في حضرة الحشد المتأنق الذي اجتمع على ضفاف نهر هدسون في جنوب مانهاتن في بعد الظهر الحار في 17 أغسطس 1808، لم يكن أحد يدرك أهمية الكائن الذي جاؤوا ليراه، وغالباً ما كانوا يستهزئون به: قارب البخار الجديد لروبرت فولتون، نهر الشمال، الذي يتذكر بشكل متكرر – وبشكل خاطئ – باسم كليرمونت. لكن، كما يظهر كيركباتريك سيل في هذه السيرة الذاتية الملحمية لفولتون، فإن رحلة نهر الشمال الناجحة ذهاباً وإياباً إلى ألباني أثبتت تكنولوجيا ستغير وجه أمريكا في القرن التاسع عشر، فتحت الداخل لموجات هائلة من المستوطنين، وخلقت وأيقنت الاقتصاديات الصناعية والزراعية في قلب الأمة، ودمرت حضارات الهنود الحمر ومعظم الأراضي البرية التي كانوا يعتمدون عليها. رحلة نهر الشمال لمدة أربعة أيام قدمت الآلات والثقافة التي علمت بولادة الثورة الصناعية في أمريكا. يحكي كتاب “نار عبقريته” قصة المخترع المتحمس والطموح بشكل غير عادي الذي جلب كل هذا، مستكشفاً عبقرية عقله اللاشك في الوقت ذاته، وكشف أيضاً الجانب الأظلم من الرجل – والجانب الأظلم من الحلم الأمريكي الذي ألهمه. إنه يصور واحدًا من أبطال أمريكا الأوائل على قمة الإبداع والنجاح، الشهرة والثروة، وفي أعماق الوحدة، والتهور، والجدل الذي سبق وفاته المبكرة (فقد قضى فولتون معظم حياته في الدفاع عن براءات اختراع لكل شيء بدءًا من ماكينات صنع الحبال إلى الغواصات والقنابل البحرية التي حاول بيعها، بالتعاقب، للجيوش الفرنسية والبريطانية والأمريكية). كل هذا موضوع ضمن صورة بارعة لفترة تاريخية ديناميكية مليئة بشخصيات من بونابارت إلى جيفرسون، كورنيليوس فاندربيلت إلى ميريويذر لويس، روبرت ليفينغستون إلى بنجامين ويست، وأحداث من رحلة لويس وكلارك إلى حرب 1812، وشراء لويزيانا إلى قصف حصن ماكهنري، ومحاكمة أرون بر إلى “الإزالة الكبرى” للهنود الأمريكيين. هنا هو “ترويض” أنهار أمريكا وبناء قنواتها العظيمة، وتقديم كل جسم مائي لآلة فولتون الكبيرة والصاخبة والمثيرة والسريعة والجريئة التي كانت تجسيداً حقيقياً لأمريكا. سيرة ذاتية تحمل مقارنة بأفضل أعمال ديفيد مكولو ودافا سوبيل وجاري ويلز، “نار عبقريته” إنجاز ملحوظ: نافذة واضحة بشكل استثنائي إلى فترة استثنائية تروى ببراعة، وحيوية، وحماس لا يتوقف.
0
