاب المفاصل الروماتويدي ليست ترفًا بل ضرورة صحية متكاملة. التحدي لا يكمن في الحركة بحد ذاتها، بل في كيفية التحرك بذكاء ووعي. الدمج بين التمارين منخفضة التأثير، التدرّج، الإنصات للجسم، والإشراف المهني، يعزز من فاعلية التمارين ويقلل من مخاطرها.

الالتزام بنمط حياة نشط هو أحد أكثر الوسائل فاعلية للحفاظ على جودة الحياة وتقليل آثار هذا المرض المزمن. والرياضة، حين تُمارس بطريقة علمية ومدروسة، تُصبح أداة شفاء لا عبئًا إضافيًا.

المراجع:

1. American College of Rheumatology – www.rheumatology.org

2. National Institute of Arthritis and Musculoskeletal and Skin Diseases – www.niams.nih.gov

3. Mayo Clinic – www.mayoclinic.org

4. Arthritis Foundation – www.arthritis.org

5. World Health Organization – Physical Activity Guidelines for Chronic Disease Management