نجم بيتا الجوزاء: عملاق أحمر يحتضر في كوكبة الجبار
نجم بيتا الجوزاء، أو كما يُعرف بـ”بيتيلجوس” (Betelgeuse)، هو واحد من أكثر النجوم شهرةً وإثارةً للاهتمام في سماء الليل. يتميز هذا النجم بلونه الأحمر الساطع وموقعه البارز في كوكبة الجبار (Orion)، حيث يشكل الكتف الأيسر من هذا الصياد السماوي الشهير. يُعتبر بيتا الجوزاء نموذجاً مميزاً للنجوم العملاقة الحمراء، وهي مرحلة نهائية من تطور النجوم التي تتسم بانفجاراتها الهائلة وتغيراتها الدراماتيكية.
الخصائص الفيزيائية لبيتيلجوس
1. المسافة من الأرض:
يبعد نجم بيتيلجوس عن الأرض مسافة تقدر بحوالي 642.87 سنة ضوئية. هذه المسافة الكبيرة تجعل من الضوء الصادر عن هذا النجم يستغرق أكثر من ستة قرون ليصل إلى أعيننا. رغم هذه المسافة الشاسعة، يظل بيتيلجوس واحداً من أكثر النجوم سطوعاً في سماء الليل، بفضل حجمه الهائل وضيائه القوي.
2. اللمعان:
يبلغ لمعان بيتيلجوس حوالي 126,000 مرة من لمعان الشمس، وهو ما يُعزى إلى حجمه الكبير وإشعاعه الكثيف في طيف الضوء المرئي. هذا اللمعان يجعل بيتيلجوس واحداً من أكثر النجوم تألقاً في سماء الليل، رغم أن درجة حرارته السطحية أقل بكثير من درجة حرارة الشمس.
3. القطر والحجم:
يمتلك بيتيلجوس نصف قطر هائل يقدر بحوالي 887 مرة نصف قطر الشمس. لو كان بيتيلجوس موجوداً في مركز نظامنا الشمسي بدلاً من الشمس، لابتلع كوكب المريخ، وربما حتى حزام الكويكبات. هذا الحجم الضخم يعكس مدى التوسع الذي وصل إليه النجم في هذه المرحلة المتقدمة من حياته.
4. درجة الحرارة:
تبلغ درجة حرارة سطح بيتيلجوس حوالي 3534 كلفن، وهي أقل بكثير من درجة حرارة سطح الشمس التي تقدر بحوالي 5778 كلفن. هذه الحرارة المنخفضة نسبيًا هي ما يمنحه لونه الأحمر المميز، إذ إن النجوم ذات الحرارة المنخفضة تميل إلى الظهور بألوان تتراوح بين البرتقالي والأحمر.
5. الطيف النجمي:
يصنف بيتيلجوس ضمن الفئة الطيفية M2Iab، حيث يشير الحرف “M” إلى أنه نجم بارد نسبيًا، فيما يدل الرقم “2” على أنه أكثر برودة من معظم النجوم العملاقة الحمراء الأخرى. أما الحروف “Iab” فتشير إلى كونه نجمًا عملاقًا فائقًا شبه منتظم، يعاني من تغيرات في درجة سطوعه وحجمه بسبب عدم استقراره الداخلي.
دورة حياة بيتيلجوس
مثل معظم النجوم العملاقة، فإن بيتيلجوس في المراحل الأخيرة من حياته. وُلد هذا النجم كواحد من النجوم الضخمة ذات الكتلة الكبيرة، ومر بمراحل تطور مختلفة ابتداءً من النجم الأولي (Proto-star) مرورًا بالنسق الأساسي الرئيسي (Main Sequence) حيث قضى معظم حياته في تحويل الهيدروجين إلى هيليوم من خلال عملية الاندماج النووي في نواته.
مع نفاد الهيدروجين، انتقل بيتيلجوس إلى مرحلة العملاق الأحمر، حيث بدأ في دمج الهيليوم والعناصر الأثقل في نواته، مما أدى إلى تضخم النجم وتوسع طبقاته الخارجية. هذا التضخم أدى إلى انخفاض درجة حرارة سطحه، وهو ما يفسر لونه الأحمر.
مستقبل بيتيلجوس
بيتيلجوس نجم غير مستقر وقد يكون على وشك الانفجار في سوبرنوفا، وهو انفجار نجمي هائل قد يترك وراءه إما نجمًا نيوترونيًا أو ثقبًا أسود، بناءً على كتلة النواة المتبقية بعد الانفجار. حين يحدث هذا، سيظهر انفجار السوبرنوفا في السماء كجرم لامع جدًا، قد يتفوق على ضوء القمر في سطوعه، وربما يكون مرئيًا في وضح النهار.
رغم ذلك، لا يمكننا التنبؤ بدقة متى سيحدث هذا الانفجار. قد يحدث غدًا، أو قد يستغرق آلاف السنين. ولكن، نظراً للتغيرات السريعة التي لوحظت في سطوع بيتيلجوس خلال السنوات الأخيرة، فإن هذا النجم العملاق الأحمر قد يكون أقرب إلى نهايته مما نتصور.
التأثيرات الفلكية والثقافية لبيتيلجوس
كان بيتيلجوس محط اهتمام الفلكيين على مر العصور. في العصور القديمة، لاحظه الفلكيون العرب وسموه “إبط الجوزاء”. في الأساطير اليونانية، يُمثِّل بيتيلجوس الكتف الأيسر لكوكبة الجبار، الصياد العظيم. اليوم، يستمر العلماء في مراقبة هذا النجم باستخدام التلسكوبات الحديثة والتقنيات المتطورة، في محاولة لفهم المزيد حول تطور النجوم الضخمة ودورة حياتها.
الرصد والمراقبة
يعتبر بيتيلجوس هدفًا شائعًا للهواة وعلماء الفلك على حد سواء. يمكن رؤيته بسهولة بالعين المجردة، حيث يظهر كنقطة حمراء لامعة في كوكبة الجبار. باستخدام التلسكوبات الصغيرة، يمكن ملاحظة اللون الأحمر الواضح لهذا النجم، والذي يختلف بشكل ملحوظ عن باقي النجوم البيضاء والزرقاء في نفس الكوكبة.
خاتمة
نجم بيتيلجوس هو نموذج رائع للنجوم العملاقة الحمراء، ويعكس مرحلة من مراحل تطور النجوم الكبيرة. من خلال دراسة هذا النجم، يتمكن العلماء من فهم كيفية تطور النجوم ومصيرها النهائي. ورغم أننا لا نستطيع التنبؤ بشكل دقيق بمستقبل بيتيلجوس، إلا أن ما نعرفه عن هذا النجم العملاق يعطينا نظرة ثاقبة على المصير المحتوم للنجوم المشابهة له في الكون.