مقال: أين دفن سيدنا عيسى عليه السلام؟
مقدمة
يعتبر النبي عيسى بن مريم عليه السلام من أعظم الأنبياء الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى لهداية البشر. حيث ورد ذكره في القرآن الكريم في العديد من الآيات التي تشير إلى معجزاته وتعاليمه. كما يشهد له التاريخ والعقيدة المسيحية بكونه من الشخصيات المحورية التي شكلت تاريخ الأديان السماوية. وفي هذا السياق، تثير العديد من الأسئلة حول مصير سيدنا عيسى بعد رفعه إلى السماء، خاصةً فيما يتعلق بمكان دفنه أو مكانه في آخر الزمان. ولذا، في هذا المقال سوف نعرض مجموعة من الآراء والأدلة المتوافرة حول المكان الذي دُفن فيه عيسى عليه السلام.
النظرة الإسلامية لموت ورفع سيدنا عيسى عليه السلام
في القرآن الكريم، وردت العديد من الآيات التي تحدثت عن رفع سيدنا عيسى إلى السماء. في قوله تعالى في سورة النساء (الآية 157): “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَىٰ ٱبْنَ مَرْيَمَ ۚ مَا قَتَلْنَٰهُ وَمَا صَلَبْنَٰهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِۦ مِنْ عِلْمٍۢ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلْنَٰهُ يَقِينًۭا”، حيث أكد القرآن أن عيسى لم يُصلب ولم يُقتل، بل رفعه الله إليه.
ويؤمن المسلمون أن الله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء حيًّا، وهو في حالٍ لا يعلمها إلا الله، وأنه سيعود في آخر الزمان ليقضي على الفتن ويملأ الأرض عدلًا، وهو ما يوافق ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة. ومن هنا، فإن الإسلام لا يعتقد أن سيدنا عيسى قد مات ودفن، بل رفعه الله إليه، ومن ثم لا يوجد “مقبرة” محددة يقال إنه دُفن فيها.
النظرة المسيحية لموت ودفن سيدنا عيسى عليه السلام
في المسيحية، يعتبر موت ودفن عيسى عليه السلام من الركائز الأساسية في الإيمان. وفقًا للمعتقدات المسيحية، فإن عيسى قد صُلب على جبل الجلجثة في القدس، وقد توفي نتيجة لهذا الصلب، ثم دفن في قبرٍ في منطقة تقع خارج أسوار المدينة. ووفقًا للإنجيل، فإن القبر الذي دفن فيه كان يُعرف بقبر يوسف الرامي، وهو تلميذ سريّ للسيد المسيح، الذي طلب إذنًا من الحاكم الروماني في ذلك الوقت، بيلاطس البنطي، لكي يُدفن فيه عيسى بعد موته.
وقد جاء في الإنجيل أن القبر كان مُغلقًا بحجر ضخم، ووقُفت الحراسة حوله. وفي اليوم الثالث بعد موته، تم اكتشاف أن القبر قد فُتح، وأنه لم يُعثر على جثته. وهذا ما يُعتبر عند المسيحيين كعلامة من الله على قيامته من بين الأموات.
من وجهة نظر المسيحية، يُعتقد أن قبر عيسى في مدينة القدس أصبح أحد الأماكن المقدسة التي يقصدها الحجاج المسيحيون، ولا يزال يوجد في تلك المنطقة العديد من المواقع الدينية التي يرتبط بها هذا الحدث الهام في العقيدة المسيحية.
الرأي اليهودي حول موت ودفن عيسى عليه السلام
يختلف الرأي اليهودي حول مصير عيسى، حيث يرى اليهود أنه لم يكن المسيح المنتظر ولا هو نبي من عند الله. وبالرغم من أن اليهود يؤمنون بوجود شخص تاريخي يُدعى عيسى في تلك الفترة الزمنية، إلا أنهم يعتقدون أنه تم محاكمته وصلبه من قبل السلطات الرومانية بسبب ادعائه النبوة وتجاوزه لحدود الشريعة اليهودية.
وبناءً على ذلك، لا يعتبر اليهود أن عيسى عليه السلام كان مُرفوعًا إلى السماء، بل يعتقدون أنه تُوفي وتم دفنه. إلا أن اليهود لا يهتمون بتحديد مكان دفنه كما هو الحال في المسيحية.
المعتقدات المختلفة حول مكان دفن سيدنا عيسى عليه السلام
-
الرأي الأول: رفعه إلى السماء
كما ذكرنا، يؤمن المسلمون استنادًا إلى القرآن الكريم أن الله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء حيًّا، ولا يُعتقد أن له قبرًا على الأرض. وبالتالي، فإن مكان دفنه غير معروف في العقيدة الإسلامية. كما يُعتقد أن عيسى سيعود في آخر الزمان، وتُجدد مسألة موته ودفنه حينها، إذ سيحدث موت حقيقي له بعد عودته ليقوم بتحقيق عدل الله.
-
الرأي الثاني: قبر في القدس
كما هو معروف في المسيحية، يعتقد المسيحيون أن سيدنا عيسى دفن في قبر يُعرف بقبر يوسف الرامي في القدس. القبر هو مكان سياحي وديني يرتاده الكثير من المسيحيين. كما يُقال إن هناك مكانًا يُسمى “كنيسة القيامة” في القدس، الذي يُعتقد أن عيسى دُفن فيه ثم قام من موته. هذا المكان له رمزية دينية كبيرة في العقيدة المسيحية.
-
الرأي الثالث: مناطق أخرى تُنسب إلى دفنه
في بعض التقاليد المسيحية الأخرى، تظهر بعض القصص حول دفن عيسى في مناطق أخرى غير القدس، مثل مدينة أريحا أو جبل الزيتون. لكن هذه الآراء لا تستند إلى أدلة قوية وتظل محل نقاش بين الباحثين.
خاتمة
من خلال مختلف الآراء التي عرضناها في هذا المقال، يمكننا القول إن الحديث عن مكان دفن سيدنا عيسى عليه السلام يختلف باختلاف الأديان والمعتقدات. في الإسلام، يُعتقد أنه لم يُصلب ولم يُقتل بل رفعه الله إلى السماء، ولذلك لا يوجد قبر أو مكان دفن معروف له على الأرض. بينما في المسيحية، يُعتبر مكان دفنه في القدس مركزًا دينيًّا مهمًّا، رغم أن هناك بعض النقاشات حول تفاصيل هذا المكان. وبالنهاية، تظل هذه الأسئلة من المواضيع التي يتداخل فيها الاعتقاد الديني والتاريخي، ويبقى الجواب النهائي حول مكان دفن عيسى غامضًا ومفتوحًا للمزيد من البحث والنقاش.
