حكم الإنزال في الدبر في رمضان

حكم الإنزال في الدبر دون الإيلاج في رمضان

يعد موضوع الصيام وأحكامه من القضايا الهامة في الشريعة الإسلامية، حيث يتطلب من المسلم معرفة ما يجوز وما لا يجوز خلال شهر رمضان المبارك، خصوصًا فيما يتعلق بالممارسات التي قد تفسد الصوم. في هذا السياق، يعتبر الإنزال في الدبر دون الإيلاج من الأمور التي تثير تساؤلات لدى الكثير من المسلمين، خاصةً في رمضان. لهذا سنعالج في هذا المقال الحكم الشرعي لهذا الفعل، مع توضيح آراء الفقهاء، وتأثيره على صحة الصوم من عدمه، والضوابط المتعلقة بذلك.

1. مفهوم الإنزال في الدبر:

الإنزال في الدبر يعني إتمام الجماع بطريقة لا تشمل الإيلاج في الفرج، بل يتم التخصيب أو القذف في منطقة الدبر (الشرج). وهو أمر يعتبر في الشريعة الإسلامية من الأفعال المحرمة التي لا يجوز للزوجين القيام بها في إطار العلاقة الزوجية الطبيعية، بل تعتبر من الممارسات التي تحظرها تعاليم الإسلام. في هذا الصدد، تلتقي الآراء الفقهية على تحريمه؛ وذلك لاعتبارات دينية وأخلاقية متعلقة بطبيعة العلاقة الزوجية والمقاصد الشرعية من الزواج.

أما بالنسبة لصيام رمضان، فالمسألة تصبح أكثر تعقيدًا، إذ يترتب على ذلك السؤال: هل يؤثر الإنزال في الدبر دون الإيلاج على صحة الصوم؟ وهل يعدّ من المفطرات؟

2. حكم الإنزال في الدبر دون الإيلاج في رمضان:

أجمع العلماء على أن أي فعل يتم فيه القذف أو الإنزال، سواء كان في القُبُل أو الدبر، يؤدي إلى فساد الصوم في حال كان هذا الفعل قد وقع أثناء نهار رمضان. ويدل على ذلك الأحاديث النبوية التي تحذر من كل ما يعكر صفو الصوم ويجعله باطلاً.

الرأي الأول: الفقه الحنفي:

في المذهب الحنفي، يترتب على أي اتصال جنسي (سواء كان في القُبُل أو الدبر) الإضرار بالصوم، حتى ولو لم يكن هناك إيلاج كامل. هذا يشمل حتى إذا كان الإنزال قد حدث دون الدخول، حيث يُعتبر القذف أو الإنزال في نهار رمضان من المفطرات. وعليه، فإن الإنزال في الدبر دون الإيلاج يعد من المفطرات في رمضان، ويجب على المسلم القضاء لهذا اليوم، وتطهير نفسه من هذا الفعل.

الرأي الثاني: الفقه المالكي:

في المذهب المالكي، يُعتبر الإيلاج في الدبر محرمًا قطعًا، ولكن هناك تباين في الآراء حول ما إذا كان الإنزال دون الإيلاج يُفسد الصوم. هناك من يقول بأن الفعل نفسه يؤثر على صحة الصوم باعتباره من المفطرات بسبب حدوث القذف. ومع ذلك، يُشدد على أن الصوم يمكن أن يكون باطلاً إذا تم ممارسة مثل هذه التصرفات في نهار رمضان.

الرأي الثالث: الفقه الشافعي:

عند الشافعية، يتم التركيز على مسألة الإيلاج في القُبُل والدبر على حد سواء. ولكن في حالة الإنزال دون الإيلاج، ورغم أنه لا يشمل دخول العضو في الدبر، فإنه يُعدّ من المفطرات في رمضان؛ إذ لا يُسمح بحدوث القذف أثناء ساعات الصيام، حيث يُعتبر إتمام الجماع ولو بشكل جزئي من الأمور التي تفسد الصوم.

الرأي الرابع: الفقه الحنبلي:

المذهب الحنبلي يشترط في الحكم على فساد الصوم وجود الإيلاج في القُبُل أو الدبر. لكن في حالة حدوث الإنزال دون الإيلاج، فإن العلماء الحنابلة يرون أن الفعل لا يفسد الصوم من الناحية الفقهية، ما لم يتضمن ذلك ممارسة الجماع الكامل. هذا يعني أن صيام الشخص لا يفسد إذا حدث الإنزال في الدبر دون دخول العضو، لكن الأمر يظل محلاً للفتوى الشرعية والتوجيه الديني في هذا السياق.

