إسماعيل عليه السلام هو نبي الله وأحد أبناء إبراهيم عليه السلام، وقد وردت قصته في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، حيث كان له دور بارز في تأصيل القيم الدينية والاجتماعية بين العرب، وخاصة في مكة المكرمة. دعونا نستعرض سيرة هذا النبي الجليل بشيء من التفصيل مع تسليط الضوء على أهم المواقف والأحداث التي وردت عنه في النصوص الدينية، وما يُستفاد منها من دروس وعبر.
مولد إسماعيل عليه السلام
إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم عليه السلام، وقد وُلد له من زوجته هاجر التي أُهديت له من ملك مصر. كان إبراهيم عليه السلام في بداية أمره لم يرزق بذرية من زوجته الأولى سارة، فاقترحت عليه أن يتزوج من هاجر لعل الله يرزقهما ولداً يكون لهما عوناً في الحياة. وفعلاً، حملت هاجر وولدت إسماعيل عليه السلام.
هجرة إسماعيل وهاجر إلى مكة
أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بأن يأخذ هاجر وابنها إسماعيل إلى مكة ويتركهما هناك. لم يكن في مكة حينها أي نوع من الحياة، لا ماء ولا شجر ولا بشر، وإنما كانت صحراء قاحلة. بعد أن تركهم إبراهيم عليه السلام في هذا الوادي المقفر، دعا الله أن يحفظهم ويرزقهم. وقد جاء في القرآن الكريم دعاؤه: “رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” (إبراهيم: 37).
بئر زمزم ومعجزة الماء
بعد أن نفد الماء والطعام من هاجر، بدأت تبحث عن الماء لتسقي ابنها، فكانت تسعى بين جبلي الصفا والمروة سبع مرات، حتى أرسل الله لها جبريل عليه السلام الذي بحث بعقبه عن الماء حتى انفجرت بئر زمزم، وجعل الماء يتدفق من تحت قدم إسماعيل. كانت هذه هي البداية التي جعلت من مكة مكانًا مأهولاً بالسكان، حيث قدمت قبيلة جرهم إلى المنطقة وسكنوا بجوار هاجر وإسماعيل بعد أن رأوا الطيور تحوم فوق الماء.
نشأة إسماعيل عليه السلام
نشأ إسماعيل في هذا المجتمع العربي البدوي وتعلم اللغة العربية وأصبح جزءًا منه. كان إسماعيل عليه السلام ذا قوة وذكاء، وقد أحبته قبيلة جرهم وزوجوه منهم عندما كبر. وقد ذكر في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إسماعيل عليه السلام هو أول من ركب الخيل، وقال: “اركبوا هذا الخير فإنه مرجو”.
بناء الكعبة المشرفة
أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام وإسماعيل ببناء الكعبة، وقد جاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة حيث وجد ابنه إسماعيل يساعده في هذا الأمر العظيم. قال تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (البقرة: 127). وكانت هذه من أعظم المواقف التي تبرز طاعة إسماعيل لوالده وإخلاصه في العمل الذي كلفه به الله.
قصة الذبح والفداء
من أبرز المواقف في حياة إسماعيل عليه السلام هو الامتحان العظيم الذي تعرض له عندما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل. جاء في القرآن الكريم: “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ” (الصافات: 102).
وكان رد إسماعيل عليه السلام دليلاً على طاعته وإيمانه العميق، حيث قال لأبيه أن يفعل ما أُمر به من الله. ولكن الله سبحانه وتعالى فدى إسماعيل بكبش عظيم بعد أن علم صدق إبراهيم عليه السلام في تنفيذ أمره. وهكذا نجح إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام في هذا الابتلاء الكبير.
