نبات الفقع وفوائده الصحية

الفقع: كنز الصحراء الأبيض وفطر المائدة النادر

يُعد الفُقع، أو الكمأ كما يُعرف في بعض المناطق، من النباتات الفطرية النادرة التي تنمو في البيئات الصحراوية وشبه الجافة، ويصنف ضمن الفطريات التي تعيش تحت سطح الأرض، دون أن تمتلك جذورًا أو أوراقًا أو سيقانًا كالنباتات المعروفة. يُقدَّر الفقع بقيمته الغذائية والطبية العالية، إضافة إلى مكانته الاقتصادية والثقافية المميزة في المجتمعات التي تعرفه وتنتظره في كل موسم. تنمو هذه الثمرة الثمينة على عمق يتراوح بين 5 إلى 20 سنتيمترًا تحت الأرض، ولا تظهر منها إلا تشققات طفيفة على سطح التربة، ما يجعل عملية جمعها تحدّيًا يتطلب خبرة ومهارة.

الخصائص النباتية والبيئية للفقع

ينتمي الفقع إلى مجموعة الفطريات الجذرية التي تعيش في علاقة تكافلية مع جذور بعض النباتات الصحراوية، لا سيما نبات الرقروق. هذه العلاقة تُمكِّن الفقع من امتصاص المغذيات، وتساعد النبات المضيف على امتصاص المياه والعناصر من التربة، وهو ما يجعل هذه الفطريات كائنات حيوية في التوازن البيئي للمناطق الجافة. تتميز ثمار الفقع بقشرتها الرقيقة، ويتراوح لونها بين الأبيض الكريمي والبني الداكن، حسب نوعها وتربتها. أما حجمها فيتفاوت من حبة البندق حتى حجم ثمرة التفاح أو أكبر، وقد يكون سطحها ناعمًا أو محززًا.

دورة حياة الفقع وموسم ظهوره

ينمو الفقع في البيئات الرملية والطينية الغنية بالكالسيوم، بعد هطول أمطار غزيرة ولفترة تتراوح بين 40 إلى 70 يومًا. يُعد الشتاء والمواسم الرطبة الفاصلة بين شهري نوفمبر ومارس الوقت الأمثل لظهوره. تعتمد وفرة الفقع على عدة عوامل، من أهمها كمية الأمطار، تركيبة التربة، ووجود النباتات الشريكة كـ”الرقروق”، والتي تُعتبر مؤشرًا حيويًا على إمكانية وجود الفقع في نفس المنطقة.

يبدأ النمو عادة بعد أسبوعين إلى ثلاثة من أول أمطار غزيرة، حيث تبدأ الأبواغ الفطرية الكامنة في الأرض بالتكاثر والنمو تحت التربة، ومع توافر الظروف المناسبة، تتكون الثمار وتكتمل في غضون أسابيع.

أنواع الفقع المشهورة

رغم أن الناس يعرفون الفقع باسمه العام، إلا أنه يشمل أنواعًا مختلفة تختلف في شكلها ولونها وطعمها وموسمها، ومن أبرز هذه الأنواع:

القيمة الغذائية للفقع

الفقع من الأغذية الغنية بالبروتين النباتي والمغذيات الدقيقة، ما يجعله بديلًا ممتازًا للحوم لدى النباتيين. يحتوي على مجموعة من الأحماض الأمينية الأساسية، والفيتامينات من مجموعة B مثل النياسين والريبوفلافين، إلى جانب كميات جيدة من الحديد، الزنك، المغنيسيوم، والسيلينيوم.

فيما يلي جدول يوضح أبرز العناصر الغذائية في 100 غرام من الفقع:

الفوائد الصحية للفقع

لقد ارتبط تناول الفقع بعدد من الفوائد الصحية التي أكدتها البحوث والتجارب الطبية والغذائية، منها:

1. تعزيز المناعة: الفقع يحتوي على مضادات أكسدة قوية تعزز من نشاط الجهاز المناعي، وتحمي الخلايا من التلف.

2. الوقاية من السرطان: لاحتوائه على مركبات فينولية تساعد على محاربة الخلايا السرطانية، خاصة في القولون والثدي.

3. تحسين صحة الجلد: بفضل احتوائه على الأحماض الأمينية والفيتامينات، يدخل الفقع في بعض مستحضرات التجميل ويُستخدم كمقوٍ للبشرة.

4. مضاد للميكروبات: يحتوي على مركبات مضادة للفطريات والبكتيريا، ما يجعله فعالًا في مواجهة بعض أنواع العدوى.

5. خفض الكوليسترول: يساعد في تقليل الكوليسترول الضار بفضل أليافه ومركباته الطبيعية.

