موقع النخاع الشوكي ووظائفه

عنوان المقال: موقع النخاع الشوكي ووظيفته

المقدمة

النخاع الشوكي هو أحد أهم مكونات الجهاز العصبي المركزي، ويمثل الحلقة الحيوية التي تربط الدماغ بباقي أجزاء الجسم، فهو بمثابة القناة الرئيسية التي تنقل الأوامر الحركية والمعلومات الحسية من وإلى الدماغ. هذا التركيب العصبي الدقيق يؤدي دورًا مركزيًا في وظائف الجسم اليومية، ويُعتبر إصابته من أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان نظرًا لدوره الحيوي. لفهم أهمية النخاع الشوكي، لا بد أولًا من معرفة موقعه الدقيق في الجسم، وتكوينه البنيوي، بالإضافة إلى استعراض وظائفه المتعددة ودوره في التكامل العصبي.

الموقع التشريحي للنخاع الشوكي

يقع النخاع الشوكي داخل العمود الفقري، وهو محمي تمامًا بواسطة فقرات العمود الفقري التي تتكون من 33 فقرة. يبدأ النخاع الشوكي من قاعدة الدماغ، وتحديدًا من الجزء السفلي من الدماغ المسمى “النخاع المستطيل” (Medulla Oblongata)، ويمتد نزولًا عبر القناة الفقرية التي تحيط به من جميع الجهات، حتى يصل إلى مستوى الفقرة القطنية الثانية (L2) تقريبًا في معظم البالغين. وبذلك، فإن النخاع الشوكي لا يمتد بكامل طول العمود الفقري، بل يحتل ثلثيه العلويين فقط.

يُغلف النخاع الشوكي بعدة طبقات حماية تعرف بالسحايا، وهي ثلاثة أغشية: الأم الجافية (Dura Mater)، والأم العنكبوتية (Arachnoid Mater)، والأم الحنون (Pia Mater)، وكل منها تلعب دورًا في حماية هذا العضو الحساس من الصدمات والإصابات.

طول النخاع الشوكي وأبعاده

يختلف طول النخاع الشوكي بين الأفراد، ولكنه يتراوح في المتوسط بين 42 سم لدى النساء و45 سم لدى الرجال. أما قطره، فيختلف حسب المستوى الذي يُقاس فيه، حيث يكون أعرض في مناطق معينة مثل منطقة الرقبة (التضخم الرقبي) ومنطقة أسفل الظهر (التضخم القطني)، وهما منطقتان ترتبطان بالأعصاب التي تغذي الأطراف العليا والسفلى.

تقسيمات النخاع الشوكي

ينقسم النخاع الشوكي إلى عدة أقسام تشريحية تبعًا للفقرات التي يمر بها، وهي:

1. الجزء الرقبي (Cervical) – يشمل أول 8 أعصاب شوكية عنقية.

2. الجزء الصدري (Thoracic) – يشمل 12 عصبًا شوكيًا صدريًا.

3. الجزء القطني (Lumbar) – يشمل 5 أعصاب شوكية قطنية.

4. الجزء العجزي (Sacral) – يشمل 5 أعصاب شوكية عجزية.

5. الجزء العصعصي (Coccygeal) – عصب شوكي واحد.

كل جزء يحتوي على جذور عصبية تخرج من النخاع الشوكي لتتجه إلى أعضاء الجسم المختلفة، وتنقسم هذه الجذور إلى أمامية (حركية) وخلفية (حسية).

التكوين الداخلي للنخاع الشوكي

عند قطع النخاع الشوكي عرضيًا، يُلاحظ وجود منطقتين مميزتين:

• المادة الرمادية (Gray Matter): تتواجد في المركز وتشبه في شكلها حرف “H” أو “الفراشة”، وهي تحتوي على أجسام الخلايا العصبية.

• المادة البيضاء (White Matter): تحيط بالمادة الرمادية، وتتكون من الألياف العصبية المغلفة بالمايلين، وهي المسؤولة عن نقل الإشارات العصبية صعودًا ونزولًا.

تتشكل المادة الرمادية من ثلاثة قرون رئيسية:

• القرن الأمامي: يحتوي على العصبونات الحركية التي تتحكم بالعضلات.

• القرن الخلفي: يحتوي على العصبونات الحسية التي تستقبل الإشارات القادمة من الجسم.

• القرن الجانبي: يوجد في بعض المناطق ويشارك في الوظائف الذاتية.

وظيفة النخاع الشوكي

يلعب النخاع الشوكي دورًا مركزيًا في الجهاز العصبي من خلال وظائفه التالية:

1. نقل الإشارات العصبية

النخاع الشوكي يعمل كجسر ناقل بين الدماغ وباقي أجزاء الجسم، حيث تصعد الإشارات الحسية من الجسم إلى الدماغ، وتنزل الأوامر الحركية من الدماغ إلى العضلات. هذا التدفق العصبي يتم من خلال مسارات طويلة من الألياف العصبية الموجودة في المادة البيضاء.