نبوته ورسالته
إسماعيل عليه السلام لم يكن مجرد ابن نبي، بل كان هو نفسه نبياً رسولاً أرسله الله إلى العرب في مكة. كان إسماعيل عليه السلام يأمر قومه بالصلاة والزكاة، ويحثهم على عبادة الله الواحد الأحد. وقد أثنى الله عليه في كتابه العزيز بقوله: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا” (مريم: 54-55).
ذريته وأثره في العرب
إسماعيل عليه السلام هو أبو العرب المستعربة، وهم العرب الذين انحدروا من نسل إسماعيل بعد أن تزوج من قبيلة جرهم. ومن نسله جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكان لذريته دور كبير في نشر الإسلام وتوحيد الله بين الأمم.
الصفات الشخصية لإسماعيل عليه السلام
تميز إسماعيل عليه السلام بعدة صفات نبيلة، أبرزها الصدق والوفاء، وكان صادق الوعد، لم يعرف عنه كذب أو إخلاف للوعود. كما كان إسماعيل عليه السلام معروفاً بالحلم والصبر على الشدائد، وقد ظهر هذا جلياً في قصة الذبح عندما قال لأبيه: “ستجدني إن شاء الله من الصابرين”.
الخلاف مع أهل الكتاب
على عكس المسلمين، يرى أهل الكتاب أنّ الذَّبيح هو إسحاق وليسَ إسماعيل. وقد اعترضَ عُلماء المسلمين على قولهم، بأنّ التّوراة تنص أنّ الذَّبيح هو إسماعيل في سفرِ التَّكوين: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ»[التّكوين:22:2] ولا خِلافَ بين المسلمين وأهل الكتاب أنَّ إسماعيل أكبرُ من إسحاق وكان ابن إبراهيم الوحيد قبل بشارة إسحاق، ويظن بعض المسلمين أنّ هذا التَّحريف وتنسيبَ الذّبح إلى إسحاق هو كَراهية اليهود وحقدهم لبني إسماعيل فأرادوا تنسيب الحادثة لإسحاق بدلًا من إسماعيل لينالوا شرف الحادثة.
الدروس والعبر المستفادة
قصة إسماعيل عليه السلام مليئة بالدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها في حياتنا اليومية. من هذه الدروس:
- التوكل على الله والثقة به: قصة هاجر وإسماعيل في مكة تعلمنا كيف يمكن للإنسان أن يعتمد على الله ويثق به في أحلك الظروف، وأن الله لا يضيع عبده الذي يتوكل عليه.
- الصبر والطاعة: قصة الذبح تظهر لنا مدى أهمية الصبر والطاعة لأوامر الله، حتى وإن كانت هذه الأوامر تبدو صعبة أو مستحيلة.
- أهمية الأسرة: قصة إسماعيل عليه السلام تعكس أهمية التربية الأسرية والروابط العائلية القوية التي تكون أساساً للنجاح في الحياة الدينية والدنيوية.
- العمل والتعاون: بناء الكعبة هو مثال رائع على أهمية التعاون والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف الكبيرة.
وفاة إسماعيل عليه السلام
توفي إسماعيل عليه السلام في مكة، ودُفن بجوار والدته هاجر قرب الكعبة. وظلت ذريته من بعده تحمل رسالة التوحيد وتنشرها بين الناس.
خاتمة
إسماعيل عليه السلام كان نبيًا عظيمًا، تجسد فيه معاني الصبر والطاعة لله. كانت حياته مليئة بالاختبارات التي نجح فيها بفضل إيمانه القوي. تظل قصته ملهمة للأجيال، تذكرهم بأهمية الثقة بالله والتمسك بالحق مهما كانت الظروف.
ملخص
إسماعيل بن إبراهيم بن تارح، وهو عند المسلمين نبى من أنبياء الله، وابن النبي ابراهيم، بينما فى اليهودية والمسيحية عبارة عن شخصية تاريخية تم ذكرها فى العهد القديم، وهو يعتبر أبو العرب أو الإسماعيليين، وهو جد فى عمود نسب النبي محمد عليه الصلاة و السلام.