6. دعم الهضم: يساعد في تنظيم الجهاز الهضمي وتحسين الامتصاص الغذائي.

استخدامات الفقع في الطب الشعبي

عرف العرب الفقع منذ القدم، واعتبروه من الأغذية ذات القيمة الطبية والغذائية العالية، وقد أشار ابن سينا في كتابه “القانون في الطب” إلى منافع الفقع، لا سيما ماءه المستخرج بعد السلق، والذي كان يُستخدم في علاج أمراض العيون، خاصة الرمد الحار. كما كان يُستخدم الفقع المجفف في بعض الخلطات الشعبية لعلاج العقم وزيادة الخصوبة.

طرق البحث عن الفقع وجمعه

يُعد جمع الفقع مهارة مكتسبة تُنقل عبر الأجيال، ويستخدم فيها الناس مجموعة من العلامات والمعارف البيئية. من أهم علامات وجود الفقع:

• ظهور نبات الرقروق.

• تشقق بسيط في سطح التربة.

• وجود تضاريس مستديرة مرتفعة قليلًا.

• استخدام العصي الخشبية لتحسس الأرض.

في بعض الدول، يستعين السكان بالكلاب المدرّبة أو الخنازير التي تستطيع شم رائحته تحت الأرض، وخاصة في أوروبا حيث يعد الفقع الأسود أو “تروفل” من أغلى الأنواع.

طرق تحضير وتخزين الفقع

تحضير الفقع لا يحتاج إلى تعقيد، فطعمه الغني يُفضل غالبًا مطبوخًا ببساطة مع الزبدة أو الزيت، كما يدخل في تحضير اليخنات، الأرز، الشوربات، وحتى العجة والبيض. في المطبخ الخليجي، يُطهى مع الكبسة أو الحنيني، وفي المطبخ المغربي يدخل في الطواجن. أما في أوروبا، فيُضاف مبشورًا إلى أطباق الباستا والريزوتو.

نظرًا لقصر عمره بعد الجمع، يُحفظ الفقع بطرق عدة منها:

• التجميد: بعد تنظيفه جيدًا وتغليفه.

• التجفيف: باستخدام حرارة خفيفة ثم طحنه على شكل بودرة.

• التخليل: عبر وضعه في محلول ملحي أو زيتي.

• التفريغ الهوائي: لحفظه طازجًا لفترات أطول.

الاقتصاد والفقع: منتج موسمي عالي القيمة

تحوّل الفقع من مكوّن غذائي تقليدي إلى منتج اقتصادي مهم في الأسواق الخليجية والأوروبية، لا سيما في السنوات الأخيرة مع تنامي الطلب عليه. يُباع الكيلوغرام الواحد من بعض الأنواع النادرة بأسعار خيالية قد تصل إلى 3000 دولار، كما تُقام مهرجانات وأسواق موسمية مخصصة له.

في دول الخليج العربي، يمثل الفقع مصدر دخل مهم للبدو وسكان المناطق الريفية، حيث يُجمع ويباع مباشرة في الأسواق الشعبية، أو يُصدّر إلى الخارج. أما في أوروبا، فتخضع عملية جمعه وتنظيم بيعه لقوانين صارمة نظرًا لندرته.

التحديات التي تواجه نمو الفقع

رغم أهمية الفقع البيئية والغذائية، فإن وجوده مهدد بعدة عوامل، من أبرزها:

• التغير المناخي: قلّة الأمطار وعدم انتظام المواسم يحد من نموه.

• الرعي الجائر: يؤدي إلى تدمير الغطاء النباتي الشريك لنمو الفقع.

• الجمع العشوائي: يقلل من فرص تكاثر الأبواغ الفطرية.

• التلوث والتعدين: يؤدي إلى تغيير تركيب التربة وتدمير بيئته الأصلية.

ويُعتبر الحفاظ على بيئات الفقع الطبيعية مسؤولية جماعية تتطلب توعية وإجراءات مستدامة.

خاتمة

الفقع ليس مجرد فطر صحراوي نادر، بل هو شاهد على العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة، وعلى قدرة البيئة الصحراوية القاسية على إنتاج أغلى وأندر كنوز الأرض. يجمع الفقع بين الطعم الفاخر، والقيمة الغذائية، والخصائص الطبية، إضافة إلى رمزيته الثقافية والاجتماعية في العديد من المجتمعات. والحرص على استدامته وحمايته من الاستنزاف هو خطوة ضرورية للحفاظ على هذا الكنز الطبيعي الفريد.

المراجع:

1. Truffles: The Ultimate Guide by Elisabeth Luard – Grub Street Cookery, 2021

2. مجلة النباتات الطبية والأغذية الوظيفية – العدد 28، 2023