في “موسيقى السفر السماوية”، يقدم إليزابيث ريدفيرن لوحة متقنة للحياة في لندن خلال عام 1795، حيث تتقاطع الأسرار والموت على شوارعها المظلمة. تعصف الحروب بإنجلترا وفرنسا، وتعج بالجواسيس وأعمال التجسس. يقع على عاتق جوناثان آبسي في وزارة الداخلية مهمة القبض على هؤلاء الجواسيس، لكن عقله مشغول في مطاردة غير متوقعة، حيث تراوده أحلامه بقتل ابنته البالغة من العمر خمسة عشر عامًا والذي لم يُكتشف الجاني له حتى الآن في تلك الشوارع ذاتها. يسعى بيأسٍ وراء كلا التحقيقين، ويصادف بطريق الصدفة جمعية غريبة تدعى “شركة تيتيوس”، تقوم ببحث عن نجم فقد في السماء السوداء الواسعة. سرعان ما يتداخل بحثه في عالمهم الغامض مع بحثه الخاص، ويجد آبسي نفسه يكتشف أكثر مما كان يتوقع، ليس فقط حول الجواسيس والقتلة، بل حول الأرقام السماوية وصناعة الرموز؛ حول العواطف غير الطبيعية بقدر ما هي مهووسة؛ وحول روابط العائلة… والتضحيات التي سنقوم بها لحمايتها.
هذا الرواية تأسر القارئ بجمال سردها وعمق تصويرها للشخصيات والزمن التاريخي. تتقاطع خيوط الغموض والإثارة ببراعة، مما يجعل القارئ ينغمس بشكل عميق في عالم الرواية ويصبح معلقًا بكل صفحة. يبرز في هذا العمل أيضًا الجوانب الفلسفية والعلمية، حيث يتناول موضوعات مثل الفلك والأرقام السماوية بشكل مثير للاهتمام والتساؤل. كما تبرز الرواية قوة الروابط الإنسانية والعائلية وقدرتها على دفع الأفراد إلى تجاوز حدود العقل والجسد من أجل حماية ما يهمهم.
بفضل أسلوب الكتابة السلس والتشويق الذي تبنته ريدفيرن، يعتبر “موسيقى السفر السماوية” قطعة أدبية ممتازة تستحق القراءة، حيث تنسجم الأحداث بانسيابية وتشد انتباه القارئ من الصفحة الأولى حتى النهاية.