أنواع النوم

النوم هو حالة طبيعية حيوية ضرورية لاستمرار الحياة، ويمثل جانباً أساسياً من صحة الإنسان النفسية والجسدية. يمر الجسم خلال النوم بسلسلة من المراحل والأنواع التي تختلف في خصائصها ووظائفها، وتعكس حالة الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وتؤثر بشكل مباشر على نوعية النوم وجودته. في هذا المقال، سيتم استعراض أنواع النوم المختلفة بشكل مفصل، مبينين الفروق بينها، وأهميتها، والآليات الفسيولوجية التي تقوم عليها، مع التركيز على أحدث الدراسات العلمية ذات الصلة.

مقدمة في فهم النوم

النوم ليس مجرد حالة من فقدان الوعي المؤقت، بل هو نشاط حيوي معقد يتميز بتغيرات متتابعة في نشاط الدماغ، والتغيرات الفسيولوجية التي تشمل درجة حرارة الجسم، نبض القلب، التنفس، والوظائف الهرمونية. يُقسّم النوم إلى نوعين رئيسيين هما: النوم العميق (Non-REM) والنوم الريمي (REM). هذه الأنواع تتكرر خلال الليل ضمن دورات متعاقبة، ويعد التوازن بينهما مهماً للصحة العامة والوظائف الإدراكية والعصبية.

النوم غير الريمي (Non-REM Sleep)

تعريفه وخصائصه

النوم غير الريمي هو المرحلة التي لا يظهر فيها حركة سريعة للعينين، ويتميز ببطء موجات الدماغ وانخفاض النشاط العصبي. يشكل هذا النوع من النوم حوالي 75-80% من إجمالي فترة النوم، وينقسم إلى ثلاث مراحل فرعية هي:

• المرحلة الأولى (N1): وهي مرحلة النوم الخفيف التي تشكل انتقالاً بين اليقظة والنوم، ويبدأ فيها الجسم بالاسترخاء وانخفاض نشاط الدماغ، مع إمكانية الاستيقاظ بسهولة.

• المرحلة الثانية (N2): مرحلة نوم أعمق قليلاً، حيث تظهر موجات دماغية محددة تُسمى “موجات النوم” أو “المغلفات النوم”، كما ينخفض فيها معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم.

• المرحلة الثالثة (N3): تعرف بالنوم العميق أو نوم الموجات البطيئة، وهي مرحلة حيوية لترميم الجسم وتجديد الخلايا. تتميز بموجات دماغية بطيئة وكبيرة، ويكون من الصعب الاستيقاظ فيها.

وظائف النوم غير الريمي

يمثل النوم غير الريمي مرحلة مهمة في استعادة الطاقة الجسدية وتنظيم وظائف الجسم، حيث يتم فيها إفراز هرمونات النمو، وتعزيز عمليات الإصلاح الخلوي. كما أنها ضرورية للحفاظ على صحة الجهاز المناعي، وتثبيت الذاكرة النوعية (ذاكرة الحقائق والمعلومات).

النوم الريمي (REM Sleep)

تعريفه وخصائصه

النوم الريمي هو مرحلة النوم التي يظهر فيها حركة سريعة وحركات العين السريعة (Rapid Eye Movement)، ويتميز بنشاط دماغي يشبه حالة اليقظة، مع استرخاء تام للعضلات الهيكلية. يشكل النوم الريمي حوالي 20-25% من إجمالي النوم، وتحدث خلاله الأحلام الأكثر حيوية وتعقيداً.

آلية النوم الريمي

يبدأ النوم الريمي بعد حوالي 90 دقيقة من بدء النوم، وتكرر دوراته عدة مرات خلال الليل. تزداد فترة النوم الريمي تدريجياً مع اقتراب الصباح، وتتمثل أهم ميزاته في زيادة نشاط الدماغ، وتسارع التنفس، وارتفاع معدل ضربات القلب، وارتخاء العضلات لمنع حركة الجسم أثناء الأحلام.

وظائف النوم الريمي

يلعب النوم الريمي دوراً أساسياً في معالجة المعلومات العاطفية، وتعزيز التعلم والذاكرة العاطفية، وتنظيم المزاج. كما يساهم في تنشيط الجهاز العصبي، وتجديد الوظائف العصبية المرتبطة بالتركيز واليقظة خلال النهار.

النوم المتقطع

يحدث النوم المتقطع عندما تتقطع دورة النوم أو تنقطع لفترات قصيرة متكررة، ما يؤدي إلى تقليل الجودة الكلية للنوم. يمكن أن يحدث هذا بسبب عوامل خارجية مثل الضوضاء، أو بسبب اضطرابات صحية مثل توقف التنفس أثناء النوم. يسبب النوم المتقطع مشاكل في التركيز، واضطرابات المزاج، ويؤثر على أداء الوظائف الإدراكية.

