مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي: نافذة السعودية على العالم السينمائي
يشكل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي أحد أبرز الملامح الثقافية الجديدة التي رسّخت مكانة المملكة العربية السعودية كمركز صاعد في المشهد السينمائي العالمي، وكمحور لتلاقي الثقافات، وتلاقي الرؤى الإبداعية، والتبادل المعرفي في مجال الفن السابع. هذا المهرجان الذي انطلق للمرة الأولى عام 2021، ليس مجرد منصة لعرض الأفلام، بل هو مشروع استراتيجي ضخم ضمن خطة التحول الثقافي والاقتصادي التي تنتهجها المملكة ضمن رؤية 2030، بهدف إرساء صناعة سينمائية سعودية مستدامة ذات طابع عالمي.
النشأة والرؤية
جاء تأسيس مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بمبادرة من وزارة الثقافة السعودية، وتحت إشراف “مؤسسة البحر الأحمر السينمائي”، ليكون الأول من نوعه في البلاد المخصص بالكامل للسينما، ولخدمة المبدعين المحليين والعالميين في مجالات الإخراج والتمثيل والكتابة والإنتاج.
ومنذ دورته الأولى، أظهر المهرجان طموحاً لا يقتصر على دعم السينما المحلية، بل يسعى بوضوح إلى أن يكون ملتقى دولياً ضخماً للفن السينمائي، يضاهي المهرجانات العريقة مثل “كان” و”برلين” و”البندقية”، من حيث عدد الأفلام، والنجوم الحاضرين، والتأثير في سوق السينما العالمية.
الموقع والدلالات الرمزية
يقام المهرجان سنوياً في مدينة جدة، وتحديداً في منطقة “جدة التاريخية”، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ما يضفي بعداً رمزياً عميقاً على الحدث، إذ يلتقي الحداثة السينمائية بعبق التاريخ. ويشكّل الموقع منصة بصرية مدهشة تجسّد تداخل الماضي بالحاضر، وتُبرز انفتاح المملكة على التجديد دون التخلي عن هويتها العميقة.
برنامج المهرجان ومحتواه
يغطي مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عدداً كبيراً من الفعاليات السينمائية التي تشمل:
-
عروض أفلام روائية ووثائقية وقصيرة من مختلف أنحاء العالم، مع تركيز خاص على السينما العربية والآسيوية والأفريقية.
-
عروض أولى لأفلام عالمية، بعضها ينطلق لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
-
ورش عمل وندوات مهنية بمشاركة خبراء عالميين، لتبادل المعرفة والتجارب وتطوير مهارات المبدعين الشباب.
-
ملتقى البحر الأحمر، وهو سوق لصناع الأفلام يتيح فرص التمويل المشترك والإنتاج والتوزيع.
-
برامج دعم المواهب مثل “معمل البحر الأحمر”، والذي يقدّم احتضاناً لمشاريع سينمائية سعودية وعربية خلال مراحل تطويرها.
الحضور العالمي والنجومية
من أبرز العوامل التي أسهمت في رفع مكانة المهرجان على الساحة العالمية، استقطابه لعدد من كبار النجوم والمخرجين العالميين الذين حضروا فعالياته، مثل شاروخان، شارون ستون، غاي ريتشي، كاثرين دينوف، وجاكي شان. كما يُمنَح خلال المهرجان “جائزة اليُسر”، وهي أرفع جائزة يقدمها الحدث لتكريم الإبداع السينمائي في مجالات متعددة.
هذا التواجد الفني الكبير يعكس مدى التحول الذي تشهده السعودية على مستوى الانفتاح الثقافي والفني، ويمنح المهرجان بُعداً دولياً ومكانة بين كبريات التظاهرات السينمائية.
دعم السينما السعودية والعربية
يشكل دعم السينما المحلية والعربية أحد الأهداف المركزية للمهرجان، الذي يخصص برامج متعددة لتمكين المواهب السعودية الشابة، ولتشجيع الإنتاج المحلي. كما يعمل المهرجان على إعادة تقديم السينما العربية الكلاسيكية، وترميمها وعرضها، مثلما فعل مع أفلام الراحلة هند رستم والمخرج يوسف شاهين.