2. تنسيق ردود الفعل الانعكاسية

يتحكم النخاع الشوكي في مجموعة من الحركات الانعكاسية التي لا تتطلب تدخلًا دماغيًا مباشرًا، مثل سحب اليد عند لمس جسم ساخن. هذا النوع من الحركات يحدث بسرعة عالية لأنه يمر عبر ما يسمى “القوس الانعكاسي”، حيث تنتقل الإشارة من العصب الحسي إلى العصب الحركي مباشرة في مستوى النخاع الشوكي نفسه دون الحاجة للرجوع إلى الدماغ.

3. تنظيم الوظائف اللاإرادية

يشارك النخاع الشوكي في تنظيم وظائف لا إرادية مثل التحكم في التبول، وتنظيم ضغط الدم، من خلال تواصله مع الجهاز العصبي الذاتي، خاصة في المناطق الصدرية والقطنية والعجزية.

نهاية النخاع الشوكي

ينتهي النخاع الشوكي عند مستوى الفقرة القطنية الثانية، ثم تتفرع منه مجموعة من الألياف العصبية تُعرف بـ”ذيل الفرس” (Cauda Equina)، وهي مجموعة من الأعصاب التي تمتد عبر الجزء السفلي من القناة الفقرية لتغذية الأطراف السفلية والأعضاء الحوضية. يُطلق على نهاية النخاع الشوكي نفسها اسم “المخروط النخاعي” (Conus Medullaris)، بينما تُعرف المنطقة التي يتصل فيها المخروط النخاعي بذيل الفرس باسم “الخيط الانتهائي” (Filum Terminale).

أهمية موقع النخاع الشوكي من الناحية السريرية

معرفة الموقع الدقيق للنخاع الشوكي له أهمية كبيرة في الممارسات الطبية والتشخيصية، ومنها:

• البزل القطني (Lumbar Puncture): يتم هذا الإجراء عادةً عند مستوى الفقرة القطنية الثالثة أو الرابعة لتجنب إصابة النخاع الشوكي.

• التخدير النصفي (Spinal Anesthesia): يعتمد على نفس المبدأ بتجنب المناطق العليا من العمود الفقري.

• إصابات الحبل الشوكي: تؤدي إلى شلل جزئي أو كلي حسب مستوى الإصابة، فكلما كانت الإصابة أعلى، كانت الأعراض أشد وأعم.

مقارنة تشريحية بين النخاع الشوكي والدماغ

النمو الجنيني للنخاع الشوكي

يتكون النخاع الشوكي في المراحل الجنينية المبكرة من الأنبوب العصبي، وهو البنية الأساسية التي تتطور لاحقًا إلى الدماغ والنخاع الشوكي. في المراحل الأولى يكون النخاع الشوكي والعمود الفقري متساويين في الطول، لكن مع نمو الجسم، يزداد طول العمود الفقري بدرجة أكبر، مما يؤدي إلى سحب النخاع الشوكي للأعلى تدريجيًا ليصل إلى موقعه النهائي عند الفقرة القطنية الثانية.

أمراض واضطرابات النخاع الشوكي

يعاني النخاع الشوكي من مجموعة من الأمراض التي تؤثر على وظيفته الحيوية، ومنها:

• التصلب اللويحي المتعدد (Multiple Sclerosis): يؤدي إلى تلف المادة البيضاء داخل النخاع.

• الإصابات الرضحية: مثل الكسور أو الصدمات في العمود الفقري.

• الأورام النخاعية: قد تكون حميدة أو خبيثة وتضغط على النخاع.

• العدوى: كالتهاب النخاع الشوكي الفيروسي أو البكتيري.

• الانزلاق الغضروفي: الذي يضغط على جذور الأعصاب الخارجة من النخاع.

الخاتمة

النخاع الشوكي هو العمود الفقري الحقيقي للجهاز العصبي من حيث الوظيفة، إذ يمثل نقطة العبور الرئيسية بين الدماغ والجسم، كما يشكل مركزًا عصبيًا مستقلًا قادرًا على إصدار أوامر سريعة لحماية الجسم. فمعرفة موقعه، وتكوينه، ووظائفه يعزز من فهمنا للجهاز العصبي ككل، كما يبرز مدى دقة البنية العصبية للإنسان، ويكشف أهمية الحماية والوقاية من أي إصابة تمس هذا العضو الحساس.

المراجع:

1. Gray’s Anatomy for Students – 4th Edition

2. Principles of Neural Science – Eric Kandel et al.