مكرم عبيد: رائد النهضة الوطنية في مصر وواحد من أعظم قادة الحركة الوطنية

يعد مكرم عبيد من أبرز الشخصيات الوطنية التي أثرت المشهد السياسي والاجتماعي في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين. تميز بشخصيته القوية، وأفكاره الليبرالية التي تمحورت حول الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكان صوتًا مهمًا في مسيرة التحرر الوطني ضد الاحتلال البريطاني، كما لعب دورًا بارزًا في تأسيس حزب الوفد، أحد أهم الأحزاب السياسية في تاريخ مصر الحديث.

النشأة والبدايات التعليمية

ولد مكرم عبيد في قرية زفتى بمحافظة الغربية عام 1889، في أسرة بسيطة لكنها كانت متشبعة بالقيم الوطنية والاجتماعية. تلقى تعليمه في المدارس المحلية ثم التحق بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة (جامعة القاهرة حاليًا)، حيث درس الحقوق. تميز في فترة دراسته بطموحه واهتمامه بالقضايا الوطنية، مما جعله من بين الطلاب الذين بدأوا التفكير في دور الشباب في بناء مصر الحديثة.

العمل السياسي المبكر والمشاركة في الحركة الوطنية

دخل مكرم عبيد العمل السياسي منذ شبابه، وشارك في العديد من الفعاليات الوطنية التي طالبت بإنهاء الاحتلال البريطاني لمصر. كان من المؤسسين الأوائل لحزب الوفد في عام 1919، الحزب الذي تبنى فكرة الاستقلال الكامل لمصر وأسس على مبادئ ديمقراطية ليبرالية، مطالبًا بحكم ذاتي كامل.

كان عبيد من أنصار الكفاح السلمي والسياسي ضد الاحتلال، لكنه لم يتردد في دعم المقاومة الشعبية عندما اقتضت الضرورة، وكانت له مواقف حاسمة في مؤتمر الوفد الأول وفي لقاءات البرلمان التي طالبت بإصلاحات جذرية في نظام الحكم.

دوره في البرلمان والسياسة المصرية

انتُخب مكرم عبيد عضوًا في مجلس النواب المصري عدة مرات، وكان من الأصوات الحاسمة التي دافعت عن مصالح الشعب المصري. سعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تشريعات تدعم حقوق الفلاحين والعمال، بالإضافة إلى تطوير التعليم والصحة.

ومن أشهر مواقفه، رفضه للتدخل الأجنبي في الشؤون المصرية، وتصديه لمحاولات الهيمنة البريطانية على السياسة الداخلية، كما عمل على تعزيز مكانة مصر في المحافل الدولية. عرف عنه جديته ونزاهته، وكان يتمتع بشعبية كبيرة بين فئات الشعب المختلفة.

النشاط الأدبي والفكري

لم يقتصر تأثير مكرم عبيد على المجال السياسي فقط، بل كان أيضًا كاتبًا ومفكرًا له مساهمات أدبية وفكرية هامة. نشر العديد من المقالات التي تتناول قضايا الحرية والعدالة والديمقراطية، كما شارك في تأسيس عدد من المجلات السياسية والثقافية التي ساهمت في نشر الوعي الوطني بين الشباب.

أعماله الكتابية تتميز بالأسلوب الواضح والمنطقي، وتتناول تحليلات دقيقة لمشاكل المجتمع المصري وقضايا التحرر من الاحتلال، بالإضافة إلى الدعوة إلى بناء دولة حديثة قائمة على سيادة القانون والمساواة بين جميع المواطنين.

مواقف مكرم عبيد تجاه القضايا الاجتماعية

كان عبيد من الأصوات القليلة التي تناولت قضايا المرأة والطبقات الفقيرة بجدية في تلك الفترة. دعم بشدة حقوق المرأة في التعليم والعمل، وشجع على دمج المرأة في الحياة العامة باعتبارها ركيزة أساسية لتقدم المجتمع.

كما أنشأ جمعيات خيرية وساهم في دعم المبادرات التي تستهدف تحسين أوضاع الفقراء والمهمشين، واعتبر أن العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقها دون مشاركة حقيقية من جميع شرائح المجتمع.

التحديات التي واجهها وموقفه من الانقلابات

عاصر مكرم عبيد فترة مليئة بالتقلبات السياسية، بما في ذلك ثورة 1919 التي قادها الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني، وأحداث 1952 التي أنهت حكم الملكية وأعلنت الجمهورية. على الرغم من أنه دعم أهداف الثورة الوطنية، إلا أنه كان حذرًا من الانقلابات التي قد تضعف المؤسسات الديمقراطية.

عبر عن رفضه للسياسات السلطوية، ورفض بشدة أي توجهات تهدد الحريات المدنية والسياسية، مما جعله عرضة للمضايقات أحيانًا من قبل بعض الأنظمة التي جاءت بعد الثورة.

الإرث والتأثير

ترك مكرم عبيد إرثًا سياسيًا وفكريًا كبيرًا، ولا يزال اسمه مرتبطًا بالنهضة الوطنية الحديثة في مصر. ساهمت أفكاره ومواقفه في تشكيل الوعي السياسي لدى الأجيال اللاحقة، واعتبر نموذجًا للزعيم الوطني الذي يجمع بين الوطنية الصادقة والديمقراطية والحرية.

تميز أسلوبه في العمل السياسي بالواقعية والاعتدال، معتمداً على الحوار والمشاركة الشعبية كأساس لأي إصلاح سياسي أو اجتماعي. ويعتبر كثير من المؤرخين والمحللين السياسيين أن مكرم عبيد كان من أول القادة الذين رسموا ملامح الدولة الوطنية المصرية الحديثة.

جدول يوضح أبرز مراحل حياة مكرم عبيد

خاتمة

مكرم عبيد يعد من أعمدة النهضة الوطنية في مصر، حيث جمع بين الفكر السياسي القوي والالتزام بالحقوق والحريات. شكلت مواقفه ومبادئه أساسًا حيويًا لفهم التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها مصر في القرن العشرين. لم يكن مجرد سياسي عادي، بل كان صوتًا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وظل اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ المصري كأحد الرموز التي أسهمت في بناء الدولة الحديثة.

المصادر والمراجع

• عبد الرحمن بدوي، تاريخ الحركة الوطنية المصرية، دار الفكر العربي، 1970.

• محمود فهمي، حياة مكرم عبيد ومسيرته السياسية، مجلة الدراسات العربية، العدد 12، 1998.