وقد تم عرض عشرات الأفلام السعودية ضمن برامج المهرجان المختلفة، وتنوعت بين الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام الوثائقية، ما شكّل حافزاً قوياً لنمو السينما السعودية، التي باتت تُعرض في صالات دولية وتُرشّح لجوائز عالمية.
الأثر الاقتصادي والثقافي
يمتد تأثير مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي إلى ما هو أبعد من الجانب الفني، ليشمل أبعاداً اقتصادية وسياحية واستثمارية، منها:
-
تحفيز قطاع الإنتاج السينمائي السعودي وتوفير بيئة خصبة للاستثمار في البنية التحتية للإنتاج والتصوير.
-
تنشيط قطاع السياحة في مدينة جدة، لا سيما في المنطقة التاريخية، عبر استقطاب آلاف الزوار من داخل وخارج المملكة.
-
تعزيز الاقتصاد الإبداعي وخلق وظائف جديدة في مجالات الفن والإعلام والإنتاج والتسويق.
-
نشر الثقافة السينمائية لدى المجتمع المحلي، ما يساهم في تنمية الذائقة الفنية والوعي الثقافي.
جدول جوائز مهرجان البحر الأحمر
| الفئة | اسم الجائزة | القيمة أو الأهمية |
|---|---|---|
| أفضل فيلم طويل | جائزة اليُسر الذهبي | دعم نقدي + تمثال |
| أفضل إخراج | جائزة اليُسر الفضي | تقدير فني خاص |
| أفضل تمثيل | جائزة اليُسر الفضي | تقدير أداء فردي |
| أفضل فيلم سعودي | جائزة البحر الأحمر الوطني | تمويل إضافي وترويج |
| أفضل مشروع في “معمل البحر الأحمر” | تمويل تطوير الإنتاج | دعم فني وتمويلي |
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم النجاح الكبير الذي حققه المهرجان خلال سنواته الأولى، إلا أن هناك تحديات قائمة تتعلق باستمرار الدعم المؤسسي، وضرورة تنويع المحتوى المقدم، والتوازن بين الطابع المحلي والدولي. كذلك، تسعى إدارة المهرجان إلى توسيع المشاركة الجماهيرية وتعميم الثقافة السينمائية في مختلف المناطق السعودية.
ويمكن التوقع أن تتحول جدة إلى مركز سينمائي عالمي خلال السنوات القادمة، في حال استمر هذا الزخم الذي يوفره المهرجان، جنباً إلى جنب مع مشاريع ضخمة أخرى مثل مدينة “نيوم”، التي تُبنى لتكون وجهة عالمية لصناعة الإعلام والإنتاج السينمائي.
مهرجان يواكب تحولات وطن
ليس من الممكن فهم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي خارج سياق التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة العربية السعودية. فهو ليس حدثاً ثقافياً معزولاً، بل يمثل إحدى ثمار رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، والانفتاح الثقافي، وتمكين الشباب، وتعزيز الهوية الوطنية من خلال أدوات حديثة ومؤثرة مثل السينما.
بفضل هذا المهرجان، باتت المملكة لاعباً معترفاً به في صناعة السينما الدولية، وأصبحت السينما السعودية تسير بخطى ثابتة نحو إنتاج أعمال تمثّلها في المهرجانات العالمية الكبرى وتتنافس على الجوائز العالمية.
الخاتمة
يظل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بوابة سعودية مشرعة على العالم، وجسراً يربط بين شرق العالم وغربه عبر فن السينما. وهو، قبل كل شيء، منصة للاحتفاء بالقصة الإنسانية، وتأكيد على أن الثقافة السعودية قادرة على الإبداع والابتكار والتأثير حين تُمنح الفرصة والمساحة للتعبير الحر والمنفتح. ومع كل دورة جديدة، يتأكد أن هذا المهرجان لن يكون مجرد مناسبة عابرة، بل مؤسسة متجددة ترسم معالم المستقبل السينمائي للمنطقة.
المراجع:
-
مؤسسة البحر الأحمر السينمائي: https://redseafilmfest.com
-
الهيئة العامة للترفيه السعودية (بيانات 2023-2024)