3. التأثير الفعلي على صحة الصوم:

من الناحية الطبية، يتفق معظم الأطباء على أن القذف أو الإنزال في أي جزء من أجزاء الجسم يؤدي إلى إفرازات جسدية تؤثر بشكل مباشر على العمليات البيولوجية في جسم الإنسان. في هذا السياق، يُعتبر الإفراز أو القذف في الدبر من الناحية الفقهية عملًا متكاملًا مع الجماع، مما يؤدي إلى إبطال الصوم. قد يترتب على ذلك حكم شرعي بوجوب قضاء اليوم الذي تم فيه هذا الفعل، مع الإثم المترتب على الشخص الذي ارتكب ذلك.

4. الآثار النفسية والاجتماعية:

إضافة إلى الحكم الشرعي، تترتب على مثل هذه الأفعال آثار نفسية واجتماعية قد تؤثر على العلاقة بين الزوجين. ممارسة الجماع في الدبر أو التحايل على الحدود الشرعية لا يتناسب مع المبادئ السامية للإسلام في العلاقة الزوجية. حيث تُعتبر العلاقة الزوجية في الإسلام مكرسة لتحقيق السكينة والرحمة، وليس بغرض التسلية أو التمتع فقط. كما أن هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أن ممارسة هذه الأفعال قد تؤدي إلى تدهور في التواصل بين الزوجين، وزيادة في القلق والاكتئاب الناتج عن الشعور بالذنب.

5. الإفطار بسبب الجماع والإنزال في رمضان:

إذا وقع الإنزال في نهار رمضان بأي شكل من الأشكال (سواء عن طريق الإيلاج الكامل أو الإنزال في الدبر دون الإيلاج)، فإنه يعد من المفطرات التي تفسد الصوم. هذه الحقيقة تؤكدها نصوص الحديث النبوي الشريف التي تحذر من الجماع في نهار رمضان بشكل عام، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أكل أو شرب أو جامع في نهار رمضان فليتم صومه، فإن كان مجامعًا فليتصدق، وإن كان متعمدًا فعليه القضاء” (متفق عليه). وبناءً على ذلك، يجب على الشخص الذي مارس هذه الأفعال في نهار رمضان أن يقضي ذلك اليوم ويعيده بعد انتهاء الشهر.

6. الاستثناءات والأحكام المتعلقة بالجهل أو النسيان:

في حال وقع الإنزال دون الإيلاج في الدبر، وكان الشخص جاهلاً بالحكم الشرعي أو ناسيًا، فإنه لا يُؤثم ولكن يجب عليه القضاء. إلا أن هذا لا ينفي أن هذه الأفعال قد تترك آثارًا روحانية وصحية يجب معالجتها بالتوبة والندم على فعلها، والعمل على عدم العودة إليها في المستقبل.

7. التوبة والتعويض:

إذا ارتكب شخص هذا الفعل في نهار رمضان، وفسد صومه نتيجة لذلك، عليه أن يقوم بالتوبة النصوح لله تعالى، ويعزم على عدم العودة لهذا الفعل. كما يتوجب عليه قضاء اليوم الذي فسد فيه صومه، بالإضافة إلى دفع كفارة إذا كان قد وقع هذا الفعل عن عمد. من المهم أن يتخذ المسلم هذه الفرصة لتطهير نفسه، والتزام الحذر في المستقبل.

8. الخلاصة:

يتفق علماء الشريعة الإسلامية على أن الإنزال في الدبر، حتى ولو دون الإيلاج، يعدّ من الأفعال التي تفسد الصوم في نهار رمضان. ويترتب على هذا الفعل القضاء على ذلك اليوم، وتطهير النفس من ذلك العمل. يُشدد على أن الغاية من الصوم هي التقوى، ولا ينبغي للمسلم أن يستهين بالحدود الشرعية في هذا الشهر المبارك.

يجب على المسلمين أن يحذروا من التلاعب أو محاولة التحايل على قواعد الصوم أو العلاقة الزوجية، ويتوجهوا دائمًا إلى الله بالتوبة والندم إذا وقعوا في مثل هذه الأفعال، مع العلم أن الصوم يتطلب التزامًا تامًا بكل ما ورد في الشريعة الإسلامية من أوامر ونواهي.