النوم الأحادي والثنائي والمتعدد الفترات

في ثقافات مختلفة وأحياناً في ظروف بيئية خاصة، يتم تقسيم النوم إلى فترات مختلفة:

• النوم الأحادي (Monophasic Sleep): هو النمط السائد في المجتمعات الحديثة، حيث ينام الإنسان في فترة واحدة طويلة مستمرة.

• النوم الثنائي (Biphasic Sleep): نمط يتضمن نومين خلال اليوم، عادةً نوم رئيسي في الليل وقيلولة في النهار.

• النوم متعدد الفترات (Polyphasic Sleep): هو تقسيم النوم إلى عدة فترات قصيرة متكررة خلال اليوم، ويُستخدم أحياناً في ظروف خاصة كالسفر أو العمل المتقطع.

مراحل النوم وعلاقتها بأنواع النوم

يمر النوم في دورات متكررة تستمر حوالي 90 إلى 110 دقائق لكل دورة، وتتضمن هذه الدورات انتقال الجسم بين النوم غير الريمي والنوم الريمي.

النوم حسب الفئات العمرية

تتغير أنماط وأنواع النوم بحسب الفئة العمرية، حيث يحتاج الأطفال والرضع لفترات نوم أطول وبنمط مختلف عن البالغين:

• الأطفال حديثو الولادة: نومهم يتكون من دورات قصيرة متكررة بين النوم الريمي وغير الريمي، بمجموع ساعات نوم يومي يصل إلى 16-18 ساعة.

• الأطفال الصغار: تستمر مدة النوم في الانخفاض تدريجياً، مع زيادة نسبة النوم العميق.

• البالغون: يتميز نومهم بالتوازن بين النوم الريمي والنوم غير الريمي، مع نوم كلي يتراوح بين 7-9 ساعات.

• كبار السن: يحدث انخفاض في كمية النوم العميق وزيادة في الاستيقاظ الليلي، مع تغير في نسبة النوم الريمي.

اضطرابات النوم وتأثيرها على أنواع النوم

تؤثر اضطرابات النوم بشكل مباشر على توازن أنواع النوم، مما يؤدي إلى مشاكل صحية متعددة:

• الأرق (Insomnia): يؤدي إلى تقليل إجمالي وقت النوم، وتأخير دخول مراحل النوم العميق، مما يؤثر على تجديد الجسم والدماغ.

• توقف التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea): يتسبب في تقطع النوم المتكرر، وانخفاض جودة النوم، مما يحد من فترات النوم العميق والريمي.

• حركة الأطراف الدورية (Periodic Limb Movement Disorder): تسبب اضطرابات في النوم غير الريمي، واندفاعات عصبية تسبب استيقاظ متكرر.

• اضطراب النوم الريمي: يسبب أحلاماً مزعجة وحركات غير طبيعية، ويؤثر على استقرار النوم.

العوامل المؤثرة في نوعية وأنواع النوم

العوامل البيئية

تشمل الضوضاء، درجة الحرارة، الإضاءة، والراحة النفسية، حيث تؤثر بشكل مباشر على الدخول إلى مراحل النوم المختلفة وخاصة النوم العميق.

العوامل النفسية

الضغط النفسي والقلق والاكتئاب تؤثر على توازن النوم، وتزيد من نسبة النوم الخفيف وتنقص النوم العميق والريمي.

العوامل الفيزيولوجية

حالات مرضية مثل السكري، أمراض القلب، أو تغيرات الهرمونات تؤثر على مراحل النوم وأنواعه، وتسبب اضطرابات في النوم.

تقنيات تحسين جودة النوم وأنواع النوم

تؤدي ممارسة بعض العادات والسلوكيات الصحية إلى تحسين جودة النوم والتوازن بين أنواعه، منها:

• الالتزام بجدول نوم منتظم.

• تقليل التعرض للشاشات قبل النوم.

• ممارسة الرياضة بانتظام.

• الابتعاد عن المنبهات والكافيين قبل النوم.

• خلق بيئة نوم هادئة ومريحة.

الخلاصة

النوم هو عملية ديناميكية معقدة تشمل عدة أنواع ومراحل ضرورية لصحة الإنسان الجسدية والعقلية. النوم غير الريمي (NREM) يمثل مرحلة الاسترخاء الجسدي والتجديد، بينما النوم الريمي (REM) مسؤول عن الوظائف الإدراكية والعاطفية. التوازن بين هذين النوعين من النوم، والانتقال السلس بين مراحلهما، هو ما يضمن نوماً صحياً ومريحاً. فهم أنواع النوم وآلياتها يمكن أن يساعد في تشخيص اضطرابات النوم وعلاجها بفعالية، مما يساهم في تحسين جودة الحياة والصحة العامة.

المراجع

1. Walker, M. P. (2017). Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams. Scribner.

2. Carskadon, M. A., & Dement, W. C. (2017). Normal human sleep: an overview. In Principles and Practice of Sleep Medicine (6th ed., pp. 15-24). Elsevier.